الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويستحب في يوم الفطر أن يطعم قبل أن يخرج إلى المصلى ويغتسل ويستاك ويتطيب ) لما روي { أنه عليه الصلاة والسلام كان يطعم في يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى ، وكان يغتسل في العيدين } ولأنه يوم اجتماع فيسن فيه الغسل والطيب كما في الجمعة ( ويلبس أحسن ثيابه ) ; لأنه [ ص: 72 ] عليه الصلاة والسلام كانت له جبة فنك أو صوف يلبسها في الأعياد ( ويؤدي صدقة الفطر ) إغناء للفقير ليتفرغ قلبه للصلاة ( ويتوجه إلى المصلى ، ولا يكبر عند أبي حنيفة رحمه الله في طريق المصلى ، وعندهما يكبر ) اعتبارا بالأضحى . وله أن الأصل في الثناء الإخفاء ، والشرع ورد به في الأضحى ; لأنه يوم تكبير ، ولا كذلك يوم الفطر [ ص: 73 ] ( ولا يتنفل في المصلى قبل العيد ) ; لأنه عليه السلام لم يفعل ذلك مع حرصه على الصلاة ، ثم قيل الكراهة في المصلى خاصة ، وقيل فيه وفي غيره عامة ; لأنه عليه السلام لم يفعله .

التالي السابق


( قوله : أن يطعم ) الإنسان ، ويستحب كون ذلك المطعوم حلوا لما في البخاري { كان صلى الله عليه وسلم لا يغدو في يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا } وأما حديث الغسل للعيدين فتقدم في الطهارة ، وحديث لبسه جبة فنك أو صوف غريب . وروى البيهقي من طريق الشافعي { أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس برد حبرة ؟ في كل عيد } رواه الطبراني في الأوسط { كان صلى الله عليه وسلم يلبس يوم العيد بردة حمراء } انتهى .

واعلم أن الحلة الحمراء عبارة عن ثوبين من اليمن فيهما [ ص: 72 ] خطوط حمر وخضر لا أنه أحمر بحت ، فليكن محمل البردة أحدهما ( قوله : ويتوجه إلى المصلى ) والسنة أن يخرج الإمام إلى الجبانة ويستخلف من يصلي بالضعفاء في المصر بناء على أن صلاة العيد في موضعين جائزة بالاتفاق . وعند محمد تجوز في ثلاثة مواضع ، وإن لم يستخلف له ذلك وتخرج العجائز للعيد لا الشواب ، ولا يخرج المنبر إلى الجبانة ، واختلفوا في بناء المنبر بالجبانة : قال بعضهم : يكره ، وقال خواهر زاده : حسن في زماننا ، وعن أبي حنيفة لا بأس به . ( قوله : لا يكبر إلخ ) الخلاف في الجهر بالتكبير في الفطر لا في أصله ; لأنه داخل في عموم ذكر الله تعالى ; فعندهما يجهر به كالأضحى ، وعنده لا يجهر ، وعن أبي حنيفة كقولهما . وفي الخلاصة ما يفيد أن الخلاف في أصل التكبير وليس بشيء ، إذ لا يمنع من ذكر الله بسائر الألفاظ في شيء من الأوقات بل من إيقاعه على وجه البدعة .

فقال أبو حنيفة : رفع الصوت بالذكر بدعة يخالف الأمر من قوله تعالى { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول } فيقتصر فيه على مورد الشرع ، وقد ورد به في الأضحى وهو قوله تعالى { واذكروا الله في أيام معدودات } جاء في التفسير أن المراد التكبير في هذه الأيام ، والأولى للاكتفاء فيه بالإجماع عليه لما سنذكر في قوله تعالى { ولتكبروا الله على ما هداكم } فإن قيل : فقد قال تعالى { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم } وروى الدارقطني عن سالم أن عبد الله بن عمر أخبره { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى } . فالجواب أن صلاة العيد فيها التكبير ، والمذكور في الآية بتقدير كونه أمرا على ما تقدم فيه أعم منه ، ومما في الطريق ; فلا دلالة له على التكبير المتنازع فيه ; لجواز كونه ما في الصلاة ، ولما كان دلالتها عليه ظنية ; لاحتمال التعظيم كان الثابت الوجوب .

والحديث المذكور ضعيف بموسى بن محمد بن عطاء أبي الطاهر المقدسي ، ثم ليس فيه أنه كان يجهر به وهو محل النزاع ، وكذا روى الحاكم مرفوعا ولم يذكر الجهر . نعم روى الدارقطني عن نافع موقوفا على ابن عمر : أنه كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى ثم يكبر حتى يأتي الإمام . قال البيهقي : الصحيح وقفه على ابن عمر ، وقول صحابي لا يعارض به عموم الآية القطعية الدلالة : أعني قوله تعالى { واذكر ربك } إلى قوله { ودون الجهر } وقال صلى الله عليه وسلم { خير الذكر الخفي } فكيف وهو معارض بقول صحابي آخر . وروي عن ابن عباس { أنه سمع الناس يكبرون فقال لقائده : أكبر الإمام ؟ قيل لا ، قال : أجن الناس ؟ أدركنا مثل هذا اليوم مع النبي صلى الله عليه وسلم فما كان أحد يكبر قبل الإمام } وقال أبو جعفر : لا ينبغي أن تمنع العامة عن ذلك لقلة رغباتهم في الخيرات .

ويستحب أن [ ص: 73 ] يرجع من غير الطرق التي ذهب منها إلى المصلى ; لأن مكان القربة يشهد ففيه تكثير للشهود ( قوله : ولا يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد ) وعامة المشايخ على كراهة التنفل قبلها في المصلى والبيت ، وبعدها في المصلى خاصة ; لما في الكتب الستة عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فصلى بهم العيد لم يصل قبلها ولا بعدها } وأخرج الترمذي عن ابن عمر { أنه خرج في يوم عيد فلم يصل قبلها ولا بعدها ، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله } صححه الترمذي ، وهذا النفي بعد الصلاة محمول عليه في المصلى لما روى ابن ماجه : أخبرنا محمد بن يحيى عن الهيثم بن جميل عن عبد الله بن عمرو الرقي عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين } .




الخدمات العلمية