الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 10 ] وحرم سلف : مقوم ومعدوم ، وكره النقد والمثلي : [ ص: 11 ] كالتجارة ، والربح له .

[ ص: 10 ]

التالي السابق


[ ص: 10 ] ( وحرم ) بفتح فضم على مودع بالفتح مليء أو معدم ( سلف ) أي تسلف شيء ( متقوم ) بضم ففتحتين مثقلا كمرض وحيوان مودع عنده اتفاقا لاختلاف الأعراض في عينه ، فلا يقوم مثله مقامه ولأنه من تملك الشيء من غير طيب مالكه ( و ) حرم سلف شخص مودع بالفتح ( معدم ) بضم فسكون فكسر ، أي فقير لا يقدر على وفاء ما يتسلفه من مثلي مودع عنده . ابن عبد السلام ومن بيده قدرها أو زائد عليها بيسير كالمعدم وأقره المصنف واستظهره في الشامل ( وكره ) بضم فكسر أن يتسلف ( النقد والمثلي ) أي ما يكال أو يوزن أو يعد للمودع بالفتح المليء تت كذا في وديعتها وفي لقطتها المنع .

" ق " اللخمي ليس للمودع أن يتسلف الوديعة إذا كان فقيرا فإن كان موسرا ، فإن كانت الوديعة عروضا أو مما يقضى فيه بالقيمة أو ما يكال أو يوزن وكان يكثر اختلافه ولا يتحصل أمثاله كالكتان فليس للموسر أيضا أن يتسلفها . الباجي اختلف قول مالك رضي الله عنه في جواز التسلف من الوديعة بغير إذن ربها ، ففي المعونة أنه مكروه ، وفي العتبية من سماع أشهب تركه أحب إلي وقد أجازه بعض الناس فروجع في ذلك فقال إن كان له مال فيه وفاء وأشهد فأرجو أن لا بأس به . الباجي وهذا في الدنانير والدراهم .

ووجه الجواز إذا قلنا إن الدنانير والدراهم لا تتعين فإنه لا مضرة على المودع في انتفاع المودع بها إذا أراد مثلها ، وقد كان له أن يرد مثلها ويتمسك بها مع بقاء عينها ولأن المودع قد ترك الانتفاع بها مع القدرة عليه فجاز للمودع الانتفاع بها ، ويجري ذلك مجرى الانتفاع بظل حائطه وضوء سراجه ، وهذا بخلاف تسلف الوصي مال اليتيم فإنه إثم ا هـ .

اللخمي اختلف في القمح والشعير وما أشبهه هل يلحق بالدنانير في الجواز ؟ وظاهر قول ابن القاسم في المدونة إنه إن تسلف القمح والشعير والزيت وأشباه ذلك مضى على وجه السلف لأنه أجاز إذا تسلف ذلك أن يخرج المثل من ذمته كالدراهم ، فلو كان ذلك عنده كالعروض لم يصح إخراج المثل من الذمة ولم يجز السلف . الباجي الأظهر عندي [ ص: 11 ] المنع ويجيء على قول القاضي أبي بكر أنه يبرأ برد مثله إباحة ذلك . اللخمي وأرى أن ينظر إلى المودع ، فإن كان علم منه أنه لا يكره ذلك فيما بينه وبين المودع أو معه كرم طبع جاز ، وإن كان علمت منه الكراهية فلا يجوز لأنه لو حجر عليه ذلك حين الدفع أو قال احذر أن تتسلفها لم يختلف في منعه منه ، وإن أشكل أمره كره .

وشبه بالسلف في تفصيله المتقدم بتمامه فقال ( كالتجارة ) وفي الوديعة من المودع بالفتح فتحرم في المقوم مطلقا . ومن المعدم في المنقد والمثلي وتكره فيهما من المليء قاله صر . البناني وهو الصواب ونحوه لابن عاشر . وأما ما في المدونة من الكراهة ونصها ومن أودعته مالا فتجر به فالربح له ، وليس عليه أن يتصدق به وتكره التجارة الوديعة . ا هـ . فإنما هي في وديعة المال ، أي النقد لأنه موضوعها لا مطلقا ( و ) إن اتجر المودع بالفتح الوديعة وربح فيها ف ( الربح له ) أي المودع بالفتح ، إذ لو تلفت لضمنها والخراج بالضمان . " ق " في لقطتها لا يتجر باللقطة في السنة ولا بعدها كالوديعة . وفي الموطإ قال مالك " رضي الله عنه " إذا استودع الرجل مالا فابتاع به لنفسه وربح فيه ، فإن ذلك الربح له لأنه ضامن للمال حتى يؤديه إلى صاحبه . في الاستذكار هذا قول مالك وربيعة والليث . وأبي يوسف رضي الله تعالى عنهم أنه إذا رد المال طاب له الربح غاصبا كان للمال أو مستودعا عنده وتعدى فيه . الباجي .

قوله فإن ذلك الربح له أراد به إذا كان ذلك المال عينا ، وهذا عندي مبني على أن الدنانير والدراهم لا تتعين بغصبها ، ولذلك قال إنه لو كانت الوديعة طعاما فباعه بثمن فإن صاحبه يخير بين إمضاء البيع وأخذ الثمن ، أو يضمنه مثل طعامه ووجه ذلك أن هذا مما يتعين بالصفة ، ويتعلق به معنى آخر ، وهو أن المودع لم يبطل على المودع غرضه من الدراهم لأنه إنما أمره بحفظها ، ولو كانت بضاعة أمره أن يشتري بها سلعة معينة أو غير معينة فاشترى بها سلعة لنفسه ، فإن صاحب البضاعة يخير بين أن يضمنه مثل بضاعته أو يأخذ ما اشترى بها ووجه ذلك أنه قد أمره أن يشتري له فأراد أن يبطل عليه غرضه من بضاعته ويستأثر بربحها ، [ ص: 12 ] فلم يكن له ذلك . وفي المعونة ومن أبضع معه ببضاعة يشتري بها شيئا فتجر فيها ، فإن تلفت ضمنها ، وإن ربح فالربح للمالك ، بخلاف الوديعة لأن المبضع طلب الربح فليس للمبضع معه قطعه فلا يكون له من الربح شيء . وفي المنتقى ولم يختلف أصحابنا أن المبضع معه المال يبتاع به لنفسه أن صاحبه مخير بين أن يأخذ ما ابتاع به لنفسه أو يضمنه رأس المال لأنه إنما دفعه إليه على النيابة عنه في عرضه وابتياع ما أمره به ، فكان أحق بما ابتاعه ، وهذا إذا ظفر بالأمر قبل بيع ما ابتاعه ، فإن فات ما ابتاعه به فإن ربحه لرب المال وخسارته على المبضع معه .




الخدمات العلمية