الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو وجد عضو مسلم ) علم . [ ص: 494 ] موته لا بشهادة ولو كان الجزء ظفرا أو شعرا وتحقق انفصاله منه حال موته ( صلي عليه )

                                                                                                                            بعد طهره ، ويجب دفنه وستره بخرقة إن كان من العورة بناء على أن الواجب في التكفين سترها فقط على ما مر ، كذا قاله الشيخ تبعا لغيره من المتأخرين .

                                                                                                                            قال ابن العماد : وهذا كله فاسد حصل من التغفل وعدم الإحاطة بالمدارك ، فإن ستر العورة حق لله تعالى وستر الزائد من البدن حق للميت فيجب علينا استيعاب جميع بدنه .

                                                                                                                            والأصل فيما تقرر أن الصحابة رضي الله عنهم صلوا على يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وقد ألقاها طائر نسر بمكة في وقعة الجمل سنة ست وثلاثين وعرفوها بخاتمه .

                                                                                                                            رواه الشافعي بلاغا والزبير بن بكار في أنسابه ، والظاهر أنهم كانوا عرفوا موته بنحو استفاضة .

                                                                                                                            أما جزء الحي وما لم يتحقق انفصاله منه بعد موته بأن انفصل منه حيا كأذنه الملتصقة إذا وجدت بعد موته أو شك في انفصاله منه بعد موته بأن انفصل منه حيا أو ميتا فلا يجب فيه ذلك كما في المجموع .

                                                                                                                            نعم المبان منه إذا مات عقبه حكمه كالأول فيجب فيه ما مر ، بخلاف ما لو تراخى الموت عنه وإن لم يندمل الجرح ، قاله البغوي .

                                                                                                                            ويسن دفن ما انفصل من حي لم يمت حالا أو ممن شك في موته كيد سارق [ ص: 495 ] وظفر وشعر وعلقة ، ودم نحو فصد إكراما لصاحبها ، وظاهر كلام المتولي وجوب لف اليد ، ودفنها وكلامهم يخالفه ، لا الشعرة الواحدة فلا يجب فيها ذلك كما نقلاه عن صاحب العدة وأقراه وما اعترض به من أنها صلاة على غائب في الحقيقة فلا فرق بين الشعرة وغيرها ، يرد بأنها وإن كانت كذلك لكن بقية البدن تابع لما صلي عليه كما يأتي فاشترط أن يكون له وقع في الوجود حتى يستتبع ، بخلاف الشعرة فإنها ليست كذلك فلا يناسبها الاستتباع وهل الظفر كالشعرة أو يفرق على نظر وكلامهم إلى الفرق أميل ، وينوي في الصلاة على العضو الجملة وجوبا وإن علم أنه صلى على جملة الميت لا على العضو وحده إذ الجزء الغائب تابع للحاضر كما مر ومحل وجوب هذه الصلاة حيث لم يصل على الميت وإلا فلا يجب كما اقتضاه كلام السبكي ، ومحله إن كان قد صلى بعد طهر العضو وإلا وجبت لزوال الضرورة المجوزة للصلاة عليه بدون غسل العضو بوجداننا ، وعليه يحمل قول الكافي : لو قطع رأس إنسان وحمل إلى بلد آخر صلي عليه حيث هو وعلى الجثة حيث هي ولا يكتفى بالصلاة على أحدهما ، ولو وجد ميت مجهول أو بعضه ببلادنا صلي عليه إذ الغالب فيها الإسلام ، ومقتضاه عدم الصلاة عليه إذا وجد في موات لا ينسب لدار الإسلام ولا إلى دار الكفر وهو الذي لا يذب عنه أحد وهو كذلك أو وجد بغيرها فحكمه يعلم من باب اللقيط ، ولمن حضر بعد الصلاة فعلها جماعة وفرادى والأولى التأخير إلى الدفن كما نص عليه وينوي الفرض لوقوعها منه فرضا كما مر

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولو وجد عضو مسلم ) قال الشيخ عميرة : لو كان الجزء من ذمي فالقياس وجوب تكفينه ودفنه ا هـ .

                                                                                                                            وقوله بعد طهره لو لم يوجد ماء ، فإن كان العضو محل التيمم كالوجه واليدين يممه وإلا فلا صلاة لفقد شرطها من الطهر كذا ظهر ووافق عليه م ر .

                                                                                                                            أقول : قد يرد عليه أنه إذا وجد اليد مثلا ويممها لا يسمى ذلك تيمما شرعيا فلا معنى له اللهم إلا أن يقال لما لم يمكن غير ذلك اكتفي به .

                                                                                                                            [ فرع ] إذا كان الجزء الموجود شعرا فهل يجب في دفنه أن يدفن فيما يمنع الرائحة أم لا ; لأن الشعر لا رائحة له فيكفي ما يصونه عن الانتهاك عادة وإن لم يمنع الرائحة لو كان هناك رائحة ؟ فيه نظر ، ويحتمل أن يشترط ذلك فيهما لأنه أقل مسمى الدفن شرعا وما دون ذلك ليس دفنا شرعيا فليتأمل ، ويتجه أن يشترط ذلك في الميت الذي جف دون الشعر .

                                                                                                                            [ فرع ] هل المشيمة جزء من الأم أو من المولود حتى إذا مات أحدهما عقب انفصالها كان لها حكم الجزء [ ص: 494 ] المنفصل من الميت فيجب دفنها ، ولو وجدت وحدها وجب تجهيزها والصلاة عليها كبقية الأجزاء أو لا لأنها لا تعد من أجزاء واحد منهما خصوصا المولود فيه نظر فليتأمل ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            أقول : الظاهر أنه لا يجب فيها شيء وفيه على حج وهل يجب توجيه الجزء للقبلة بأن يجعل على الوضع الذي يكون عليه لو كان متصلا بالجملة ووجهت للقبلة ؟ فيه نظر ، ولا يبعد الوجوب ( قوله : سترها فقط على ما مر ) قد يقتضي وجوب ثلاث لفائف للعضو لكن قوله قبل ستره بخرقة يفهم أنه لا يجب ذلك ولكن يجب ستره وإن كان من غير العورة ( قوله رواه الشافعي بلاغا ) أي بصيغة بلغني ( قوله : كأذنه الملتصقة ) أي حيث انفصلت في الحياة ثم التصقت بحرارة الدم يعني ولم تحلها الحياة ( قوله : فلا يجب فيه ذلك ) أي بل لا تجوز الصلاة عليه ما لم يعلق النية على قياس ما مر ( قوله : نعم المبان منه إذا مات عقبه ) شمل ذلك ما لو حلق رأسه ثم مات عقب الحلق فجأة فليراجع .

                                                                                                                            ثم رأيت حج قال ما حاصله : أو انفصل منه بعد موته أو وحركته حركة مذبوح ا هـ ومفهومه يخالف ذلك .

                                                                                                                            وقضيته أيضا أنه لا فرق بين كون وصوله إلى حركة المذبوح بمرض أو بجناية ، وقد فرقوا بينهما في مواضع فليحرر .

                                                                                                                            وقد يقال : الأقرب تصوير ذلك بما لو مات بجناية .

                                                                                                                            [ فائدة ] وقع السؤال عما لو قطعت يد المسلم ثم ارتد ومات مرتدا هل تعود له يده يوم القيامة وتعذب وإن كانت انفصلت حالة الإسلام أم لا ؟ وعما لو قطعت يد الكافر ثم أسلم ومات مسلما فهل تعود له يده وتنعم وإن كانت انفصلت حالة الكفر أم لا ؟ فيه نظر ، أقول : والظاهر في كل منهما أنها تعود وتنعم فيما لو قطعت في الكفر وتعذب فيما لو قطعت قبل الردة .

                                                                                                                            لا يقال : تعذيب اليد المقطوعة في الإسلام وتنعيم المقطوعة في الكفر تعذيب للأولى وهي قطعت متصفة بالإسلام وتنعيم للثانية وقد قطعت في الكفر ; لأنا نقول : المقطوعة في الإسلام سلبت الأعمال الصادرة منها بارتداد صاحبها ، والمقطوعة في الكفر سقطت المؤاخذة بما صدر منها بإسلام صاحبها لقوله تعالى { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ( قوله : تراخى ) أي عرفا ( قوله : ويسن دفن ما انفصل من حي لم يمت حالا ) ويعلم ذلك بأن لم تكن حركته حركة مذبوح عقب انفصال الجزء منه ( قوله : كيد سارق ) وينبغي [ ص: 495 ] إذا دفنت أن يجعل باطنها لجهة القبلة ، ومثلها كل ما يتأتى له جهة إذا وجهت جملته إلى القبلة تكون تلك الجملة إليها فيجعل مقدم الساق إلى جهة القبلة ( قوله : وظفر وشعر ) ومنه ما يزال بحلق الرأس وينبغي أن المخاطب به ابتداء من انفصل منه فإن ظن أن الخالق يفعله سقط عنه الطلب ( قوله : وظاهر كلام المتولي وجوب لف اليد ) أي المنفصلة من الحي ( قوله وكلامهم يخالفه ) معتمد ( قوله : لا الشعرة الواحدة ) يتصل بقوله فيما مر ولو كان الجزء ظفرا أو شعرا ونحوه : أي وإن طالت جدا ومثل الصلاة غيرها فلا يجب غسلها لأنه لا حرمة لها كما نقله في أصل الروضة عن صاحب العدة وأقره ا هـ خطيب ( قوله : وكلامهم إلى الفرق أميل ) معتمد ( قوله : إذ الغالب فيها الإسلام ) أي ولا فرق في ذلك بين أن توجد فيه علامة الكفر كالصليب أو لا لحرمة الدار ، وقد يدل عليه قوله الآتي أو وجد بغيرها فحكمه إلخ ، لأنهم لم يفرقوا ثم بين من فيه علامة وغيره ولا بين كون العادة تحيل ذلك أو لا ( قوله : أو وجد بغيرها ) أي دارنا ( قوله : فحكمه يعلم من باب اللقيط ) وذلك أنه إن كان فيها مسلما فمسلم وإلا فكافر ( قوله : ولمن حضر بعد الصلاة ) أي على الميت ( قوله : والأولى التأخير إلى الدفن ) أي مسارعة إلى دفنه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 494 ] قوله : قال ابن العماد وهذا كله فاسد إلخ ) لعل كلام ابن العماد في حد ذاته مرتب على غير هذا الذي ساقه الشارح هنا عن الشيخ كغيره ، وإلا فهو لا يرد عليه بعد تقييده بقوله بناء على أن الواجب في التكفين سترها فقط ، وعبارة الماوردي إن كان من العورة وجب وإلا فلا فلعل ابن العماد أورد كلامه على مثل هذا ( قوله : والظاهر أنهم كانوا عرفوا موته ) [ ص: 495 ] أي وانفصال اليد منه بعد موته ( قوله : وظاهر كلام المتولي وجوب لف اليد ودفنها ) أي المنفصلة من الحي ( قوله : لا الشعرة الواحدة ) مستثنى من عموم العضو في المتن ( قوله : فحكمه يعلم من باب اللقيط ) كذا نقله في شرح الروض عن القاضي مجلي وابن الرفعة ، لكن بلفظه : فحكمه حكم اللقيط ، وقضيته أنه إذا وجد بدار الكفر وفيها مسلم أنه يصلى عليه وربما يشكل على ما مر من عدم الصلاة على ما وجد في موات لا ينسب لدار الكفر ولا لدار الإسلام فتأمل .




                                                                                                                            الخدمات العلمية