الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومن ) ( استشير في خاطب ) ، أو نحو عالم يريد الاجتماع به ، أو معاملته هل تصلح ، أو لا ، أو لم يستشر في ذلك كما يجب على من علم بالمبيع عيبا أن يخبر به من يريد شراءه مطلقا فالاستشارة جري على الغالب وعلم عدم الفرق بين الأعراض والأموال ، خلافا لمن فرق بينهما بأن الأعراض أشد حرمة من الأموال ، وذلك لأن الضرر هنا أشد لأن فيه تكشف بضع وهتك سوأة وذو المروءة يسمح في الأموال بما لا يسمح به هنا ( ذكر ) وجوبا كما في الأذكار والرياض وشرح مسلم كفتاوى القفال وابن الصلاح وابن عبد السلام ، وتعبيره في الروضة بالجواز غير مناف للوجوب ( مساويه ) الشرعية ، وكذا العرفية فيما يظهر أخذا من الخبر الآتي : { وأما معاوية فصعلوك لا مال له } أي عيوبه .

                                                                                                                            سميت بذلك لأنها تسيء صاحبها : أي ما ينزجر به منها إن لم ينزجر بنحو ما يصلح لك كما قاله المصنف كالغزالي ، ولا ينافيه الخبر الآتي لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم علم من مستشيرته أنها وإن اكتفت بنحو لا يصلح لك تظن وصفا أقبح مما هو فيه فبين دفعا لهذا المحظور ، ولا يقاس به صلى الله عليه وسلم في ذلك غيره فيلزمه الاقتصار على ذلك وإن توهم نقص أفحش منه لأنه لفظ لا يتعبد به فلا مبالاة بإيهامه ( بصدق ) ليحذر بذلا للنصيحة الواجبة ، وصح { أنه صلى الله عليه وسلم استشير في معاوية وأبي جهم فقال : أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وهو كناية عن كثرة الضرب وأما معاوية فصعلوك لا مال له } .

                                                                                                                            نعم إن علم أن الذكر لا يفيد أمسك كالمضطر لا يباح له إلا ما اضطر إليه .

                                                                                                                            وقد يؤخذ منه وجوب ذكر الأخف فالأخف من العيوب ، وهذا أحد أنواع الغيبة الجائزة ، وهي ذكر الغير بما فيه ، أو في نحو ولده ، أو زوجته أو ماله بما يكره : أي عرفا ، أو شرعا لا بنحو صلاح وإن كرهه فيما يظهر ولو بإشارة ، أو إيماء وبالقلب بأن أصر فيه على استحضار ذلك .

                                                                                                                            ومن أنواعها [ ص: 206 ] المباحة أيضا التظلم لذي قدرة على إنصافه أو الاستعانة به على تغيير منكر ودفع معصية ، والاستفتاء بأن يذكر وحال خصمه مع تعيينه للمفتي وإن أغنى إجماله لأنه قد يكون في التعيين فائدة ، ومجاهرة بفسق ، أو بدعة بأن لم يبال بما يقال فيه من جهة ذلك لخلعه جلباب الحياء فسقطت حرمته لكن لا يذكر بغير ما تجاهر به ، والأوجه أن مجاهرته بصغيرة كذلك فيذكرها فقط وشهرته بوصف يكرهه فيذكر للتعريف وإن أمكن تعريفه بغيره لا على وجه التنقيص ، والأوجه عدم الحرمة في حالة الإطلاق ، ولو استشير في نفسه وفيه مساو فالأوجه من تردد فيه ، واقتضاه إطلاقهما وجوب نحو لا أصلح لكم إن لم يسمح بالإعراض فإن رضوا به مع ذلك وإلا لزمه الترك أو الإخبار بما فيه من كل مذموم شرعا أو عرفا فيما يظهر نظير ما مر .

                                                                                                                            وما بحثه الأذرعي من تحريم ذكر ما فيه حرج كزنا بعيد وإن أمكن توجيهه بأن له مندوحة عنه بترك الخطبة بل يرده قولهم في باب الزنا باستحباب ستره على نفسه لا وجوبه .

                                                                                                                            وقول بعضهم لو علم رضاهم بعيبه فلا فائدة لذكره مردود بأن استشارتهم له في نفسه دالة على عدم رضاهم فتعين الإخبار ، أو الترك كما تقرر .

                                                                                                                            ومقتضى ما تقرر أن فرضهم التردد السابق فيما لو استشير في نفسه ليس للتقييد فيلزمه ذكر ما فيه بترتيبه السابق وإن لم يستشر وهو قياس من علم بمبيعه عيبا يلزمه ذكره مطلقا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله بين الأعراض والأموال ) أي من قوله ، أو معاملته ( قوله : بأن الأعراض أشد حرمة ) لعل المراد أن من فرق يقول الأعراض أشد حرمة : أي احتراما فيحذر من هتكها بخلاف الأموال ( قوله : مساويه ) أي ولو لم تتعلق بما يريده كأن أراد الزوج وكان فاسقا وحسن العشرة مع الزوجات فيذكر للزوجة الفسق وإن لم تسأل الزوجة عن ذلك ( قوله : لأنه لفظ ) أي قول الرسول لا يصلح لك إلخ ( قوله : وأما معاوية ) هو غير ابن أبي سفيان ( قوله : وهي ذكر الغير بما فيه ) أي أما بما ليس فيه فهو كذب صريح ( قوله : لا بنحو صلاح ) من الأوصاف الحميدة ( قوله ومن أنواعها إلخ ) وقد نظم ذلك بعضهم ، فقال :

                                                                                                                            القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر ولمظهر فسقا ومستفت ومن
                                                                                                                            طلب الإعانة في إزالة منكر

                                                                                                                            [ ص: 206 ] قوله : لذي قدرة على إنصافه ) مفهومه الحرمة إذا لم يكن كذلك ( قوله : ومجاهرة بفسق ) ظاهره وإن لم يقصد بذلك زجره عن المعصية ( قوله : مع ذلك ) أي فذاك ( قوله : وإلا لزمه ) أي وإلا يرضوا بالأصلح ( قوله : من تحريم ذكر ) أي فيما لو استشير في نفسه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : لأن الضرر هنا ) أي في الأعراض وهذا من كلام الفارقي ( قوله : أي عيوبه ) تفسير لمساويه ( قوله : وهي ذكر الغير بما فيه أو في نحو ولده إلخ ) أي بأن يقول فلان الفاسق أو أبو الفاسق أو زوج الفاسقة مثلا ، وخرج [ ص: 206 ] بذكره ذكر ولده أو زوجته فقط من غير تعرض لذكره فإنه لا يكون غيبة له كما هو واضح فتنبه ( قوله : ومجاهرة بفسق ) هو على حذف مضافين ليصح العطف : أي ومن أنواعها المباحة غيبة ذي مجاهرة إلخ ( قوله : إن لم يسمح بالإعراض ) هو بكسر همزة الإعراض : أي محل وجوب الذكر إن لم يسمح بالإعراض عن الخطبة : أي أما إذا سمح به فيعرض ولا يجب عليه الذكر




                                                                                                                            الخدمات العلمية