الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويقرأ يس ، وفي الحديث { من قرأ الإخلاص أحد عشر [ ص: 243 ] مرة ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات } ،

التالي السابق


( قوله ويقرأ يس ) لما ورد [ ص: 243 ] { من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ ، وكان له بعدد من فيها حسنات } بحر . وفي شرح اللباب ويقرأ من القرآن ما تيسر له من الفاتحة وأول البقرة إلى المفلحون وآية الكرسي - وآمن الرسول - وسورة يس وتبارك الملك وسورة التكاثر والإخلاص اثني عشر مرة أو إحدى عشر أو سبعا أو ثلاثا ، ثم يقول : اللهم أوصل ثواب ما قرأناه إلى فلان أو إليهم . ا هـ . مطلب في القراءة للميت وإهداء ثوابها له [ تنبيه ]

صرح علماؤنا في باب الحج عن الغير بأن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوما أو صدقة أو غيرها كذا في الهداية ، بل في زكاة التتارخانية عن المحيط : الأفضل لمن يتصدق نفلا أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات لأنها تصل إليهم ولا ينقص من أجره شيء ا هـ هو مذهب أهل السنة والجماعة ، لكن استثنى مالك والشافعي العبادات البدنية المحضة كالصلاة والتلاوة فلا يصل ثوابها إلى الميت عندهما ، بخلاف غيرها كالصدقة والحج . وخالف المعتزلة في الكل ، وتمامه في فتح القدير .

أقول : ما مر عن الشافعي هو المشهور عنه . والذي حرره المتأخرون من الشافعية وصول القراءة للميت إذا كانت بحضرته أو دعا له عقبها ولو غائبا لأن محل القراءة تنزل الرحمة والبركة ، والدعاء عقبها أرجى للقبول ، ومقتضاه أن المراد انتفاع الميت بالقراءة لا حصول ثوابها له ، ولهذا اختاروا في الدعاء : اللهم أوصل مثل ثواب ما قرأته إلى فلان ، وأما عندنا فالواصل إليه نفس الثواب . وفي البحر : من صام أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات والأحياء جاز ، ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة كذا في البدائع ، ثم قال : وبهذا علم أنه لا فرق بين أن يكون المجعول له ميتا أو حيا . والظاهر أنه لا فرق بين أن ينوي به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه ثم بعد ذلك يجعل ثوابه لغيره ، لإطلاق كلامهم ، وأنه لا فرق بين الفرض والنفل . ا هـ . وفي جامع الفتاوى : وقيل : لا يجوز في الفرائض ا هـ .

وفي كتاب الروح للحافظ أبي عبد الله الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قيم الجوزية ما حاصله : أنه اختلف في إهداء الثواب إلى الحي ; فقيل يصح لإطلاق قول أحمد : يفعل الخير ويجعل نصفه لأبيه أو أمه ، وقيل لا لكونه غير محتاج لأنه يمكنه العمل بنفسه ; وكذا اختلف في اشتراط نية ذلك عند الفعل ، فقيل : لا لكن الثواب له فله التبرع به وإهداؤه لمن أراد كإهداء شيء من ماله ، وقيل نعم لأنه إذا وقع له لا يقبل انتقاله عنه ، وهو الأولى . وعلى القول الأول لا يصح إهداء الواجبات لأن العامل ينوي القربة بها عن نفسه . وعلى الثاني يصح ، وتجزئ عن الفاعل . وقد نقل عن جماعة أنهم جعلوا ثواب أعمالهم للمسلمين ، وقالوا : نلقى الله - تعالى - بالفقر والإفلاس ، والشريعة لا تمنع من ذلك . ولا يشترط في الوصول أن يهديه بلفظه كما لو أعطى فقيرا بنية الزكاة لأن السنة لم تشترط ذلك في حديث الحج عن الغير ونحوه ، نعم إذا فعله لنفسه ثم نوى جعل ثوابه لغيره لم يكف كما لو نوى أن يهب أو يعتق أو يتصدق ويصح إهداء نصف الثواب أو ربعه كما نص عليه أحمد ، ولا مانع منه . ويوضحه أنه لو أهدى الكل إلى أربعة يحصل لكل منهم ربعه فكذا لو أهدى الربع لواحد وأبقى الباقي لنفسه ا هـ ملخصا .

[ ص: 244 ] قلت : لكن سئل ابن حجر المكي عما لو قرأ لأهل المقبرة الفاتحة هل يقسم الثواب بينهم أو يصل لكل منهم مثل ثواب ذلك كاملا . فأجاب بأنه أفتى جمع بالثاني ، وهو اللائق بسعة الفضل . مطلب في إهداء ثواب القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم [ تتمة ]

ذكر ابن حجر في الفتاوى الفقهية أن الحافظ ابن تيمية زعم منع إهداء ثواب القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم لأن جنابه الرفيع لا يتجرأ عليه إلا بما أذن فيه ، وهو الصلاة عليه ، وسؤال الوسيلة له قال : وبالغ السبكي وغيره في الرد عليه ، بأن مثل ذلك لا يحتاج لإذن خاص ; ألا ترى أن ابن عمر كان يعتمر عنه صلى الله عليه وسلم عمرا بعد موته من غير وصية . وحج ابن الموفق وهو في طبقة الجنيد عنه سبعين حجة ، وختم ابن السراج عنه صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة آلاف ختمة ; وضحى عنه مثل ذلك . ا هـ .

قلت : رأيت نحو ذلك بخط مفتي الحنفية الشهاب أحمد بن الشلبي شيخ صاحب البحر نقلا عن شرح الطيبة للنويري ، ومن جملة ما نقله أن ابن عقيل من الحنابلة قال : يستحب إهداؤها له صلى الله عليه وسلم ا هـ .

قلت : وقول علمائنا له أن يجعل ثواب عمله لغيره يدخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أحق بذلك حيث أنقذنا من الضلالة ، ففي ذلك نوع شكر وإسداء جميل له ، والكامل قابل لزيادة الكمال . وما استدل به بعض المانعين من أنه تحصيل الحاصل لأن جميع أعمال أمته في ميزانه . يجاب عنه بأنه لا مانع من ذلك ، فإن الله - تعالى - أخبرنا بأنه صلى عليه ثم أمرنا بالصلاة عليه ، بأن نقول : اللهم صل على محمد ، والله أعلم . وكذا اختلف في إطلاق قول اجعل ذلك زيادة في شرفه صلى الله عليه وسلم فمنع منه شيخ الإسلام البلقيني والحافظ ابن حجر لأنه لم يرد له دليل . وأجاب ابن حجر المكي في الفتاوى الحديثية بأن قوله تعالى { وقل رب زدني علما } وحديث مسلم { أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه : واجعل الحياة زيادة لي في كل خير } دليل على أن مقامه صلى الله عليه وسلم وكماله يقبل الزيادة في العلم والثواب وسائر المراتب والدرجات وكذا ورد في دعاء رؤية البيت : وزد من شرفه وعظمه واعتمره تشريفا إلخ فيشمل كل الأنبياء ، ويدل على أن الدعاء لهم بزيادة الشرف مندوب ، وقد استعمله الإمام النووي في خطبتي كتابيه الروضة والمنهاج ، وسبقه إليه الحليمي وصاحبه البيهقي . وقد رد على البلقيني وابن حجر شيخ الإسلام القاياتي ، ووافقه صاحبه الشرف المناوي ، ووافقهما أيضا صاحبهما إمام الحنفية الكمال بن الهمام ، بل زاد عليهما بالمبالغة حيث جعل كل ما صح من الكيفيات الواردة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم موجودا في كيفية الدعاء بزيادة الشرف ، وهي : اللهم صل أبدا أفضل صلواتك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك محمد وآله وسلم تسليما كثيرا ، وزده تشريفا وتكريما ، وأنزله المنزل المقرب عندك يوم القيامة ا هـ . فانظر كيف جعل طلب هذه الزيادة من الأسباب المقتضية لفضل هذه الكيفية على غيرها من الوارد كصلاة التشهد وغيرها ، وهذا تصريح من هذا الإمام المحقق بفضل طلب الزيادة له صلى الله عليه وسلم فكيف مع هذا يتوهم أن في ذلك محذورا ، ووافقهم أيضا صاحبهم شيخ الإسلام زكريا ا هـ ملخصا




الخدمات العلمية