الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والعدو لا تقبل شهادته على عدوه إذا كانت دنيوية ) [ ص: 357 ] ولو قضى القاضي بها لا ينفذ ، ذكره يعقوب باشا ( فلا يصح قضاؤه عليه ) لما تقرر أن أهله أهل الشهادة قال وبه أفتى مفتي مصر شيخ الإسلام أمين الدين بن عبد العال قال وكذا سجل العدو لا يقبل على عدوه . ثم نقل عن شرح الوهبانية أنه لم ير نقلها عندنا وينبغي النفاذ لو القاضي عدلا وقال ابن وهبان بحثا إن بعلمه لم يجز وإن بشهادة العدول بمحضر من الناس جاز ا هـ .

قلت : واعتمده القاضي محب الدين في منظومته فقال : ولو على عدوه قاض حكم إن كان عدلا صح ذاك وانبرم     واختار بعض العلما وفصلا
وإن كان بالعلم قضى لن يقبلا     وإن يكن بمحضر من الملا
وبشهادة العدول قبلا

قلت : لكن نقل في البحر والعيني والزيلعي والمصنف وغيرهم عند مسألة التقليد من الجائر عن الناصحي في تهذيب أدب القاضي للخصاف أن من لم تجز شهادته لم يجز قضاؤه ومن لم يجز قضاؤه [ ص: 358 ] لا يعتمد على كتابه ا هـ ، وهو صريح أو كالصريح فيما اعتمده المصنف كما لا يخفى فليعتمد ، وبه أفتى محقق الشافعية الرملي ومن خطه نقلت أنه قضى عليه ثم أثبت أهو بطل قضاؤه فليحفظ . وفي شرح الوهبانية للشرنبلالي ثم إنما تثبت العداوة بنحو قذف وجرح وقتل ولي لا بمخاصمة ، نعم هي تمنع الشهادة فيما وقعت فيه المخاصمة كشهادة وكيل فيما وكل فيه [ ص: 359 ] ووصي وشريك .

التالي السابق


( قوله : إذا كانت دنيوية ) سيذكر تفسيرها عن شرح الشرنبلالي واحترز بالدنيوية عن الدينية فإن من عادى غيره لارتكابه به ما لا يحل لا يتهم ، بأنه يشهد عليه بزور بخلاف المعاداة الدنيوية ، وعن هذا قبلت [ ص: 357 ] شهادة المسلم على الكافر ، وإن كان عدوه من حيث الديانة وكذا شهادة اليهودي على النصراني .

( قوله : ولو قضى القاضي بها لا ينفذ ) دفع به ما يتوهم أنها مثل شهادة الفاسق فإنه تقدم أنه يصح قبولها ، وإن أثم القاضي فشهادة العدو ليست كذلك بل هي كما لو قبل شهادة العبد والصبي .

( قوله : ذكره يعقوب باشا ) أي في حاشيته على صدر الشريعة وقال في الخيرية والمسألة دوارة في الكتب . مطلب في قضاء العدو على عدوه .

( قوله : فلا يصح قضاؤه عليه ) أي إذا كانت شهادة العدو على عدوه لا تقبل ولو قضى بها القاضي لا ينفذ يتفرع عليه أن القاضي لو قضى على عدوه لا يصح لما تقرر إلخ وبه سقط ما قيل إن ما ذكره عن اليعقوبية مكرر مع هذا فافهم . [ تنبيه ]

إذا لم يصح قضاؤه عليه فالمخلص إنابة غيره وإذا كان مأذونا بالاستنابة ، وسيأتي أنه يستنيب إذا وقعت له أو لولده حادثة .

( قوله : قال ) أي المصنف في المنح ونصه ورأيت بموضع ثقة معزوا إلى بعض الفتاوى ، وأظن أنها الفتاوى الكبرى للخاصي أن سجل العدو لا يقبل على عدوه كما لا تقبل شهادته عليه ا هـ فافهم ، والظاهر أن المراد بالسجل كما قال ط كتاب القاضي إلى قاض في حادثة على عدو للقاضي ، وهو ما يأتي عن الناصحي .

( قوله : ثم نقل ) أي المصنف .

( قوله : أنه لم ير نقلها ) أي نقل مسألة قضاء القاضي على عدوه وهذا الكلام ذكره عبد البر بن الشحنة في شرح الوهبانية عن ابن وهبان فينبغي أن يكون قوله لم ير نقلها مبنيا للمجهول .

( قوله : وينبغي النفاذ ) أي مطلقا سواء كان بعلمه أو بشهادة عدلين وهذا البحث لشارح الوهبانية خالف فيه بحث ابن وهبان الآتي وذكره عقبه بقوله : قلت : بل ينبغي النفاذ مطلقا لو القاضي عدلا .

( قوله : إن بعلمه لم يجز ) أي بناء على القول بجواز قضاء القاضي بعلمه والمعتمد خلافه وعليه فلا خلاف بين كلامي ابن الشحنة وابن وهبان فإن مؤدى كلاميها نفوذ حكمه لو عدلا بشهادة العدول .

( قوله : واعتمده إلخ ) المتبادر من النظم اعتماد الأول وهو بحث ابن الشحنة فيتعين عود الضمير إليه .

( قوله : واختار بعض العلماء ) هو ابن وهبان .

( قوله : قلت لكن إلخ ) أصله للمصنف حيث قال : وقد غفل الشيخان أي ابن وهبان وشارحه عبد البر عما اتفقت كلمتهم عليه في كتبهم المعتمدة من أن أهله أهل الشهادة فمن صلح لها صلح له ومن لا فلا والعدو لا يصلح للشهادة على ما عليه عامة المتأخرين فلا يصلح للقضاء ا هـ ط . [ ص: 358 ]

قلت : ولم أر هذا الكلام في نسختي في شرح المصنف . ثم اعلم أن مراد الشارح الاستدراك على كلام الشيخين وتأييد كلام المتن ، فإن المصنف فرع عدم صحة القضاء على عدم قبول الشهادة ، وهو مفهوم الكلية الواقعة في عبارات المتون وهي قولهم : وأهله أهلها فإن مفهومها عكسها اللغوي وهو أن من ليس أهلا لها ، لا يكون أهلا له ، فلذا قال المصنف في متنه والعدو لا تقبل شهادته على عدوه ، فلا يصح قضاؤه عليه ولما كان هذا إثباتا للحكم بالمفهوم ، وفيه احتمال نقل الشارح أن مفهوم الكلية المذكورة مصرح به في عبارة الناصحي ، فسقط الاحتمال واندفع بحث الشيخين وتأيد كلام المصنف ; ولذا قال وهو صريح أو كالصريح فيما اعتمده المصنف ، ولكن بقي ها هنا تحقيق توفيق وهو أنه ذكر في القنية أن العداوة الدنيوية لا تمنع قبول الشهادة ما لم يفسق بها ، وأنه الصحيح وعليه الاعتماد وأن ما في المحيط والواقعات ، من أن شهادة العدو على عدوه لا تقبل اختيار المتأخرين ، والرواية المنصوصة تخالفها وأنه مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة تقبل إذا كان عدلا وفي المبسوط إن كانت دنيوية فهذا يوجب فسقه فلا تقبل شهادته ا هـ ملخصا . والحاصل أن في المسألة قولين معتمدين :

أحدهما عدم قبولها على العدو ، وهذا اختيار المتأخرين ، وعليه صاحب الكنز والملتقى ومقتضاه أن العلة العداوة لا الفسق ، وإلا لم تقبل على غير العدو أيضا وعلى هذا لا يصح قضاء العدو على عدوه أيضا .

ثانيهما أنها تقبل إلا إذا فسق بها واختاره ابن وهبان وابن الشحنة ، وإذا قبلت فبالضرورة يصح قضاء العدو على عدوه إذا كان عدلا فلذا اختار الشيخان صحته ، وبه علم أن من يقول بقبول شهادة العدو العدل يقول بصحة قضائه ومن لا فلا وأن ما ذكره الناصحي لا يعارض كلام الشيخين لاختلاف المناط فاغتنم هذا التحقيق ودع التلفيق .

( قوله : لا يعتمد على كتابه ) هو المعبر عنه فيما سبق بالسجل ط .

( قوله : فيما اعتمده المصنف ) أي في متنه ومن إطلاق عدم القبول .

( قوله : وبه أفتى محقق الشافعية الرملي ) هذا غير ما نقله في شرح الوهبانية عن الرافعي عن الماوردي من جواز القضاء على العدو ، لا الشهادة عليه لظهور أسباب الحكم وخفاء أسباب الشهادة ا هـ ، وهو وجيه ولذا قيد ابن وهبان صحة القضاء بما إذا كان بشهادة العدول بمحضر من الناس كما مر لتنتفي التهمة بمعاينة أسباب الحكم ، ويظهر لي أنه ينبغي أن يصح الحكم عندنا في هذه الصورة حتى على القول بعدم قبول شهادة العدو فتأمل .

( قوله : ومن خطه نقلت ) الجار والمجرور متعلق بقوله نقلت ، وقوله إنه لو قضى إلخ مفعول نقلت أو بدل من الضمير المجرور في قوله وبه أفتى ، وجملة ومن خطه نقلت معترضة أو هي خبر مقدم ، وجملة أنه لو قضى إلخ مبتدأ مؤخر واقتصر ط على الأخير .

( قوله : وفي شرح الوهبانية للشرنبلالي إلخ ) أصله لناظمها ونقله العلامة عبد البر عنه ونصه قال ، أي ابن وهبان وقد يتوهم بعض المتفقهة من الشهود أن من خاصم شخصا في حق أو ادعى عليه يصير عدوه ، فيشهدون بينهما بالعداوة وليس كذلك وإنما تثبت بنحو إلخ ا هـ .

قلت : لكن قد علمت أن مختار ابن وهبان أن العداوة لا تمنع قبول الشهادة إلا إذا فسق بها فعلم أنها قد تكون مفسقة وقد لا تكون فقوله : وإنما تثبت إلخ يريد به العداوة المانعة وهي المفسقة ، ولا يخفى أن هذه تمنع القبول [ ص: 359 ] على العدو وعلى غيره وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة في الشهادات إن شاء الله تعالى .

( قوله : ووصي ) أي فيما أوصى عليه وقوله وشريك أي فيما هو من مال الشركة ط .




الخدمات العلمية