الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولبس ثوب فيه تماثيل ) ذي روح ، [ ص: 648 ] وأن يكون فوق رأسه أو بين يديه أو ( بحذائه ) يمنة أو يسرة أو محل سجوده ( تمثال ) ولو في وسادة منصوبة لا مفروشة ( واختلف فيما إذا كان ) التمثال ( خلفه والأظهر الكراهة و ) لا يكره ( لو كانت تحت قدميه ) أو محل جلوسه لأنها مهانة ( أو في يده ) عبارة الشمني بدنه لأنها مستورة بثيابه ( أو على خاتمه ) بنقش غير مستبين . قال في البحر ومفاده كراهة المستبين لا المستتر بكيس أو صرة أو ثوب آخر ، وأقره المصنف ( أو كانت صغيرة ) لا تتبين تفاصيل أعضائها للناظر قائما وهي على الأرض ، ذكره الحلبي ( أو مقطوعة الرأس أو الوجه ) [ ص: 649 ] أو ممحوة عضو لا تعيش بدونه ( أو لغير ذي روح لا ) يكره لأنها لا تعبد وخبر جبريل مخصوص بغير المهانة كما بسطه ابن الكمال : واختلف المحدثون في امتناع ملائكة الرحمة بما على النقدين ، فنفاه عياض ، وأثبته النووي .

التالي السابق


( قوله ولبس ثوب فيه تماثيل ) عدل عن قول غيره تصاوير لما في المغرب : الصورة عام في ذي الروح وغيره ، والتمثال خاص بمثال ذي الروح ويأتي أن غير ذي الروح لا يكره قال القهستاني : وفيه إشعار بأنه لا تكره صورة الرأس ، وفيه خلاف كما في اتخاذها كذا في المحيط ، قال في البحر : وفي الخلاصة وتكره التصاوير على الثوب صلى فيه أو لا انتهى ، وهذه الكراهة تحريمية . وظاهر كلام النووي في شرح مسلم الإجماع على تحريم تصوير الحيوان ، وقال : وسواء صنعه لما يمتهن أو لغيره ، فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى ، وسواء كان في ثوب أو بساط أو درهم وإناء وحائط وغيرها ا هـ فينبغي أن يكون حراما لا مكروها إن ثبت الإجماع أو قطعية الدليل بتواتره ا هـ كلام البحر ملخصا . وظاهر قوله فينبغي الاعتراض على الخلاصة في تسميته مكروها .

قلت : لكن مراد الخلاصة اللبس المصرح به في المتون ، بدليل قوله في الخلاصة بعد ما مر : أما إذا كان في يده وهو يصلي لا يكره وكلام النووي في فعل التصوير ، ولا يلزم من حرمته حرمة الصلاة فيه بدليل أن التصوير يحرم ; ولو كانت الصورة صغيرة كالتي على الدرهم أو كانت في اليد أو مستترة أو مهانة مع أن الصلاة بذلك لا تحرم ، بل ولا تكره لأن علة حرمة التصوير المضاهاة لخلق الله تعالى ، وهي موجودة في كل ما ذكر . وعلة كراهة [ ص: 648 ]

الصلاة بها التشبه وهي مفقودة فيما ذكر كما يأتي ، فاغتنم هذا التحرير ( قوله فوق رأسه ) أي في السقف معراج ( قوله تمثال ) أي مرسوم في جدار أو غيره أو موضوع أو معلق كما في المنية وشرحها ،

أقول : والظاهر أنه يلحق به الصليب وإن لم يكن تمثال ذي روح لأن فيه تشبها بالنصارى . ويكره التشبه بهم في المذموم وإن لم يقصده كما مر ( قوله منصوبة ) أي بحيث لا توطأ ولا يتكأ عليها قال في الهداية : ولو كانت الصورة على وسادة ملقاة أو على بساط مفروش لا يكره لأنها تداس وتوطأ ، بخلاف ما إذا كانت الوسادة منصوبة أو كانت على الستر لأنها تعظيم لها ( قوله والأظهر الكراهة ) لكنها فيه أيسر لأنه لا تعظيم فيه ولا تشبه معراج ، وفي البحر قالوا : وأشدها كراهة ما يكون على القبلة أمام المصلي ، ثم ما يكون فوق رأسه ثم ما يكون عن يمينه ويساره على الحائط ، ثم ما يكون خلفه على الحائط أو الستر . ا هـ .

قلت : وكأن عدم التعظيم في التي خلفه وإن كانت على حائط أو ستر أن في استدبارها استهانة لها ، فيعارض ما في تعليقها من التعظيم ، بخلاف ما على بساط مفروش ولم يسجد عليها فإنها مستهانة من كل وجه ، وقد ظهر من هذا أن علة الكراهة في المسائل كلها إما التعظيم أو التشبه على خلاف ما يأتي ( قوله ولا يكره ) قدر لا يكره مع قول المصنف الآتي لا لطول الفصل فيكون الآتي تأكيدا فافهم ( قوله تحت قدميه ) وكذا لو كانت على بساط يوطأ أو مرفقة يتكأ عليها كما في البحر والمرفقة وسادة الاتكاء كما في المغرب ( قوله عبارة الشمني إلخ ) أشار بذلك إلى ما في العبارة الأولى من الإشكال ، وهو أنها إذا كانت في يده تمنعه عن سنة الوضع هو مكروه بغير الصورة فكيف بها ؟ اللهم إلا أن يراد أن لا يمسكها بل تكون معلقة بيده ونحو ذلك ، كذا في شرح المنية ، وأراد بنحو ذلك ما لو كانت مرسومة في يده وفي المعراج لا تكره إمامة من في يده تصاوير لأنها مستورة بالثياب لا تستبين فصارت كصورة نقش خاتم ا هـ ومثله في البحر عن المحيط ، وظاهره عدم الكراهة ولو كانت بالوشم ويفيد عدم نجاسته كما أوضحناه في آخر باب الأنجاس فراجعه ( قوله غير مستبين ) الظاهر أن المراد به ما يأتي في تفسير الصغير تأمل .

( قوله ومفاده ) أي مفاد التعليل بأنها مستورة ( قوله لا المستتر بكيس أو صرة ) بأن صلى ومعه صرة أو كيس فيه دنانير أو دراهم فيها صور صغار فلا تكره لاستتارها بحر ، ومقتضاه أنها لو كانت مكشوفة تكره الصلاة مع أن الصغيرة لا تكره الصلاة معها كما يأتي ، لكن يكره كراهة تنزيه جعل الصورة في البيت نهر ( قوله أو ثوب آخر ) بأن كان فوق الثوب الذي فيه صورة ثوب ساتر له فلا تكره الصلاة فيه لاستتارها بالثوب بحر ( قوله لا تتبين إلخ ) هذا أضبط مما في القهستاني حيث قال بحيث لا تبدو للناظر إلا بتبصر بليغ كما في الكرماني ، أو لا تبدو له من بعيد كما في المحيط ثم قال : لكن في الخزانة : إن كانت الصورة مقدار طير يكره ، وإن كانت أصغر فلا . ا هـ . ( قوله أو مقطوعة الرأس ) أي سواء كان من الأصل أو كان لها رأس ومحي ، وسواء كان القطع بخيط خيط على جميع الرأس حتى لم يبق له أثر ، أو بطليه بمغرة أو بنحته ، أو بغسله لأنها لا تعبد بدون الرأس عادة وأما قطع الرأس عن الجسد بخيط مع بقاء الرأس على حاله فلا ينفي الكراهة لأن من الطيور ما هو مطوق فلا يتحقق القطع بذلك ، وقيد بالرأس لأنه لا اعتبار بإزالة الحاجبين أو العينين لأنها تعبد بدونها وكذا لا اعتبار بقطع اليدين [ ص: 649 ] أو الرجلين بحر ( قوله أو ممحوة عضو إلخ ) تعميم بعد تخصيص ، وهل مثل ذلك ما لو كانت مثقوبة البطن مثلا . والظاهر أنه لو كان الثقب كبيرا يظهر به نقصها فنعم وإلا فلا ; كما لو كان الثقب لوضع عصا تمسك بها كمثل صور الخيال التي يلعب بها لأنها تبقى معه صورة تامة تأمل ( قوله أو لغير ذي روح ) لقول ابن عباس للسائل " فإن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له " رواه الشيخان ، ولا فرق في الشجر بين المثمر وغيره خلافا لمجاهد بحر ( قوله لأنها لا تعبد ) أي هذه المذكورات وحينئذ فلا يحصل التشبه .

فإن قيل عبد الشمس والقمر والكواكب والشجرة الخضراء . قلنا عبد عينه لا تمثاله ، فعلى هذا ينبغي أن يكره استقبال عين هذه الأشياء معراج : أي لأنها عين ما عبد ، بخلاف ما لو صورها واستقبل صورتها ( قوله وخبر جبريل إلخ ) هو قوله للنبي صلى الله عليه وسلم { إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة } " رواه مسلم ، وهذا إشارة إلى الجواب عما يقال : إن كانت علة الكراهة فيما مر كون المحل الذي تقع فيه الصلاة لا تدخله الملائكة لأن شر البقاع بقعة لا تدخلها الملائكة ينبغي أن تكره ولو كانت الصورة مهانة لأن قوله ولا صورة نكرة في سياق النفي فتعم ، وإن كانت العلة التشبه بعبادتها فلا تكره إلا إذا كانت أمامه أو فوق رأسه . والجواب أن العلة هي الأمر الأول ; وأما الثاني فيفيد أشدية الكراهة غير أن عموم النص المذكور مخصوص بغير المهانة ، لما روى ابن حبان والنسائي { استأذن جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ادخل فقال : كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير ؟ فإن كنت لا بد فاعلا فاقطع رءوسها أو اقطعها وسائد أو اجعلها بسطا } نعم يرد على هذا ما إذا كانت على بساط في موضع السجود فقد مر أنه يكره مع أنها لا تمنع دخول الملائكة وليس فيها تشبه لأن عبدة الأصنام لا يسجدون عليها ، بل ينصبونها ويتوجهون إليها ، إلا أن يقال فيها صورة التشبه بعبادتها حال القيام والركوع وتعظيم لها إن سجد عليها ا هـ ملخصا من الحلية والبحر ،

أقول : الذي يظهر من كلامهم أن العلة إما التعظيم أو التشبه كما قدمناه ، والتعظيم أعم ; كما لو كانت عن يمينه أو يساره أو موضع سجوده فإنه لا تشبه فيها بل فيها تعظيم ، وما كان فيه تعظيم وتشبه فهو أشد كراهة ، ولهذا تفاوتت رتبتها كما مر وخبر جبريل عليه السلام معلول بالتعظيم بدليل الحديث الآخر وغيره ، فعدم دخول الملائكة إنما هو حيث كانت الصورة معظمة ، وتعليل كراهة الصلاة بالتعظيم أولى من التعليل بعدم الدخول لأن التعظيم قد يكون عارضا لأن الصورة إذا كانت على بساط مفروش تكون مهانة لا تمنع من الدخول ، ومع هذا لو صلى على ذلك البساط وسجد عليها تكره لأن فعله ذلك تعظيم لها . والظاهر أن الملائكة لا تمتنع من الدخول بذلك الفعل العارض ; وأما ما في الفتح عن شرح عتاب من أنها لو كانت خلفه أو تحت رجليه لا تكره الصلاة ، ولكن تكره كراهة جعل الصورة في البيت للحديث ، فظاهره الامتناع من الدخول ولو مهانة ، وكراهة جعلها في بساط مفروش ، وهو خلاف الحديث المخصص كما مر ( قوله في امتناع ملائكة الرحمة ) قيد بهم إذ الحفظة لا يفارقون الإنسان إلا عند الجماع والخلاء كذا في شرح البخاري وينبغي أن يراد بالحفظة ما هو أعم من الكرام الكاتبين والذين يحفظونه من الجن نهر ، وانظر ما قدمناه قبل فصل القراءة ( قوله فنفاه عياض ) أي وقال : إن الأحاديث مخصصة بحر ، وهو ظاهر كلام علمائنا ، فإن ظاهره أن ما لا يؤثر كراهة في الصلاة لا يكره إبقاؤه ، وقد [ ص: 650 ]

صرح في الفتح وغيره بأن الصورة الصغيرة لا تكره في البيت . قال : ونقل أنه كان على خاتم أبي هريرة ذبابتان ا هـ ولو كانت تمنع دخول الملائكة كره إبقاؤها في البيت لأنه يكون شر البقاع ، وكذا المهانة كما مر ، وهو صريح قوله في الحديث المار " أو اقطعها وسائد ، أو اجعلها بسطا " وأما ما مر عن شرح عتاب ، فقد علمت ما فيه . [ تنبيه ]

هذا كله في اقتناء الصورة ، وأما فعل التصوير فهو غير جائز مطلقا لأنه مضاهاة لخلق الله تعالى كما مر ، [ خاتمة ]

قال في النهر : جوز في الخلاصة لمن رأى صورة في بيت غيره أن يزيلها ; وينبغي أن يجب عليه ; ولو استأجر مصورا فلا أجر له لأن عمله معصية كذا عن محمد ، ولو هدم بيتا فيه تصاوير ضمن قيمته خاليا عنها . ا هـ . وسيأتي في باب متفرقات البيوع متنا وشرحا ما نصه ( اشترى ثورا أو فرسا من خزف لأجل استئناس الصبي لا يصح ) ولا قيمة له ( فلا يضمن متلفه ، وقيل بخلافه ) يصح ويضمن قنية ، وفي آخر حظر المجتبى عن أبي يوسف : يجوز بيع اللعبة وأن يلعب بها الصبيان . ا هـ .




الخدمات العلمية