الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( ونظر في حال المحبوسين ) أي الجديد ; لأنه نصب ناظرا للمسلمين ، والمراد المحبوس في سجن القاضي فيبعث القاضي ثقة يحصيهم في السجن ، ويكتب أسماءهم وأخبارهم وسبب حبسهم ومن حبسهم ، وفي شرح أدب القضاء يجب على القاضي كتابة اسم المحبوس وأبيه وجده وما حبس بسببه وتاريخه فإذا عزل بعث النسخة التي فيها أسماؤهم إلى المتولي لينظر فيها ، وأما المحبوس في سجن الوالي فيجب على الإمام النظر في أحوالهم ، وحاصل ما ذكره الإمام أبو يوسف في كتاب الخراج أن من حبس من أهل الدعارة والتلصص والجنايات ولا مال لهم أن نفقتهم في بيت المال وكسوتهم ، وكذا أسراء المشركين وأن لا يبيت أحد في قيد إلا رجل مطلوب بدم ، وينبغي أن يولي على هذا الأمر رجلا صالحا يثبت أسماءهم عنده ويدفع نفقتهم وأدمهم شهرا بشهر ، ويدعو كل رجل ويدفع إليه بيده ويعفيهم عن الخروج في السلاسل يتصدق عليهم فإن هذا شيء عظيم ومن مات منهم ولا ولي له ولا قرابة فإن تجهيزه من بيت المال ، وأمر بالصلاة عليه ، ونظر في أحوالهم كل أيام فمن كان عليه أدب أدب وأطلق ومن لم يكن له قضية خلى سبيله إلى آخر ما ذكره رحمه الله . قوله ( فمن أقر بحق أو قامت عليه بينة ألزمه ) ; لأن كلا منهما حجة ملزمة ، وليس المراد بقوله [ ص: 301 ] ألزمه الحكم عليه ، وإنما المراد ألزمه الحبس كما أشار إليه مسكين أي أدام حبسه ، ويصح أن يراد ألزمه بالحق وإليه يشير تقريره في فتح القدير ، والظاهر عندي ما قاله مسكين لأن الثاني لا يطرد في كل إقرار ; لأن المحبوس إذا أقر بسبب عقوبة خالصة كالزنا وشرب الخمر فقال إني أقررت عند القاضي المعزول أربع مرات في الزنا ، ولم يقم الحد علي فإن القاضي لا يقيمه عليه ; لأن ما كان منه في مجلس المعزول بطل لكن يستقبل المولى الأمر فإذا أقر حده ثم بعد الحد يتأنى وينادي عليه ، ثم يطلقه بكفيل بنفسه كذا في شرح أدب القضاء للخصاف ، وقوله أو قامت عليه بينة أعم من أن تشهد بأصل الحق أو بحكم القاضي عليه ، وأما المعزول فلا يقبل قوله لو قال حبسته بحق عليه ، كذا لو قال كنت حكمت عليه لفلان بكذا كما في السراج الوهاج وعلله في البداية بأنه كواحد من الرعايا وشهادة الفرد غير مقبولة لا سيما إذا كانت على فعل ا هـ .

                                                                                        فظاهره أنه لو شهد مع آخر لم تقبل شهادته ، رأيت في بعض كتب الشافعية أنه لو شهد مع آخر على حكمه لم تقبل إلا أن يقول إن قاضيا قضى عليه بكذا لفلان ا هـ .

                                                                                        وقواعدنا تأباه ; لأن الشهادة على قضاء القاضي من غير تسميته غير صحيحة ولم يذكر المؤلف رحمه الله إطلاقه بعد إلزامه لما في شرح أدب القضاء أنه إذا أقر لفلان بن فلان وعرفه القاضي أو شهد الشهود بنسبه ، وأحضر المال له أطلقه بلا كفيل ، وكذا إذا اختار المدعي إطلاقه وإن أشكل على القاضي أمر المدعي أمره بالدفع إليه ولا يطلقه بل يتأنى ، ثم يطلقه بكفيل خوفا من الاحتيال ا هـ .

                                                                                        قوله ( وإلا نادى عليه ) أي من لم يثبت عليه شيء أمر مناديا كل يوم في محلته وقت جلوسه من كان يطلب فلان بن فلان المحبوس بحق فليحضر حتى نجمع بينه وبينه فإن حضر واحد وادعى وهو على إنكاره ابتدأ الحكم بينهما ، وإلا تأنى في ذلك أياما على حسب ما يرى القاضي فإن لم يحضر أحد أخذ منه كفيلا بنفسه على الصحيح اتفاقا ، وأطلقه بخلاف مسألة القسمة فإن أبا حنيفة لم يأخذ من الورثة كفيلا ; لأن احتمال وارث آخر موهوم وهنا القاضي لا يحبسه إلا بحق ظاهر وخلافه موهوم فإن قال لا كفيل لي وأبى أن يعطي كفيلا وجب أن يحتاط نوعا آخر من الاحتياط فينادي شهرا فإن لم يحضر أحد أطلقه ، وقد بحث المحقق في فتح القدير بأنه لو قيل بالنظر إلى أن الظاهر أنه حبس بحق يجب أن لا يطلقه بقوله إني مظلوم حتى تمضي مدة يطلق فيها مدعي الإعسار كان جيدا ا هـ .

                                                                                        قلت : ليس بجيد لأنا عملنا بمقتضى هذا الظاهر بالنداء ، وأخذ الكفيل ولو أبقيناه في الحبس كما ذكره لسوينا بين المحقق والظاهر فإن المعسر تحققنا ثبوت الحق عليه بخلاف المحبوس بعد عزل القاضي ، ثم اعلم أن حاصل ما ذكره الصدر في المحبوسين أنه إن كان بسبب الدين فقد ذكرناه ، وإن كان بسبب قصاص أقر به اقتص منه للمقر له في النفس والطرف ، ولكن لا يطلقه في الطرف إلا بكفيل احتياطا وإن كان قال حبست بسبب حد الزنا لا يعمل القاضي بإقراره السابق ، وإنما يستأنف الآن وإن قال بسبب شهود علي به لا يحده بذلك [ ص: 302 ] وإن قال بسبب سرقة أقررت بها قطع المولى يده وأطلقه بكفيل وإن قال ببينة لا للتقادم ، وإن أقر أنه حبس بسبب حد الخمر لا يحده سواء قال بإقرار أو ببينة وإن قال بسبب قذف لفلان ، وصدقه حد مطلقا وأطلقه بكفيل .

                                                                                        [ ص: 299 - 300 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 299 - 300 ] ( قوله ويكتب أسماءهم وأخبارهم إلخ ) قال في النهر ولا بد أن يثبت عنده سبب وجوب حبسهم وثبوته عند الأول ليس بحجة يعتمدها الثاني في حبسهم ; لأن قوله لم يبق حجة كذا في الفتح وعلى هذا فما في شرح أدب القضاء ، يجب على القاضي كتابة اسم المحبوس إلخ يفيد أن النظر في حالهم إنما هو في النسخة التي بعثها القاضي إليه فلا معنى لوجوب كتابة ما ذكر إذ لا أثر له يظهر . ا هـ .

                                                                                        قلت : ورأيت في شرح أدب القضاء للإمام حسام الدين عمر بن عبد العزيز تعليل الوجوب بقوله ; لأنه ربما يحتاج إلى سماع البينة على الإفلاس بعد الحبس فلا بد أن يكون ذلك معلوما للقاضي .

                                                                                        قال ثم القاضي المقلد يأخذ هذه النسخة من القاضي المعزول أيضا إلخ ، ثم قال بعده ولا يلتفت إلى قول القاضي المعزول فعلم أن وجوب كتابة ما ذكر لا لينظر الثاني فيه بل لحاجة الأول إليه وهي ما ذكر فله أثر ظاهر ومعنى باهر بل له فوائد أخر ذكرها في شرح أدب القضاء أيضا في الباب الحادي والثلاثين في الحبس حيث قال إما يكتب اسم المحبوس ونسبه فلأن الطالب ربما طالب القاضي بتسليم المحبوس إليه فلا بد أن يعرف القاضي اسمه ونسبه حتى يطالب السجان بتسليم ذلك إليه ، والتعريف إنما يحصل بالاسم والنسبة ، وإنما يكتب من حبس لأجله ; لأنه لو لم يكتب ربما جاء إنسان آخر وادعى أنه حبسه في دينه ويخرجه فيهرب من القاضي والخصم الذي حبس لأجله غيره ، وإما يكتب مقدار الحق الذي عليه فلأنه ربما جاء المحبوس بمال قليل ، ويقول للقاضي حبستني لهذا القدر من المال فيدفعه إلى القاضي ويهرب ، وإما يكتب التاريخ فلأنه ربما احتاج إلى أن يسمع البينة على إفلاسه ، وإنما يسمع بعد مدة فلا بد من أن يعرف هل انقضت تلك المدة ، وإنما يعرف بالتاريخ ا هـ [ ص: 301 ]

                                                                                        ( قوله فظاهره أنه لو شهد مع آخر لم تقبل شهادته ) كذا في النهر أيضا لكن في فتاوى قارئ الهداية سئل إذا أخبر حاكم حاكما بقضية هل يكفي إخباره ، ويسوغ للحاكم العمل بها أجاب لا يكفي إخباره بل لا بد معه من شاهد آخر ا هـ .

                                                                                        ومثله في فتاوى المؤلف ، ويخالفه ظاهر ما في شرح أدب القضاء وما كان من حكم أخبر به القاضي المعزول ، له بذلك شهود يقبل منه قوله كما إذا شهد شهود على حكمه ، كذا ما قدمه المؤلف في السادس في طريق ثبوته عن السراج الوهاج الحاكم إذا حكم بحق ثم قال بعد عزله كنت حكمت بكذا لم يقبل قوله ا هـ .

                                                                                        إلى آخر ما ذكره هناك فظاهره يخالف ذلك والله تعالى أعلم ، وسيأتي قبيل الشهادات الاختلاف في قبول قول القاضي المولى مطلقا أو مع عدل ، والظاهر أنه المراد بما في فتاوى قارئ الهداية والمؤلف فلا يخالف ما هنا ( قوله ولكن لا يطلقه في الطرف احتياط ) ; لأنه تتمكن تهمة المواضعة فإنه يجوز أن يكون لإنسان آخر حق في نفسه أو في ماله فهو يبذل الطرف ليتخلص ، فيفوت حق ذلك الإنسان في نفسه فيتأنى في ذلك وينادي ثم يأخذ كفيلا بنفسه ويطلقه كذا في شرح أدب القضاء .

                                                                                        ( قوله وإنما يستأنف الآن ) فإن أقر بالزنا أربع مرات في أربعة مجالس صح وإن كان محصنا رجمه ، وإلا جلده ثم يتأنى في ذلك وينادي عليه ، وإن حضر له خصم جمع بينهما وإلا أخذ منه كفيلا بنفسه كذا في شرح أدب القضاء للخصاف ( قوله لا يحده بذلك ) ; لأن ما كان من الشهادة عند القاضي المعزول لا يعتبر عند الثاني كذا في شرح أدب القضاء وفيه ، وكذلك إذا شهدوا عند القاضي الثاني إذا تقادم العهد ; لأنها حينئذ لا تكون حجة بخلاف الإقرار ، ولا يطلقه لتوهم الحيلة لكن ينادي عليه ، ويتأنى في أمره ويأخذ منه كفيلا بنفسه ويطلقه [ ص: 302 ] قوله قطع المولى يده وأطلقه بكفيل وإن قال ببينة لا للتقادم ) كذا في النهر وتبعه الحموي وفيه نظر لما سبق في الحدود إن طلب المسروق منه شرط القطع مطلقا سواء كان الثبوت بالبينة أو الإقرار أبو السعود ( قوله وإن قال ببينة لا للتقادم ) أي لا يقطعه لأجل التقادم ، وكذا إذا شهدوا عند الثاني إذا تقادم العهد ، ولا يعجل في إطلاقه بل يفعل ما قلنا شرح أدب القضاء .




                                                                                        الخدمات العلمية