الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  الكلام فيه أيضا على وجوه الأول: أن ابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بتكبير الابن وتصغير الأب، واسم أبي مليكة بضم الميم زهير بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة القرشي التيمي المكي الأحول كان قاضيا لابن الزبير ومؤذنا اتفق على جلالته سمع العبادلة الأربعة، وعائشة وأختها أسماء، وأم سلمة، وأبا هريرة، وعقبة بن الحارث، والمسور بن مخرمة، وأدرك بالسن جماعة، ولم يسمع منهم كعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، مات سنة سبع عشرة ومائة، روى له الجماعة، الثاني: أن قوله هذا أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه موصولا من غير بيان العدد، وأخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الإيمان له مطولا، الثالث: في معناه فقوله: "كلهم يخاف النفاق" أي حصول النفاق في الخاتمة، "على نفسه" إذ الخوف إنما يكون عن أمر في الاستقبال، وما منهم من أحد يجزم بعدم عروض النفاق كما هو جازم في إيمان جبريل عليه السلام بأنه لا يعرضه النفاق هكذا فسره الكرماني، وتبعه بعضهم على هذا المعنى، وليس المعنى هكذا، وإنما المعنى أنهم كلهم كانوا على حذر وخوف من أن يخالط إيمانهم النفاق، ومع هذا لم يكن منهم أحد يقول: إن إيمانه كإيمان جبريل عليه السلام لأن جبريل معصوم لا يطرأ عليه الخوف من النفاق، بخلاف هؤلاء فإنهم غير معصومين، فإن قلت: روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا: "من [ ص: 276 ] شهد لا إله إلا الله وأني رسول الله كان مؤمنا كإيمان جبريل عليه السلام"، قلت: ذكره أبو سعيد النقاش في الموضوعات، وقال ابن بطال: لما طالت أعمارهم حتى رأوا ما لم يقدروا على إنكاره خشوا على أنفسهم أن يكونوا في حيز من نافق أو داهن، ويقال: عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي عليه السلام عن قوله تعالى: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة فقال: هم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويفرقون أن لا يتقبل منهم، وقال بعض السلف في قوله تعالى: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون أعمال كانوا يحتسبونها حسنات بدت سيئات، وقال الكرماني: ويحتمل أن يكون قوله: "وما منهم" إشارة إلى مسألة زائدة استفادها من أحوالهم أيضا وهي أنهم كانوا قائلين بزيادة الإيمان ونقصانه، قلت: لا يفهم ذلك من حالهم، وإنما الذي يفهم من حالهم أنهم كانوا خائفين سوء الخاتمة لعدم العصمة، ويؤيد ذلك ما روي عن عائشة وبعض السلف.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية