الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
8605 - من تواضع لله رفعه الله (حل) عن أبي هريرة - (ح)

التالي السابق


(من تواضع لله) أي لأجل عظمة الله تواضعا حقيقيا، وهو كما قال ابن عطاء الله: ما كان ناشئا عن شهود عظمة الحق وتجلى صمته، فالتواضع للناس مع اعتقاد عظمة في النفس واقتدار ليس بتواضع حقيقي، بل هو بالتكبر أشبه (رفعه الله) لأن من أذل [ ص: 109 ] نفسه لله فقد بذل نفسه لله، فيجازيه الله بأحسن ما عمل، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن سودة : أوحى الله إلى موسى: أتدري لما اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي؟ قال: لا يا رب، قال: لأنه لم يتواضع لي أحد قط تواضعك، وزاد في رواية: ومن تكبر على الله وضعه الله حيث يجعله في أسفل السافلين، وجاء في رواية تفسير الرفعة هنا بأنه يصيره في نفسه صغيرا وفي أعين الناس كبيرا، وقيل: التواضع لله أن يضع نفسه حيث وضعها الله من العجز وذل العبودية تحت أوامره سبحانه بالامتثال، وزواجره بالانزجار، وأحكامه بالتسليم للأقدار، ليكون عبدا في كل حال فيرفعه بين الخلائق، وإن تعدى طوره وتجاوز حده وتكبر وضعه بين الخلائق، وقال الطيبي: في التواضع مصلحة الدارين، فلو استعمله الناس في الدنيا زالت من بينهم الشحناء واستراحوا من نصب المباهاة والمفاخرة، وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه، والأمر بخلافه، بل بقيته عند مخرجه أبي نعيم في الحلية: وقال: انتعش رفعك الله فهو في نفسه صغير وفي أعين الناس عظيم، ومن تكبر خفضه الله، وقال آخر: خفضك الله فهو في نفسه كبير وفي أعين الناس صغير حتى يكون أهون من كلب اهـ. (تتمة) قال ابن الحاج: قال بعض أهل التحقيق: من رأى أنه خير من الكلب فالكلب خير منه، قال: وهذا واضح، ألا ترى أن الكلب يقطع بعدم دخوله النار وغيره من المكلفين قد يدخلها؟ فالكلب والحالة هذه أفضل منه، قال: فمن أراد الرفعة فليتواضع لله، فإن الرفعة لا تقع إلا بقدر النزول، ألا ترى أن الماء لما نزل إلى أسفل الشجرة صعد إلى أعلاها، كأن سائلا سأله: ما صعد بك ههنا وأنت قد نزلت تحت أصلها؟ فقال لسان حاله: من تواضع لله رفعه الله

[تنبيه] قال في الحكم: ما طلب لك شيء مثل الاضطرار، ولا أسرع بالرهب إليك من الذلة والافتقار

(حل) وكذا القضاعي (عن أبي هريرة ) ، قال الحافظ العراقي: رواه ابن ماجه بلفظ: من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر وضعه الله، قال -أعني العراقي-: وإسناده حسن، ورواه أحمد والبزار عن عمر بلفظ: من تواضع لله رفعه الله، وقال: انتعش نعشك الله فهو في أعين الناس عظيم وفي نفسه كبير، قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح، وقال ابن حجر في الفتح: خرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد رفعه بلفظ: من تواضع لله رفعه الله حتى يجعله في أعلى عليين، قال: وصححه ابن حبان ، بل خرجه مسلم في الصحيح والترمذي في الجامع بلفظ: ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله، هكذا خرجاه معا عن أبي هريرة رفعه، فالضرب عن ذلك كله صفحا وعزوه إلى أبي نعيم وحده مع لين سنده من العجب العجاب .



الخدمات العلمية