الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3494 - "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة؛ ومن كنت خصمه خصمته ؛ رجل أعطى بي ثم غدر؛ ورجل باع حرا فأكل ثمنه؛ ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه"؛ (هـ)؛ عن أبي هريرة ؛ (ح) .

التالي السابق


(ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة) ؛ ذكر الثلاثة ليس للتقييد؛ فإنه خصم كل ظالم؛ لكنه أراد التغليظ عليهم؛ لغرابة قبح فعلهم؛ و"الخصم"؛ يقع على الواحد؛ والاثنين؛ والجمع؛ والمذكر؛ والمؤنث؛ بلفظ واحد؛ وهذا الحديث من الأحاديث القدسية؛ [ ص: 316 ] فقد رواه البخاري - رضي الله عنه - بلفظ: "قال الله (تعالى): ..."؛ فوقع في هذه الرواية اختصار؛ (ومن كنت خصمه خصمته) ؛ لأنه لا يغلبه شيء؛ (رجل أعطى بي) ؛ أي: أعطى الأمان باسمي؛ أو بذكري؛ أو بما شرعته من الدين؛ كأن يقول: "عليك عهد الله؛ أو ذمته"؛ (ثم غدر) ؛ أي: نقض العهد الذي عاهد عليه ؛ لأنه جعل الله كفيلا له فيما لزمه من وفاء ما أعطى؛ والكفيل خصم المكفول به للمكفول له؛ (ورجل باع حرا؛ فأكل ثمنه) ؛ يعني: انتفع به على أي وجه كان؛ وخص الأكل لأنه أخص المنافع؛ وذلك لأن من باع حرا فهو غاصب لعبد الله؛ الذي ليس لأحد غير الله عليه سبيل؛ فالمغصوب منه خصم الغاصب؛ (ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه) ؛ أي: العمل؛ (ولم يوفه ) ؛ أجره؛ لأنه استأجر عبدا؛ وغلة العبد لمولاه؛ فهو الخصم في صلب أجرة عبده؛ هذا حكمة تخصيص هؤلاء؛ لكنه (تعالى) أكرم الخصوم؛ وأغناهم؛ والكريم إذا ملك أحسن؛ وإذا حاسب سمح؛ وإذا سئل وهب؛ والخبر مسوق لمعنيين؛ أحدهما: تعظيم هذه الخصال؛ وأنها كبائر؛ جرائم؛ وخطايا عظائم؛ يتعين الحذر منها؛ الثاني: الإخبار عن كرم الله؛ وفضله؛ وأن الخصم: الغني الكريم الرؤوف الرحيم؛ وإذا كان هو الخصم؛ كان أرجى للعبد؛ لأنه غني؛ لا يتعاظمه ذنب؛ ولا ينقصه شيء فيناقش فيه؛ بل يرضي خصوم من شاء من عنده؛ كما جاء في كثير من الأخبار؛ فيا له من حديث جمع الخوف والرجاء؛ اللذين هما سهما العبودية؛ إذ هي اضطرار وافتقار؛ فالخوف اضطرار؛ والرجاء افتقار؛ والعبادة لله إنما تصفو بخوف التقصير؛ وشكر التوفيق؛ فرؤية التقصير توجب الخوف؛ ورؤية التوفيق توجب الرجاء؛ وقد قيل في معنى هذا الخبر أقاويل كثيرة؛ وما سمعت أجود.

(هـ) ؛ في الأحكام؛ (عن أبي هريرة ) ؛ ظاهر اقتصاره على ابن ماجه أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين؛ والأمر بخلافه؛ فقد رواه سلطان المحدثين البخاري ؛ في البيع والإجارة؛ لكن بدون "ومن كنت خصمه خصمته"؛ ولفظه عن الله (تعالى): "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر؛ ورجل باع حرا ثم أكل ثمنه؛ ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره" ؛ أهـ؛ فهو عند البخاري من الأحاديث القدسية؛ كما مر.




الخدمات العلمية