الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              243 245 - حدثنا عثمان قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن حذيفة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك. [889، 1136 - مسلم 255 - فتح: 1 \ 356]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              هذا قطعة من حديث طويل في مبيته عند ميمونة، وقد سلف بعضه ويأتي أيضا. ومعنى استن: استاك.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري: حدثنا أبو النعمان، ثنا حماد بن زيد، عن غيلان بن جرير، عن أبي بردة، عن أبيه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته يستن بسواك بيده، يقول: "أع أع". والسواك في فيه، كأنه يتهوع.

                                                                                                                                                                                                                              والكلام عليه من أوجه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا، لكن قوله: "أع أع" إلى آخره من أفراد البخاري كما بينه الحميدي في "جمعه"، وفي لفظ: دخلنا عليه نستحمله.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              أبو النعمان (ع) هذا: هو محمد بن الفضل السدوسي عارم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 527 ] وغيلان بالمعجمة. وأبو بردة: هو ابن أبي موسى الفقيه قاضي الكوفة، اسمه الحارث أو عامر، من نبلاء العلماء. مات سنة أربع ومائة. ووالده عبد الله بن قيس الأشعري الأمير. مات سنة أربع وأربعين.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              الضمير في: "يقول" عائد إلى رسول الله، ويبعد عوده إلى السواك; لأنه ليس له صوت يسمع، ولا قرينة حال تشعر به.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              "أع أع" بضم الهمزة وفتحها وسكون العين المهملة، وفي النسائي وابن خزيمة وابن حبان "عأعأ". وفي (صحيح الجوزقي): "إخ إخ" بكسر الهمزة وخاء معجمة، وفي (سنن أبي داود): "أه أه" بهمزة مضمومة، وقيل: مفتوحة والهاء ساكنة، وكلها عبارة عن إبلاغ السواك إلى أقاصي الحلق.

                                                                                                                                                                                                                              خامسها:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (كأنه يتهوع)؛ أي: يتقيأ. أي: له صوت كصوته.

                                                                                                                                                                                                                              سادسها:

                                                                                                                                                                                                                              فيه الاستياك على اللسان، وقد رواه أحمد في "مسنده" مصرحا به. وفيه استياك الإمام بحضرة رعيته.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 528 ] ثم ذكر البخاري حديثا ثالثا فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن حذيفة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك.

                                                                                                                                                                                                                              والكلام عليه من أوجه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه البخاري في الصلاة في موضعين، وأخرجه مسلم أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              أبو وائل اسمه: شقيق بن سلمة. وحذيفة (ع) هو - بالذال المعجمة- ابن اليمان حسل الأشهلي صاحب السر. مات سنة ست وثلاثين.

                                                                                                                                                                                                                              ومنصور: هو ابن المعتمر الكوفي الإمام. وجرير: هو ابن عبد الحميد الضبي.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              (كان)، هذه دالة على الملازمة والاستمرار، وظاهر قوله: (إذا قام من الليل). تعلق الحكم بمجرد القيام، ويحتمل أن المراد إذا قام من الليل للصلاة، ويؤيده رواية الصحيحين الأخرى: إذا قام ليتهجد.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 529 ] و(من) هنا بمعنى (في) وهو نظير قوله تعالى: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة [الجمعة: 9] أي: فيه.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              (يشوص)، بفتح أوله وضم ثانيه، وهو بشين معجمة، وفي آخره صاد مهملة، وتحصل لي في تفسيره خمسة أقوال متقاربة: الغسل والتنقية والدلك والحك وأنه بالأصبع، وأنه يغني عن السواك لكن يرده قوله في الحديث: بالسواك. والثالث: أقواها.

                                                                                                                                                                                                                              خامسها:

                                                                                                                                                                                                                              فيه استحباب السواك عند القيام من النوم، وفي معناه: كل حال يتغير فيه الفم، وهو أحد الحالات المتأكد فيها، وحاصل ما ذكره البخاري - رحمه الله- أن السواك سنة متأكدة; لإقباله - عليه السلام - عليه ليلا ونهارا، وقام الإجماع على كونه مندوبا حتى قال الأوزاعي: هو شطر الوضوء. وما نقل عن أهل الظاهر من وجوبه غير صحيح، وكذا ما نقل عن إسحاق من بطلان الصلاة عند عمد الترك أيضا. نعم، قال ابن حزم: إنه يوم الجمعة فرض لازم.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية