الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4792 5080 - حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، حدثنا محارب قال : سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول تزوجت فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما تزوجت " . فقلت تزوجت ثيبا . فقال : " ما لك وللعذارى ولعابها " . فذكرت ذلك لعمرو بن دينار فقال عمرو سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هلا جارية تلاعبها وتلاعبك " .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث جابر : قفلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة . . الحديث . وفيه : "فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك ! " . وفي رواية : "ما لك وللعذارى ولعابها " .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              حديث أم حبيبة أسنده بعد عن الحكم بن نافع ، ثنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني عروة أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته عنها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 213 ] ووجه مطابقته للترجمة أنه خاطب أزواجه ونهاهن أن يعرض عليه ربائبه لحرمتهن ، وهو تحقيق أنه - عليه السلام - تزوج الثيب ذات البنت . نبه عليه ابن المنير .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث جابر سلف في الصلاة وعدة مواضع .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("ولعابها" ) هو بضم اللام وكسرها . قال عياض : رواية مسلم بالكسر لا غير ، يريد الملاعبة . وقال المازري : رواية أبي ذر من طريق المستملي بالضم ، وكذا قال صاحب "المطالع " : أنها رواية أبي الهيثم . وكأنه ذهب إلى اللعاب -وهو الريق - يريد رشفه وامتصاصه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن بطال : هو مصدر لاعب ملاعبة ولعابا ، كما تقول : قابل مقابلة وقبالا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين : هو من اللعب ، وقيل : من اللعاب ، وعلى هذا الضم والكسر .

                                                                                                                                                                                                                              والعذارى : الأبكار .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : جواز نكاح الثيبات للشبان إذا كان ذلك لمعنى كالمعنى الذي قصد له جابر من سبب أخواته ، وذلك أن يكون للناكح بنات أو أخوات غير بالغات يحتجن إلى قيم أو متعهد .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 214 ] وفيه : أن نكاح الأبكار للشبان أولى لحضه عليه بقوله : "فهلا جارية " .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : سؤال الإمام عن أحوال أصحابه في نكاحهم ومفاوضتهم في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : أن ملاعبة الأهل مطلوبة ; لأن ذلك يحبب الزوجين بعضهما لبعض ويخفف المؤنة بينهما ، ويرفع حياء المرأة عما يحتاج إليه الرجل في مباعلتها ، قال تعالى في نساء أهل الجنة : عربا أترابا [الواقعة : 37 ] والعروب المتحببة إلى زوجها ، ويقال : الغنجة العاشقة له ، ويقال : الحسنة التبعل .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : ("أمهلوا حتى تدخلوا ليلا" ) يريد : حتى يستقبلكم خبر قدومكم إلى أهليكم فتستحد المغيبة وتمتشط الشعثة . أي : تصلح كل امرأة نفسها لزوجها ما غفلت عنه لغيبته ، وإنما معنى ذلك ; لئلا يجد منها ريحا أو حالة يكرهها ، فيكون ذلك سببا إلى بغضها ، وهذا من حسن أدبه .

                                                                                                                                                                                                                              فإن قلت : هذا مخالف لقوله : "لا يطرقن أحدكم أهله ليلا " قلت : إن هذا قاله لمن يقدم بغتة من غير أن يعلم أهله ، وأما هنا فتقدم خبر مجيء الجيش والعلم لوصوله وقت كذا وكذا ، فتستعد الشعثة وتستحد المغيبة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 215 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : ("لا تعرضن" ) قال ابن التين : ضبط بضم الضاد ، ولا أعلم له وجها ; لأنه إنما خاطب النساء أو واحدة منهن ، فإن كان خطابه لجماعة النساء -وهو الأبين - فصوابه تسكينها ; لأنه فعل مستقبل مشى على أصله مع نون جماعة النساء ، ولو أدخلت عليه النون المشددة لكان تعرضنان ; لأنه تجتمع ثلاث نونات فيفرق بينهن بألف ، ولو كانت النون الخفيفة لم يصح ; لأنها لا تدخل في جماعة النساء ولا في الاثنين ، وإن كان خطابه لأم حبيبة خاصة ، فتكون الضاد مكسورة والنون مشددة ، فإن كان الفعل مؤكدا بالنون الخفيفة كانت النون ساكنة .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية