الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        2823 - واحتجوا في ذلك بما حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا ابن أبي ذئب ، عن صالح مولى التوأمة . ( ح )

                                                        2824 - وحدثنا أحمد بن داود ، قال : ثنا يعقوب بن حميد ، قال : ثنا معن بن عيسى ، عن ، أبي ذئب عن صالح بن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من صلى على جنازة في مسجد فلا شيء له . فلما اختلفت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، فكان فيما روينا في الفصل الأول إباحة الصلاة على الجنائز في المساجد ، وفيما روينا في الفصل الثاني كراهة ذلك ، احتجنا إلى كشف ذلك لنعلم المتأخر منه ، فنجعله ناسخا لما تقدم من ذلك .

                                                        [ ص: 493 ] فلما كان حديث عائشة فيه دليلا على أنهم قد كانوا تركوا الصلاة على الجنائز في المسجد ، بعد أن كانت تفعل فيه ، حتى ارتفع ذلك من فعلهم ، وذهبت معرفة ذلك من عامتهم . فلم يكن ذلك عندها ، لكراهة حدثت ، ولكن كان ذلك عندها ، لأن لهم أن يصلوا في المسجد على جنائزهم ، ولهم أن يصلوا عليها في غيره . ولا يكون صلاتهم في غيره دليلا على كراهة الصلاة فيه ، كما لم تكن صلاتهم فيه دليلا على كراهة الصلاة في غيره . فقالت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات سعد ما قالت لذلك .

                                                        وأنكر عليها ذلك الناس ، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم ، وكان أبو هريرة رضي الله عنه قد علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم نسخ الصلاة عليهم في المسجد بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سمعه منه في ذلك ، وأن ذلك الترك الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة على الجنائز في المسجد ، بعد أن كان يفعلها فيه ، ترك نسخ ، فذلك أولى من حديث عائشة ؛ لأن حديث عائشة رضي الله عنها إخبار عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال الإباحة التي لم يتقدمها نهي .

                                                        وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه إخبار عن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد تقدمته الإباحة . فصار حديث أبي هريرة رضي الله عنه أولى من حديث عائشة رضي الله عنها ، لأنه ناسخ له . وفي إنكار من أنكر ذلك على عائشة رضي الله عنها ، وهم يومئذ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دليل على أنهم قد كانوا علموا في ذلك خلاف ما علمت ، ولولا ذلك لما أنكروا ذلك عليها .

                                                        وهذا الذي ذكرنا من النهي عن الصلاة على الجنازة في المسجد وكراهتها ، قول أبي حنيفة ، ومحمد ، وأبي يوسف رضي الله عنهم.

                                                        غير أن أصحاب الإملاء رووا عن أبي يوسف رضي الله عنه في ذلك أنه قال : إذا كان مسجد قد أفرد للصلاة على الجنازة ، فلا بأس بأن يصلى على الجنائز فيه .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية