الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب نكاح البكر

حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أن رسول الله قال { الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها } . أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية { عن خنساء ابنة خذام أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت النبي فرد نكاحه } . أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن { عائشة قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة سبع وبنى بي وأنا ابنة تسع وكنت ألعب بالبنات فكن جوار يأتينني فإذا رأين رسول الله تقمعن فكان رسول الله يسربهن إلي } .

( قال الشافعي ) والولي الذي قال رسول الله { الأيم أحق بنفسها منه } الأب خاصة لأنه لا يكون لأحد ولاية معه وإنما تكون الولاية لغيره إذا لم يكن أب فهو الولي المطلق ، وحديث ابن عباس في { الأيم أحق بنفسها من وليها } مثل حديث خنساء إذا كانت المرأة أيما والأيم الثيب يزوجها أبوها بغير إذنها فرد رسول الله نكاحه .

( قال الشافعي ) والبكر تستأذن في نفسها ، والله أعلم يستأذنها أبوها في نفسها وهذا يحتمل ما ذهبنا إليه والله أعلم فقلنا أمره الآباء بالاستئذان للأبكار في الإنكاح أطيب لأنفسهن وأحرى إن كان بهن علة في أنفسهن أو لهن علة فيمن يستأمرن في إنكاحه أن يذكرنها لا على أن لهن في أنفسهن مع آبائهن أمرا إن لم يأذن أن ينكحن لم يجز أن ينكحن وذهبنا إلى ذلك أن { رسول الله تزوج عائشة وهي بنت سبع سنين وأدخلها عليه ، وهي بنت تسع سنين } وهي في التزويج [ ص: 628 ] والدخول ممن لا أمر له في نفسه فلو كان النكاح لا يجوز على البكر إلا بإذنها لم يجز أن تزوج حتى يكون لها أمر في نفسها كما قلنا في المولود يقتل أبوه يحبس قاتله حتى يبلغ الولد فيعفو أو يصالح أو يقتل لأن ذلك لا يكون إلا بأمره وهو صغير لا أمر له فوقفنا قتل قاتل أبيه حتى يكون له أمر فقلنا إذا زوج الأب ابنته البكر بالغا أو صغيرة بغير إذنها لزمها النكاح وإن لم يستأمرها فإن قيل فما دل على أن قول النبي " تستأمر " على ما قلت قيل ما وصفت من نكاحه عائشة وهي لا أمر لها ودخول النبي صلى الله عليه وسلم بها وهي ممن لا أمر لها إذا زوجها أبوها ، وإنكاح الآباء الصغار قديما ، وإن لم يختلف أحد أن ذلك جائز عليهن فإن قيل : فهل من دلالة غير ذلك ؟ قلت : نعم . قال الله لنبيه { وشاورهم في الأمر } ولم يجعل الله لأحد مع نبينا أمرا بل فرض عليهم طاعته فيما أحبوا أو كرهوا فإن قيل : فما معنى ذلك ؟ قيل والله أعلم هو يشبه أن يكون على استطابة أنفسهم وعلى أن يستن بالمشورة من بعده من ليس له ما لرسول الله فيه فإن قيل فهل من دليل غيره ؟ قيل نعم { زوج نعيم بن النحام ابنته فكرهت ذلك أمها فأتت رسول الله فقال آمروهن في بناتهن } وكانت ابنته بكرا ولا اختلاف أن ليس للأم شيء من إنكاح ابنتها مع أبيها ولو كانت منفردة ولا من إنكاح نفسها إلا بوليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية