الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الضرب الثالث : تهمة مختلفة في رد الشهادة والحكم بها ولها رتب .

أحدها : تهمة قوية ، وهي تهمة شهادة الوالد لأولاده وأحفاده ، أو لآبائه وأجداده فالأصح أنها موجبة للرد لقوة التهمة ، وعن أحمد - رحمه الله تعالى - روايات ، ثالثها : رد شهادة الأب وقبول شهادة الابن ; لقوة تهمة الأب لفرط شفقته وحنوه على الوالد .

الرتبة الثانية : تهمة شهادة العدو على عدوه ، وهي موجبة للرد لقوة التهمة ، وخالف فيها بعض العلماء .

الرتبة الثالثة : تهمة أحد الزوجين إذا شهد للآخر وفيها أقوال ، ثالثها : رد شهادة الزوجة دون الزوج ; لأن تهمتها أقوى من تهمة الزوج ; لأن ما ثبت له من الحق متعلق لكسوتها ونفقتها وسائر حقوقها .

[ ص: 37 ] الرتبة الرابعة : تهمة القاضي إذا حكم بعلمه ، والأصح أنها لا توجب الرد إذ كان الحاكم ظاهر التقوى والورع .

الرتبة الخامسة : تهمة الحاكم في إقراره بالحكم ، وهي موجبة للرد عند مالك رحمه الله ، غير موجبة له عند الشافعي رحمه الله ; لأن من ملك الإنشاء ملك الإقرار ، والحاكم مالك لإنشاء الحكم ، فملك الإقرار به ، وقول مالك رحمه الله متجه إذا منعنا الحكم بالعلم .

الرتبة السادسة : تهمة حكم الحاكم مانعة من نفوذ حكمه ; لأولاده وأحفاده وعلى أعدائه وأضداده ، فإن سمع البينة وفوض الحكم إلى غيره فوجهان .

وقال الإمام رحمه الله الأصح أنه لا يحكم بعلمه هاهنا ، وإن جوزنا الحكم بالعلم .

وإن حكم بالبينة فوجهان ، وإنما ردت الشهادة بالتهم من جهة أنها مضعفة للظن المستفاد من الشهادة ، موجبة لانحطاطه عن الظن الذي لا يعارضه تهمة ، ولأن داعي الطبع أقوى من داعي الشرع ، ويدل على ذلك رد شهادة أعدل الناس لنفسه ورد حكم أقسط الناس لنفسه .

فإن قيل : لم رجعتم في الجرح والتعديل إلى علم الحاكم ؟ قلنا : لو لم نرجع إليه في التفسيق لنفذنا حكمه بشهادة من أقر بأنه لا يصلح للشهادة ، وإقراره بفسق الشاهد يقتضي إبطال كل حكم ينبني على شهادته .

وأما التعديل فإنه مسند في أصله إلى علمه ، فإنه لا تقبل التزكية إلا ممن عرف بالعدالة ، وكذلك تزكية المزكي ومزكي المزكي إلى أن يستند ذلك إلى علمه .

فإن قيل : لم حرمتم على الحاكم ألا يحكم بخلاف علمه ؟ قلنا : لأنه لو حكم بخلاف علمه لكان قاطعا ببطلان حكمه ، والحكم على الباطل محرم في كل ملة ، فإنه إذا رأى رجلا قتل رجلا فادعى الولي القتل على غير [ ص: 38 ] القاتل فأقر المدعى عليه بالقتل ، أو قامت به بينة عادلة ، فلا يجوز له قتل غير القاتل لعلمه بكذب المقر والبينة ، فلو حكم بذلك لكان حكما بغير حجة شرعية ، بل هو أقبح من الحكم بغير حجة شرعية ; لأنه إذا حكم بغير حجة شرعية جاز أن يكون ما حكم به حقا موافقا للباطل .

وأما هاهنا فإنه ظالم باطنا وظاهرا ويجب عليه القصاص .

التالي السابق


الخدمات العلمية