الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثاني: الإيصاء بقضاء الصوم الواجب بأصل الشرع

        فوات الصوم الواجب بالموت، إما أن يكون لعذر، أو لغير عذر، وبناء عليه يختلف الحكم بحسب كل حالة، وبيانه فيما يلي:

        [ ص: 104 ] الحالة الأولى: الفوات لعذر.

        تحرير محل النزاع:

        أولا: اتفق العلماء -رحمهم الله- على أنه لا يصوم أحد عن إنسان حي، وإن كان المصام عنه مريضا لا يقدر على الصيام.

        ثانيا: إذا مرض شخص في رمضان، واستمر مرضه إلى أن مات، فإن أخرج كفارة ذلك حال حياته صحت، وأجزأت عنه.

        فإن لم يخرج كفارة، واستمر به العذر، بمعنى أنه لم يحصل له وقت يمكنه فيه الصوم من استهلال شوال حتى أدركه الموت، فاختلف العلماء في ذلك على قولين:

        القول الأول: أنه لا فدية عليه.

        وبه قال الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم، وإن كان بعض المالكية قد استحب له أن يوصي بذلك.

        وبه قال الحسن، وابن سيرين، وعطاء، والشعبي، والنخعي، والزهري.

        [ ص: 105 ] القول الثاني: أنه تلزمه الفدية.

        حكي عن طاوس، وقتادة، وقال أبو الخطاب: يحتمل أن يجب الصوم عنه أو التكفير.

        قال شيخ الإسلام: «إذا اتصل به المرض ولم يمكنه القضاء فليس على ورثته إلا الإطعام عنه».

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        استدل هذا القول بما يلي:

        1- عموم قوله سبحانه: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

        1- وقوله سبحانه: فاتقوا الله ما استطعتم

        وهذا قد فعل ما في استطاعته.

        3- قوله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر

        وهذا لم يدرك عدة من أيام أخر.

        (279) 4- ما رواه البخاري ومسلم من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «دعوني ما تركتكم، إنما أهلك من [ ص: 106 ] كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».

        ومن مات قبل القضاء مع عدم الإمكان فقد أتى بما أمر به.

        (270) 5- ما روي عن أبي مالك الأشجعي أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمن كان مريضا في شهر رمضان، ثم مات، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إن كان مات قبل أن يطيق الصوم، فلا شيء عليه، وإن أطاق الصوم، ولم يصم حتى مات، فليقض عنه».

        (281) 6- ما رواه عبد الرزاق عن الثوري، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال في الرجل المريض في رمضان فلا يزال مريضا حتى يموت: «ليس عليه شيء، فإن صح فلم يصم حتى مات أطعم عنه كل يوم نصف صاع من حنطة».

        7- ولأنه يجوز تأخير رمضان أداء بهذا العذر، فتأخير القضاء أولى.

        [ ص: 107 ] 8- إن الصوم حق الله تعالى، وجب بالشرع، مات من يجب عليه قبل إمكان فعله، فسقط إلى غير بدل كالحج.

        9 - عدم ورود الدليل على وجوب الفدية في هذه الحالة، والأصل براءة الذمة من إيجاب شيء حتى يرد الدليل الناقل عنها.

        دليل القول الثاني:

        (282) 1- ما رواه عبد الرزاق، عن ابن التيمي، عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: «إذا مات الرجل وعليه صيام رمضان آخر أطعم عنه عن كل يوم نصف صاع من بر».

        (283) 2- وما رواه البيهقي من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثنا روح قال: حدثنا عبيد الله بن الأخنس، عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: «من مات وعليه صيام رمضان، فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة».

        [ ص: 108 ] (289) 3- وما رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان الأنصاري، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رجل مات وعليه قضاء، وعليه نذر صيام شهر آخر قال: «يطعم عنه ستون مسكينا».

        ونوقش الاستدلال بهذه الآثار: بأنها محمولة على من تمكن من القضاء لأدلة القول الأول.

        4- أنه صوم واجب سقط بالعجز عنه فوجب الإطعام عنه، كالشيخ الهرم إذا ترك الصيام لعجزه عنه.

        [ ص: 109 ] ونوقش: بأنه قياس مع الفارق; لأن الشيخ الفاني عامر الذمة، ومن أهل العبادات، فيجوز ابتداء الوجوب عليه بخلاف الميت، وإيجاب الإطعام على المريض إذا مات يؤدي إلى أن تجب على الميت ابتداء، وذلك غير جائز.

        وأيضا: فإن المقيس عليه حي، والمقيس ميت، وأيضا المقيس لم يتمكن من القضاء، فلم يترتب في ذمته.

        الراجح:

        الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول; لأن الأصل براءة الذمة، ولعدم تفريطه، ولأن الموت يقطع التكاليف.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية