الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        1- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: نعم، فدين الله أحق أن يقضى».

        وجه الدلالة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شبه الصوم بالدين، والدين يجب قضاؤه عن الميت سواء أذن الولي أم لا.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن تشبيه الصوم بالدين لا يلزم منه مساواته في سائر الأحكام.

        2- القياس على الحج، وذلك أن النيابة في الحج عن الميت تقع من الأجنبي أذن الولي أو لا، فكذا الصوم.

        [ ص: 164 ] ونوقش هذا الاستدلال: بأن هناك فرقا بين الصوم والحج; إذ الحج عبادة فيها مال، فهي تشبه قضاء الدين بخلاف الصوم فهو عبادة بدنية محضة، وأيضا المقيس عليه موضع خلاف بين أهل العلم.

        3- إن ما يقضيه الوارث من الصيام عن الميت إنما هو تبرع منه، وغير الوارث - كالأجنبي - مثل الوارث في التبرع.

        4- إن الصوم عن الميت يشبه قضاء الدين عنه، كما شبهه بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث يقصد به إبراء ذمة الميت كالحال في الدين، وقضاء الدين لا يختص بالقريب

        (303) لما رواه البخاري من طريق يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: كنا جلوسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أتي بجنازة، فقالوا: صل عليها، فقال: هل عليه دين؟ قالوا: لا، قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: لا، فصلى عليه، ثم أتي بجنازة أخرى، فقالوا: يا رسول الله صل عليها، قال: هل عليه دين؟ قيل: نعم، قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: ثلاثة دنانير، فصلى عليها، ثم أتي بالثالثة فقالوا: صل عليها، قال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا، قال: فهل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: «صل عليه يا رسول الله وعلي دينه، فصلى عليه».

        فقبل تحويل ذمة الميت إلى ذمة الغريب لا القريب، فدل هذا على أنه لو صام الغريب، أو الصديق، أو نحوه من قريب أو بعيد، ذكر أو أنثى أجزأ; لأن المقصود إبراء الذمة، وهو حاصل بصوم الأجنبي.

        [ ص: 165 ] دليل القول الثاني:

        1- حديث عائشة رضي الله عنها: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه».

        ظاهره: الوجوب.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن ذكر الولي جرى مجرى الغالب.

        2- القياس على الحج، فالأجنبي إذا حج عن الميت بإذن وليه جاز، فكذا الصوم.

        وقد سبق مناقشة قياس الصوم على الحج.

        3- قياسا على القريب; لأن صوم الأجنبي بالإذن في معنى صوم القريب الذي ورد به الخبر.

        4- إن من ملك شيئا جاز له أن ينيب غيره فيه كالولي يوكل في تزويج.

        5- لأن النيابة في الصوم على خلاف القياس، فيقتصر في إجزائه على ما ورد فيه النص، وهو الولي أو من يأذن له الولي; لأنه بالإذن صار في معنى الولي.

        والراجح: القول الأول; لقوة دليله.

        [ ص: 166 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية