الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن قلت فصل لي علم طريق الآخرة تفصيلا يشير إلى تراجمه وإن لم يمكن استقصاء تفاصيله .

فاعلم أنه قسمان : علم مكاشفة وعلم معاملة فالقسم الأول علم المكاشفة وهو علم الباطن وذلك غاية العلوم فقد قال بعض العارفين من لم يكن له نصيب من هذا العلم أخاف عليه سوء الخاتمة وأدنى نصيب منه التصديق به وتسليمه لأهله .

وقال آخر من كان فيه خصلتان لم يفتح له بشيء من هذا العلم بدعة أو كبر وقيل من كان محبا للدنيا أو مصرا على هوى لم يتحقق به وقد يتحقق بسائر العلوم ، وأقل عقوبة من ينكره أنه لا يذوق منه شيئا وينشد على قوله .

وارض لمن غاب عنك غيبته فذاك ذنب عقابه فيه وهو علم الصديقين والمقربين أعني علم المكاشفة فهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل أسماءها فيتوهم لها معاني مجملة غير متضحة فتتضح إذ ذاك حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه وبصفاته الباقيات التامات وبأفعاله وبحكمة في خلق الدنيا والآخرة ووجه ترتيبه للآخرة على الدنيا والمعرفة بمعنى النبوة والنبي ومعنى ، الوحي ومعنى الشيطان ومعنى لفظ الملائكة والشياطين وكيفية معاداة الشياطين للإنسان وكيفية ظهور الملك للأنبياء وكيفية وصول الوحي إليهم والمعرفة بملكوت السموات والأرض ومعرفة القلب وكيفية تصادم جنود الملائكة والشياطين فيه ومعرفة الفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان ومعرفة الآخرة والجنة والنار وعذاب القبر والصراط والميزان والحساب ومعنى قوله تعالى: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ومعنى قوله تعالى : وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ومعنى لقاء الله عز وجل والنظر إلى وجهه الكريم ومعنى القرب منه والنزول في جواره ومعنى حصول السعادة بمرافقة الملأ الأعلى ومقارنة الملائكة والنبيين ومعنى تفاوت درجات أهل الجنان حتى يرى بعضهم البعض كما يرى الكوكب الدري في جوف السماء إلى غير ذلك مما يطول تفصيله إذ للناس في معاني هذه الأمور بعد التصديق بأصولها مقامات شتى فبعضهم يرى أن جميع ذلك أمثلة وأن الذي أعده الله لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وأنه ليس مع الخلق من الجنة إلا الصفات والأسماء .

التالي السابق


(فإن قيل فصل لي علم الآخرة تفصيلا) يتضح للأذهان (يشير) بذلك (إلى تراجمه) جمع: ترجمة، والتاء زائدة وقيل أصلية، يقال: ترجم كلام غيره إذا عبر عنه بلغة غير المتكلم، واسم الفاعل: ترجمان، وفيه لغات (وإن لم يمكن استقصاء تفاصيله فاعلم أنه) أي: علم الآخرة (قسمان: علم معاملة) وقد تقدم ذكره (وعلم مكاشفة وهو علم [ ص: 162 ] الباطن) وهو العلم بالله عز وجل، الدال عليه، الراد إليه، الشاهد بالتوحيد له من علم الإيمان واليقين وعلم المعرفة (وذلك غاية العلوم) كلها وإليه تنتهي همم العارفين لا يوجد وراءه مرمى للأنظار (فقد قال بعض العارفين) فيما نقله صاحب القوت (من لم يكن له نصيب) أي: حظ (من هذا العلم) أي: علم الباطن (أخاف عليه سوء الخاتمة) ولا سبيل إلى معرفته إلا بالذوق الصحيح، ولا يكاد يلتذ به إذا جاء من غير نبي إلا أصحاب الأذواق السليمة وهو فوق طور العقل، ولذا ربما مجته العقول الضعيفة التي لم توف النظر والبحث حقه، ولهذا كان صاحبه إذا أراد أن يفهم منه لأصحاب الظاهر فلا بد له من ضرب الأمثال الكثيرة والمخاطبات الشعرية، وقد يتسارع إلى الإنكار على صاحبه وذلك لأنه فوق طور العقل ويحصل من نفث روح القدس يخص به تعالى النبي والولي لا يكون لغيرهما، وعلوم المجتهدين كلها من هذا الباب لكنهم أفصحوا في العبارة ففهمها الناس ولم ينكروها عليهم، وقال القطب الشعراني رحمه الله تعالى: وكان أخي أفضل الدين يتكلم على الآية من سبعين وجها، ويقول: حقيقة العلوم التي تسمى باطنا إنما هي من علوم الظاهر; لأنها ظهرت للقائل بها ولو أنها بطنت منه لما اهتدى لفهمها ولا لذكرها، فقلت له: صحيح ذلك، ولكن ذلك خاص بأجل الكمل، فقال: نعم، فإن الظاهر هو المعقول والمقبول الذي تكون منه العلوم النافعة والأعمال الصالحة، وأما الباطن فإنما هو المعارف الإلهية التي هي روح تلك العلوم والمعقولة المقبولة اهـ .

( وأدنى النصيب منه) إذا لم يمكنه التحلي به (التصديق به) جزما من غير تردد ولا شك (وتسليمه لأهله) بعدم الإنكار عليهم بقبول ما يرد من جهتهم بانشراح صدر وعدم اختلاج باطن فيكون في منزلة المحبين لهم فإن من ينكر على أولياء الله الوارثين لعلوم أنبياء الله يخاف عليه سوء الخاتمة، والسلام على أهل التسليم (وقال آخر) فيما أورده أيضا صاحب القوت (فمن كان فيه خصلتان) أي: من وجدنا فيه (لم يفتح له شيء من هذا العلم) أي: علم الباطن (بدعة) وهي الفعلة المخالفة للسنة (أو كبر) أن يرى نفسه أكبر من غيره، وقال الجنيد: أعلى درجات الكبر أن ترى نفسك، وأدناها أن تخطر ببالك، يعني نفسك (وقيل من كان محبا للدنيا) مائلا إلى شهواتها وكذا محبا لأهلها وللعلوم تقربة إليها (أو مصرا على هوى) نفسي أو شيطاني (لم يتحقق به) أي بعلم الباطن ولا يكون له منه نصيب (وقد يتحقق بسائر العلوم الظاهرة، وأقل عقوبة من ينكره أن لا يرزق) وفي نسخة أن لا يذوق (منه شيئا) أي يكون سببا لحرمانه من هذا العلم، وعبارة القوت: أن لا يرزق منه شيئا أبدا، هكذا عن أبي محمد سهل التستري اهـ .

وقال أبو تراب النخشبي وهو من رجال الرسالة: إذا ألف القلب الإعراض عن الله صحبته الوقيعة في أولياء الله، أي: لأنه أدبر عن النور، وأقبل على الظلام فقاس حال أهل الله على حال نفسه، وفي القوت من لم يكن له مشاهدة من هذا العلم لم يعر عن شك أو عن نفاق؛ لأنه عار عن علم اليقين، ومن عري عن علم اليقين وجد فيه دقائق الشك اهـ .

ونقل الشعراني عن القطب أبي الحسن الشاذلي - قدس الله سره: من لم يتغلغل في علوم القوت مات على غير سنة، فيخشى عليه سوء الخاتمة. اهـ .

وفي كتاب "القصد والسداد" لبعض السادة من أهل اليمن قال القطب السيد عبد الله بن أبي بكر العيدروس - قدس الله سره: عليك بحسن الظن بالصالحين ومحب محب محبهم فهو من أعلى المراتب وأجل المواهب، ولصاحبه سابقة وعناية وتخصيص وهداية، وسوء الظن مذموم مطلقا، وقال آخر عليك بحسن الظن فإنه دليل على نور البصيرة وصلاح السريرة، وكفى به سببا لحصول السعادة ونيل الدرجات، ومن فوائده فائدة يندرج فيها كل فائدة وهي أنه يورث حسن الخاتمة، وثمرته قد لا تظهر إلا عند خروج الروح فيفضي بصاحبه إلى السعادة المتضمنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (وهو علم الصديقين والمقربين) وعبارة القوت: واتفقوا على أنه علم الصديقين وأن من كان له نصيب منه فهو من المقربين فوق درجة أصحاب اليمين (أعني علم [ ص: 163 ] المكاشفة فهو عبارة عن نور) إلهي (يظهر في القلب) أي: قلب العارف يقذفه فيه (عند تطهيره) من الأدناس المعنوية وإليه يشير قوله تعالى: وثيابك فطهر عند من فسر الثياب بالقلب، وعند تزكيته أي: تصفيته (من صفاته المذمومة) ، وهذا القول من مختارات أقواله كما سبقت الإشارة إليه في أول الكتاب، وقال بعضهم: المكاشفة لحضور بنعت البيان من غير افتقار إلى تأمل البرهان فأضيف العلم إليه، وقال الشيخ الأكبر: قد تطلق المكاشفة بإزاء تحقيق الأمانة بالفهم، وبإزاء تحقيق زيادة الحال، وبإزاء تحقيق الإشارة (وتنكشف من ذلك النور) أن تتجلى له (أمور) تخلقا وتحققا (كأن يسمع من قبل) ذلك (أسماءها) نقلا وتقليدا (فيتوهم لها) بحسب فهمه (معاني مجملة) غير مفصلة من غير تحقيق فيها (غير مفصحة) عن أسرارها، وفي نسخة: غير متضحة، أي: لغموضها ودقتها (فتتضح) وتنجلي (إذ ذاك) بعد تحققه بهذا العلم (حتى تحصل) له (المعرفة الحقيقية بذات الله تعالى) وحقيقته (وبصفاته التامات) أي: الكمالات الذاتية الثبوتية والسلبية والإضافية وغيرها (وبأفعاله) أشار بذلك إلى توحيد الذات والصفات والأفعال (وبحكمته في خلق الدنيا والآخرة) وما فيهما من الأسرار العجيبة (ووجه ترتيبه للدنيا على الآخرة) وكونها مزرعة لها ومنظرة إليها (والمعرفة بمعنى النبوة والنبي، و) يندرج فيه معرفة (معنى الوحي) وأقسامه ودرجاته الآتي بيانها في آخر الباب السابع (ومعنى لفظ الملائكة) حملة الوحي وأقسامهم (والشياطين) ومراتبهم وكيفية معادة الشيطان للإنسان وما سببها وكيف التحرز منهم (و) يندرج في معنى الوحي وحامله معرفة (كيفية ظهور الملك للأنبياء) على الصور المختلفة ومخاطبتهم ومحادثتهم (وكيفية وصول الوحي إليهم) وينتقل منه (إلى المعرفة بملكوت السماوات والأرض) أي بحقيقة الأجرام العلوية، وإنها خادمة مستغنى عنها وما فيها من الملائكة الموكلين بها، والكواكب التي خلقت فيها زينة لها، وهداية لخلقه وعلامات لحكم إلهيته، وكذلك الأرض التي جعلها الله مقرا لعباده، وبما فيها مما أودعه فيها من العجائب لا كما تزعم الفلاسفة من أمور مخرومة القواعد كبيرة المفاسد ويندرج فيها معرفة الخلق وسر التخليق مما تحار فيه العقول (و) يرجع بعد هذا إلى (معرفة القلب) الذي هو أنموذج لتلك العوالم وما فيه من العجائب (و) حينئذ تنكشف له (كيفية تصادم جنود الملائكة والشياطين فيه) في تعميره بالأنوار والفيوضات وإفساده بالكلام والأوصاف الذميمة ويندرج فيه (معرفة الفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان) ففي بعض الأخبار أن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة، فأما لمة الملك فوعد بالخير وتصديق بالحق، وأما لمة الشيطان فإبعاد بالشر وتكذيب بالحق ثم قرأ: الشيطان يعدكم الفقر الآية، وقال بعض الحكماء: إن ولي الله إذا أتته لمة الشيطان انزعج لذلك ورأى ببصيرته ظلمة، ووجد روعة بالحق فإذا أتته لمة الملك انشرح صدره، وأولياء الشيطان بخلافه، ويندرج في هذا معرفة الخاطر الذي يعرض من جهة الهوى (و) يتدرج بعد هذا إلى (معرفة) دار (الآخرة) وعالمها وعجائبها، ويندرج في هذا العلم معرفة (الجنة والنار) وما لهما من الأحكام (و) ينكشف له هنا معرفة (عذاب القبر) الذي هو البرزخ بين العالمين (و) يندرج في عالم الآخرة معرفة أسرار (الصراط والميزان والحوض والحساب) بكيفية المرور عليها واختلاف أحوال المارين (و) بحقيقة وزن الأعمال وما فيه من الأسرار وبحقيقة الحوض ومعرفة من يرد ممن يذاد عنه، وبحقيقة الحساب وكيفيته ومن يؤتى كتابه باليمين أو بالشمال، وحينئذ تنكشف له أسرار جملة من القرآن خصوصا (معنى: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) أي محاسبا كالجليس بمعنى الجالس، وقد يعبر به عن المكافئ بالحساب، وقوله: وكفى بالله حسيبا أي: محاسبا لهم؛ لأنه لا يخفى عليه من أعمالهم شيء (ومعنى قوله تعالى: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ) الحيوان في الأصل مقر الحياة، ثم يقال باعتبارين: أحدهما: ما له حاسة كالحيوانات الحساسة والثاني ما له بقاء سرمدي وهو [ ص: 164 ] ما وصفت به الآخرة في قوله: لهي الحيوان ونبه بحرفي التأكيد بأن الحيوان الحقيقي السرمدي الذي لا يفنى، لا ما يبقى مدة، ثم يفنى، وقيل: الحيوان يقع على كل شيء حي ومعناه من صار إلى الآخرة أفلح ببقاء الأبد (و) يندرج في عالم الآخرة (معرفة لقاء الله عز وجل) ومعنى (النظر إلى وجهه الكريم) ولذته (و) معنى (القرب منه والنزول في جوار و) معرفة معنى (حصول السعادة) الأبدية المعبر عنها بثمانية أشياء، كما تقدمت الإشارة إليه (بمرافقة الملأ الأعلى) والملأ: جماعة تملأ العيون رواء، والقلوب جلالة وبهاء (ومقارنة الملائكة) فيه تخصيص بعد تعميم (والنبيين) والصديقين (و) معرفة (معنى تفاوت درجات أهل الجنان) على اختلاف منازلهم (حتى يرى بعضهم البعض كما يرى) أحدنا (الكوكب الدري) أي: المضيء (في جو السماء وإلى غير ذلك مما يطول تفصيله) .

فمما يندرج فيما ذكره، علم العلوم التي تخلع على أهل الجنة إذا دخلوها، وأهل النار إذا دخلوها، وقليل من يكاشف بهذا العلم في هذه الدار، وعلم أحكام العوالم التي تحت الأرض السابعة، ومعرفة أحكامهم وطبائعهم، وعلم أحكام الملائكة السفرة، ومعرفة أماكنهم في السماوات، ومعرفة علم أسباب العداوات، وعلم كيفية الأفلاك العلوية، وهل السماء أكرة في خيمة أو خيمة في أكرة أو تشبه ذلك؟ وهل تدور الأرض بدورانها أم لا؟ وهل النجوم سائرة تسري في السماء والسماء ساكنة أو السموات دائرة بما فيها؟ وقليل من يكاشف بما الأمر عليه في نفسه، وعلم المشيئة الإلهية، وكيف قبلها الوعيد في عدم الخلود دون الوعد مع أن النصوص القطعية قد جاءت بعدم خروج الكفار من النار، وعلم شهود سريان الجنة في أجسام الموحدين وسريان النار في أجسام المشركين، وعلم أسباب الطرد عن دخول حضرة الله، وعلم المشاهدات للأعمال الصالحة الصادرة من العبد، وعلم أحكام الرؤية وكيف صح للبشر مع غلظ حجابه؟ وعلم شهود الموت لسائر الجواهر والأعراض من جميع ما تضمنته هذه الدار، وعلم معرفة أصناف المعذبين من هذه الأمة، ومعرفة من يعذب في الدنيا والآخرة ومن يعذب في الآخرة فقط، وعلم الإلهام والنفث في الروع، وعلم معرفة آداب الملائكة مع ربهم، وعلم معرفة الشهود العام، ومنه يعرف أن الوجود السفلي مرآة للعالم العلوي وعكسه، ومنه يشهد العبد الجسم الواحد في مكانين وفي ألف ألف مكان فيجد له صورة في كل ذرة ولا يشهد صورة أحق به من صورته .

وعلم انتقالات الأرواح في البرزخ، وعلم مراتب الأعمال وشروطها وأركانها وسننها في حضرة الإسلام وحضرة الإيمان وحضرة الإحسان وحضرة الإتقان وحضرة إسلام الإسلام، وحضرة إيمان الإيمان، وحضرة إحسان الإحسان وحضرة إيقان الإيقان، وعلم معرفة الدوائر الإلهية ومعرفة كتابها وكيف يكتبون، وعلم معرفة الأعمال التي يتوصل منها إلى معرفة منطق الطيور، وعلم الاستحالات الكونية في سائر أحوالها، وعلم التنزلات على القلوب والأبصار والأسماع، ومعرفة العلوم الخاصة بكل لطيفة من هذه الثلاث .

وعلم آداب المعارج الروحية في حال الصلاة وما يصل إليه كل مؤمن في معراجه القلبي من الأماكن السماوية، وعلم آداب تلقي الملائكة المصاحبين للخواطر، وعلم الحياة وعلم أمهات الخلق من سائر الموحدين، وعلم آداب الجلوس على المنصات الإلهية حال التشهد في الصلاة، وهي مائة ألف خصلة، وعلم التجليات الليلية والنهارية ومعرفة آدابها وهو خاص بأهل المراقبة، وعلم خواص الأسماء الإلهية وبيان أن كل اسم منها له خواص، وإن كان في كل اسم قوة جميع الأسماء وأنها كلها ترجع إلى الاسم الله، وهو علم شريف .

وعلم جواهر القرآن ودرره، وعلم تلوينات النفوس والقلوب والأسرار، وعلم الكشف الإلهي وتمييزه من الكشف الشيطاني وسائر مراتبه، وعلم ما ينفرد به الحق تعالى من العلم دون عباده، وعلم ما ينفرد به النبي دون الولي، والولي عن غيره من مسائل العبادات والمعاملات، وعلم منازل أهل القربة والآداب المتعلقة بها، وعلم مقامات الرسل وما يتميز بها عن غيره، وعلم حضرات الأسماء، وعلم الأخلاق [ ص: 165 ] الإلهية، وعلم آداب العبودية، وعلم علامات الساعة وهي ألف علامة كبرى، وعلم أصناف المقربين من جميع العالم حتى مراتب الجمادات، كما أشار إليه الحديث: أحد جبل يحبنا ونحبه، وعلم تطورات الأعمال الحسنة والقبيحة، وعلم أحكام الجنود في السماوات والأرض، وعلم الحياة الدنيا ولماذا اختصت الدار الآخرة باسم الحيوان مع أن الدنيا مثلها في هذه الصفة عند أهل الكشف .

فهذه وأمثالها علوم شريفة لا تنكشف حقائقها إلا لمن قذف له نور اليقين في قلبه، وكل هذه العلوم داخلة في قسم علم المكاشفة، (إذ للناس في) معرفة (معاني هذه الأمور بعد التصديق) الجازم (بأصولها مقامات) ومراتب (فبعضهم يرى) ويعتقد (أن جميع ذلك أمثلة) وذلك أنه لما رأى أنه لا يدرك شيء منها بقياس، ولا يتصور بواسطة لفظ، ولا يحمل عليه حقيقة وذلك لقرابتها وكثرة غموضها ودقة معناها وخروجها عن الحدود المألوفة ومباينتها لكل ما نشئوا عليه لم يشاهدوا غيره من المحسوسات ومعقولات وضروريات ونظريات (وأن الذي أعد) وهيئ (لعباد الله الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت) ولا خطر على قلب بشر وأنه ليس مع الخلق (من الجنة) إلا الصفات والأسماء فقط .




الخدمات العلمية