الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأربعة هن من العبادة : لا يخطو خطوة إلا على وضوء وكثرة السجود ولزوم المساجد وكثرة قراءة القرآن وقال أيضا : عجبت لمن يدخل الحمام على الريق ثم يؤخر الأكل بعد أن يخرج كيف لا يموت وعجبت لمن احتجم ثم يبادر الأكل كيف لا يموت وقال : لم أر شيئا أنفع في الوباء من البنفسج يدهن به ويشرب والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


(وأربع هي من العبادة: لا تخطو خطوة إلا على الوضوء) فقد ورد أنه سلاح المؤمن، وتقدم في كتاب الطهارة، (وكثرة السجود) فقد ورد: أعني على نفسك بكثرة السجود، وتقدم في كتاب الصلاة، (ولزوم المساجد) أي: معاهدتها في أوقات الصلوات والجلوس فيها انتظارا لها، والدخول فيها أوائل الناس قبل الوقت، والخروج منها في أواخرهم، (وكثرة قراءة القرآن) غيبا أو نظرا في المصحف، وقد ورد في كل ذلك ما تقدم ذكره .

(وقال أيضا: عجبت لمن يدخل الحمام على الريق ثم يؤخر الأكل بعد أن يخرج كيف لا يموت) لأن الحمام يحلل فضول البدن ويفتح المسام، فإذا دخله خالي الجوف أورثه الهزال، فإذا خرج وأكل طعاما حصل السدد في العروق، فيكون سببا لهلاكه، كما أن دخوله على البطنة يولد القولنج، والمستحب أن يتناول شيئا قبل دخوله، فإنه يسمن ولكن يخاف منه السدد، فليحترز عنها بالسكنجبين الساذج أو البزوري، ثم يغتذي بعده فيسمن باعتدال مع الأمن من السدد، (وعجبت لمن احتجم ثم يبادر الأكل كيف لا يموت) قالوا: غذاء المحتجم يجب أن يكون بعد مضي ساعة، وكذلك لا يبادر بالجماع بعدها وقبلها، وكذا الغضب الشديد والحركة الكثيرة المتعبة، ومن أكل البيض بعد الحجامة أصابته القوة .

(وقال الشافعي -رضي الله عنه-: لم أر شيئا أنفع في الوباء من البنفسج يدهن به ويشرب) هكذا أورده الأيدي والبيهقي كلاهما في ترجمته، ونقله ابن السبكي وابن كثير كلاهما في الطبقات، والحافظ ابن حجر في بذل الماعون. والبنفسج نبت معروف، فإذا أطلق أريد به زهره فقط، أجوده الأزرق اللازوردي المضاعف، بارد رطب في الأول يولد دما معتدلا ويسكن الصداع الدموي والصفراوي شما وضمادا، وشمه يجلب النوم، والادهان بدهنه ينفع من السهر ويرطب البدن ويعدل الأخلاط، وهو طلاء جيد للجرب، وينبغي أن يكون المستعمل من زهره المقطوع العروق ليكون مضرته للمعدة أقل، وطريق تجفيف البنفسج أن يقطف زهره ويبسط في الظل حتى ينشف وإذا نشف يخلى ساعة في الشمس ويرفع، وهكذا تجفيف الورد وسائر الأزهار اللطيفة لئلا تزول ألوانها فتضعف أفعالها، وقد يخلط مع السكر المدقوق ويرفع، ويسمى هذا خميرة، وأما شرابه المتخذ من جلاب السكر معتدل في البرد مرطب ينفع من ذات الجنب والرئة وآلات الصدر ووجع الكلى والمثانة ويدر البول والصفراء، ويلين الطبع برفق، وصفته أن يؤخذ لكل عشرة أرطال سكر محلول من البنفسج العراقي الأزرق السالم من العفونة سبع أواق ينقع في ماء شديد [ ص: 276 ] الحرارة، ويترك حتى يبرد، ويوضع على النار في قدر برام، ويغطى بغطاء خشب، ويترك حتى ينقص منه الربع، وينزل عن النار حتى يبرد، ويمرس مرسا خفيفا ويصفى ويلقى على ذلك السكر المحلول، ويؤخذ له قوام، وأما دهنه فبارد رطب ينفع الجرب طلاء، ويلين صلابة المفاصل والعصب، وينفع من الصداع الحار اليابس، وينوم أصحاب السهر، ولاستخراجه طرق كثيرة ليس هذا محل ذكرها .



(تنبيه)

الوباء فساد يعرض لجوهر الهواء، وهو مضر بالحيوان والنبات، يحدث للجدري والحصبة والطواعين والجمرة والأكلة وسائر القروح الخبيثة والحميات، وسبب ذلك إما أرضي أو سماوي كالماء الآسن والجيف الكثيرة، كما في الملاحم إذا لم تدفن القتلى ولم تحرق، والتربة الكثيرة العفن، وقد يكون عن بخار رديء من ثمار أو بقول عفنة أو من بحر أو من خنادق أو آجام، وإذا كثرت الشهب والنجوم في آخر الصيف، وفي الخريف أنذر بالوباء، وكذلك الجنوب والصبا في الكانونين، وإذا كثرت علامات المطر ولم يمطر، وتكرر ذلك فمزاج الشتاء فاسد، وإذا رأيت الحشرات والضفادع كثرت وصرفت الحيوانات الزكية الحس كاللقلق، وغابت قبل أوان غيبتها عادة، وهربت الفأرة من جحرها سدرة ملقاة، فالوباء قريب، والتدبير فيه تعديل المزاج بالأشربة الباردة، وهجر الجماع والحلاوات والفواكه المحلوة والسريعة الفساد كالخوخ والمشمش والبطيخ الأصفر والقراصيا الحلوة، والتوت الحلو والرطب، واجتناب الأغذية الردية، وترك الحركة العنيفة والامتلاء، ولا يصابر على جوع ولا عطش، ويشرب الماء المبرد بثلج وجمد، وشرب الماء عبا خير من شربه قليلا قليلا، فإنه ربما أضر لتثوير الحرارة، وإن لم تكن شهوة الغذاء يتكلف الأكل قليلا لتتعلق الحرارة بمادة الحياة، ويقتصر على المجففات، والحوامض كلها جيدة، ويطرح في الماء المشروب الطين الأرمني أو يسير خل، ويقلل من الحمام والأعراق، ومن أنفع الأدوية في أيامه هذا صبر سقوطرى جزآن زعفران جزء مر صافي وجزء يؤخذ منه نصف مثقال بماء ورد .



(خاتمة) تشتمل على مهمات منها ما فيه إيضاح لما أبهمه المصنف، ومنها ما فيه تفصيل لما أجمله، ومنها ما له تعلق بكماله بحسب المناسبة:

الأولى: تدبير الأسباب الضرورية كالمأكول فينبغي أن يؤخذ من الغذاء الملائم قدر ما يمسك القوة، ويشد الشهوة، ولا يمدد المعدة، ولا يثقل عليها، ولا يسرع معه عطش ولا يتبعه جشاء فاسد، ولا يحدث منه نفخ بل تعقبه خفة وراحة، ويدفع فضلاته في الوقت المعتاد، ويقتصر على الخبز النقي من الشوائب المؤذية كالشلم، وعلى لحوم الحولي من الضأن والعجول والأجدية، ولا يؤكل بلا شهوة صادقة لأنه لا تشتمل عليه المعدة، ولا تقبله القوة الهاضمة، فيفسد ويفسد، ولا يدافع الشهوة الهائجة لأن المعدة الخالية الطالبة للغذاء إذا لم يرد عليها شيء من الأغذية ينصب إليها مر أو صديدي يبطل الشهوة الصادقة، ويمرر الفم، ويوجب التهوع، وإدخال طعام على طعام لم ينهضم رديء، وتكثير الألوان محير للطبيعة، والغذاء اللذيذ أحمد، ولا يكثر منه، ولا يتحرك على الطعام إلا يسيرا قدر ما يجدده .



الثانية: في ترتيب الأطعمة يقدم الألطف على الأغلظ، فيقدم البقول المسلوقة على البيض وهو على لحم الطير وهو على لحم ذوات الأربع، ويقدم الفواكه الملينة على الطعام كالعنب والتين، وتؤخر القابضة بعد استقراره في المعدة كالتفاح والكمثرى والسفرجل إلا لمن به زلق في المعدة، وأما البطيخ فلا يؤخذ مع غذاء آخر فيفسدها، وتقدم الفواكه على البقول، والبقول على الثرائد على اللحمان، والحلوى يجب أن يكون آخر الأشياء لثقله وإبطاء هضمه، وملازمة التفه فيسقط الشهوة، والحامض يجفف ويسرع الهرم ويضر العصب، والحلو يرخي الشهوة ويحمي الأبدان ويوافق الأعصاب، والمالح يجفف ويهزل، والمر يضاد المزاج والشهوة والطبيعة، إذ هو أبعد الأشياء عن جوهر الغذاء، فليدفع مضرة الحلو بالحامض، والحامض بالحلو، والدسم بالمالح أو الحريف، وبالعكس. يعني: إذا أكل حافظ الصحة في يوم أو يومين غذاء حلوا مثلا فينبغي أن يأكل في يوم آخر غذاء حامضا حتى يتدارك ما حصل من ذلك، ويجوز أن يكون عقيب الحلو حامضا قليلا، والثاني على هذا القياس، وملازمة الحمية تفكك القوة وتهزل البدن، بل هي في الصحة كالتخليط في المرض، وليس [ ص: 277 ] المراد بهذا أن يجمع بين ألوان وأصناف كثيرة من الأغذية والأشربة في أكلة واحدة، بل المراد ما قلنا من تدارك الحلو بالحامض والتفه بالحريض والمالح وهما به، أو أن يجمع بين غذاءين مختلفين ولا يتجاوز ثلاثة لأن الأكثر منها محير للطبيعة، وليترك الغذاء وفي النفس له بقية شهوة، فإن البقية من تقاضي الجوع، فيبطل بعد ساعة، ويبقى هو خفيف النفس نشيطا محمود الهضم آمنا من.... قوله الفضولي وإن أكل شهوته ثقل عليه بعد ذلك، وإن أفرط يوما جاع في اليوم الثاني، وأطال النوم في مكان معتدل لتبعث الحرارة وتدفع الفضلات الحاصلة في أوعية الغذاء، ومراعاة العادات في الواجبات وغيرها واجبة، وأجود النوب للأكل أن يؤكل في يومين ثلاث مرات، أعني في يوم مرتين طرفي النهار وفي يوم مرة وسط النهار، وصاحب المعدة الحارة لا يأكل مرة واحدة ما يكفيه بل يتدرج قليلا قليلا، والأغذية تختلف باختلاف الطبيعة .



الثالثة في ذكر ما ينهى عن الجمع بين الأغذية، فاعلم أنه قد نهى المجربون عن الجمع بين الأغذية في نوبة واحدة بل في يوم واحد يعسر أذيات كثير منها بالقياس قالوا: لا يجمع بين السمك واللبن فيولدان أمراضا مزمنة كالجذام والفالج، ولا لبن مع حامض حتى نهوا عن الجمع بين المضيرة والإجاجية، ولا السويق على الأرز باللبن، ولا العنب على الرؤوس، ولا الرمان على الهريسة، والمنهي في هذه الثلاثة هذا الترتيب والتعقيب لا مطلق الجمع، فإنه يجوز أن يؤكل أولا العنب ثم الرؤوس والرمان، ثم الهريسة والسويق، ثم الأرز، ولا الخل مع الأرز ولا الماست مع الفجل ولا مع لحوم الطير ولا بين فراخ الحمام والثوم والبصل، ولا يطبخ اللحم القديد بالخل والثوم، ولا يجمع بين الثوم والسمك الطري والتين فإنه يخاف أن يورث البهق والبرص، ولا يجمع بين بيض الدجاج والجبن الطري، ولا بين الباقلا والصقراط، ولا بين الثوم والبصل، ولا بين البيض والسمك، فإنهما إذا اجتمعا في المعدة يولدان القولنج وريح البواسير ووجع الأضراس، ولا يؤكل كل العسل على البطيخ، ولا بالعكس، ولا ينبغي أن يجعل الخل في الإناء المتخذ من النحاس والقلعي .



الرابعة: في تدبير المشروب، فاعلم أنه إنما يستعمل من الماء المحمود ما كان خالص البرد عند العطاش الصادق قدر الري بغير زيادة عليه بعد سروع الغذاء للهضم لا عقيب الطعام، فإنه يفحج، بل يتربص المحرور بعده نصف ساعة وغيره لا أقل من ساعتين، فإن الصبر على العطش يوهن العطش ويكسره، ثم إنه قد يذهب به وخصوصا في المرطوبين كما يذهب الصبر على السعلة بالسلعة وعن الحنكة بالحك، واستعماله في خلال الطعام أردأ لأنه يفرق بين الغذاء ويطفئه في المعدة فلا ينهضم جيدا، وتحصل منه مفاسد، على أن من الناس من ينتفع بذلك وهو حار المعدة، ولا سيما عند تناول غذاء يابس بالفعل، وينبغي أن يحذر من شرب الماء الصادق البرد دفعة مقدارا كثيرا قبل الطعام وبعده لأنه يطفئ حرارة المعدة، وفي خلال الأكل وبعد أن يترك الأكل ساعة لا ينبغي أن يستوفي الري بل يتجرع جرعا لأن الماء إذا كثر في هذا الوقت منع المعدة عن الاحتواء على الطعام، وولد النفخ والقراقر وأساء الهضم، وربما أورث انطلاق البطن وقلة الشرب على المائدة، والامتناع عنه محمود إلا أن الحار المعدة إذا احتمل العطش عند ذلك بسط الطعام في معدته وفسد وهاج الجشاء الدخاني، ولذلك يكون الأصلح له أن يتحمل العطش تحملا شديدا ولا يعطي نفسه ريحا لكن يسكن بأثره العطش بالتجرع قليلا قليلا ما دام يأكل .

ومن الناس من تكون شهوته للغذاء ضعيفة، فإذا شرب الماء قويت، وذلك لتعديله حرارة المعدة، والشرب على الريق أو عقب الحركة وخصوصا الجماع وعلى الفاكهة وخصوصا البطيخ، وفي الحمام أو عقيبه رديء جدا، ماء كان المشروب أو شرابا، فإن لم يكن فقليل من كوز ضيق الرأس امتصاصا إن كان كالاحتياج إلى الماء بسبب حرارة المريء والرئة ويبوستهما، وإن كان اشتعال في المعدة أو الكبد فيرخص الري دفعة لئلا يؤدي إلى احتراق، فلا يجوز الشرب على الريق إلا للمحموم والمحرور والمخمور فقط، وكثيرا ما يكون عطش عن بلغم مالح أو لزج، وكلما روعي بالشرب ازداد، فإن صبر عليه أنضجت الطبيعة المادة المعطشة، وأذابتها فسكن من ذاته، ومن مثل هذا كثيرا ما يسكن بالأشياء الحارة كالعسل وبذر الرازياتج وعصيره، وما دام الطعام [ ص: 278 ] في المعدة فلا يشرب غير الماء .



الخامسة: تقدم للمصنف أن الحلوى بعد الطعام من الطيبات من الرزق، فاحتاج الأمر إلى التكلم على أنواعها وكيفياتها ليكون الآكل منها على بصيرة، فاعلم أن جميع الحلاوات زائد في الدم والمني مسمن للبدن، ويغذي غذاء كثيرا جدا، والشيء الحلو إذا كان من الأشياء الأصلية كالتمر والعسل كان أشد تثخينا وإحراقا للدم، وأما الحلوى الدسم كالفالوذجات والأخبصة وما أشبهها فإنها أقل غائلة من تنوير الحرارة، إلا أنها أثقل على المعدة لمكان الدسومة، وكل طعام حلو ودسم فهو يشبع سريعا من قبل أنه ينبسط وينتفخ فيصير من اليسير منه مقدار كثير، فيملأ البطن لذلك، وكل غذاء غليظ لزج إذا خلط حلاوة فهو سريع الإحداث للسدد في الكبد والطحال، وقد تتولد منه الحجارة في الكلى والمثانة خصوصا ما اتخذ بالدقيق والنشا، وتعقل البطن أيضا، وما اتخذ بالعسل فهو أقل ضررا لمن كانت أحشاؤه سليمة من السدد، وما عمل بالسكر الطبرزد واللوز والمقشر فهو أقل إسخانا، فمن أنواع الحلاويات التي يؤتى بها بعد الطعام عادة الفالوذج أجوده السكري، وهو كثير الغذاء بطيء النزول والهضم يضر أصحاب السدد في الطحال والكبد، والمتخذ بالسكر ودهن اللوز معتدل يصلح لمن تم لمن نهك بدنه، وإدمانه يورث السدد .

وأما المشايخ والمبرودون فالعسلي أوفق لهم، ومنها القطائف وهو الكنافة بمصر والفداوش بالمغرب غليظ وخم كثير الغذاء يصلح لمن أدمن الرياضة، وهو بطيء الهضم، والإدمان عليه يحدث الحصى في المثانة، ومنها الزلابية وهي أخف من القطائف وأنفع انهضاما ينفع من السعال الرطب والعسلية منها قوية الإسخان، والسكرية أسكن حرارة، ومنها المهلبية وهي المتخذة من دقيق الأرز والسكر واللبن، كثيرة الغذاء مقوية للبدن جدا زائدة في الدم والمني، ملينة للصدر، وتضر بالصفراويين، وينبغي أن يطال النوم بعدها، ولا يؤكل على أطعمة غليظة حامضة، ومنها التعاطف، ويدخل تحته أنواع كاللوزينج والجوزية والخشخاشية والفستقية والسمسمية المعروفة بالطحينية، وصنعته أن يعقد السكر المحلول أو العسل على نار هادئة، ويصير بحيث إذا أخذ منه وبرد تكسر وتقصف ثم يعجن منه بعد رفعه ما يراد عجنه فيه كاللوز وهي اللوزينج وهي صالحة للصدر والرئة وخشونة المثانة، أو الجوز فهي الجوزية وهي قريبة الفعل من اللوزية، أو الخشخاش وهي الخشخاشية جالبة النوم، جيدة للسعال، وحرقة البول، زائدة في الباءة، أو الفستق فهي الفستقية توافق من كان في صدره أو رئته خلط بلغمي ولمن به سدد في هذه المواضع، أو السمسم فهي الطحينية وهي أكثر غذاء وفيه وخامة وثقل نافع من السعال والرئة، ويرخي المعدة. أو حب الصنوبر فهي الصنوبرية وهي كالتي قبلها في كثرة الغذاء ويولد دما محمودا .

وكل هذه الأنواع أسرع نزولا وأقل غذاء من سائر أنواع الحلاويات التي فيها دهن وخبز ودقيق، ويصلح لمن لا يحتاج إلى غذاء كثير، ومن أنواع الحلاويات: الحيس وهي حلواء تتخذ من السمن والكعك والتمر، كثير الغذاء، بطيء النزول، ولا ينبغي أن يؤكل على طعام غليظ، ويعتني بسرعة هضمه وإخراجه من البطن بالنوم الطويل، والمتخذ بالزبد أليق وأعدل؛ ومنها الخبيص وصنعته أن يؤخذ نصف رطل دهن لوز ويوضع على النار في طنجير، وينثر عليه لب خبز وسميد مفتوت أو مفروك، ويحرك على نار هادئة، ثم يطرح عليه رطل سكر نقي مدقوق منخول، ويحرك وينزل رطبا ويفرق فيجعل فوقه السكر الطبرزد، ومنهم من يجعل بدل دهن اللوز ربع رطل شيرج طري، ومنهم من يجعل عوضهما لبنا حليبا، وبالجملة صنعته تختلف بحسب العادات، فطبيعته أيضا تختلف بحسبها وبحسب ما يختلط به من الأغذية والأبازير والفواكه، وبالجملة فهو أقل لزوجة من الفالوذج، وأصلح للدماغ لكنه يفسد سريعا في المعدة، ولا ينحدر، ومنها العصيدة إما المتخذة بالتمر ودقيق الأرز فكثيرة الغذاء بطيئة النزول مولدة للحصى وأوجاع المفاصل، إن أدمن ولا ينبغي أن تؤكل على الأطعمة القابضة الحامضة كالحصرمية ونحوها، ولا على الكثيرة الغذاء البطيئة النزول كالرؤوس والشوي، وأما المتخذة من دقيق الحنطة والسكر فدون ذلك في الغلظ واللزوجة، وأبعد من الرداءة .



(تذييل) فيه تكميلان؛ الأول قال الحارث بن كلدة طبيب العرب [ ص: 279 ] دافع بالدواء ما وجدت له مدفعا ولا تشربه إلا عن ضرورة، فإنه لا يصلح شيئا إلا أفسد مثله، ولا ينبغي أن تأكل إلا على نقاء تام أو جوع صادق وطعام موافق، وتكف من الطعام وأنت تشتهيه ولا تبادر إلى شرب الماء حتى تستوفي غذاءك، وتصبر بعده ساعة، ولا تأكلن في ظلمة، ولا تطعم ما لا تعرفه، ولا من طعام محترق، ولا حار جدا، ولا دسم جدا، وليكن طعامك خبز البر واللحم الرخص ولا تجاوز في الطعام حد الشبع، بل يكون دون الشبع. وقال أفلاطون: الاستقلال مما يضر خير من الاستكثار مما ينفع، وقال: خفف طعامك تأمن سقامك. وقال: بختيشوع بن جبريل: أصل الأسقام إدخال الطعام على الطعام. ومن كلامه: كل قليلا تعش طويلا. وقال ثابت بن قرة: الأكل على الشبع داء، والشرب على الجوع رداء. وقال معمر: أنهاكم عن الطعام الذي يفسد الذهن، وكان لا يتعرض للباذنجان والبصل والباقلا والعدس والكراث والكسفرة، وكان يقول: الباذنجان يفسد في شهر ما يصلحه البلاذر في عام. وقال الحكيم السوادي: الدواء الذي لا داء معه أن تجلس على الطعام وأنت تشتهيه، وتقوم عنه وأنت تشتهيه، فقال له المأمون: أصبت .

الثاني: قال محمد بن عبد الكريم السمرقندي في روح المجالس، وروح المجالس في الباب العاشر منه في العنصرة نقلا عن سليمان بن طراروييس البلالية من أهل الفتوة ما نصه: الفتى لا يكون نضاحا، ولا مساحا، ولا مخضرا، ولا ملتقطا، ولا مقصرا، ولا دلاكا، ولا لحاظا، ولا نسافا، ولا مكوكبا، ولا نفاضا، ولا محلقما، ولا محولا، ولا مصاصا، ولا مرسالا، ولا نسالا، ولا لكاما، ولا لطاعا، ولا قطاعا، ولا بلاعا، ولا جرارا، ولا جرافا، ولا نفاخا، ولا حاسيا، ولا مبادرا، ولا مغربلا، ولا مطفلا، ولا مدفانا، ولا زقاقا، ولا مكرما، ولا موصلا، ولا مكاربا، ولا فارشا، ولا جبسا، ولا رجسا، ولا مجولقا، ولا مكروشا، ولا نهاشا، ولا مقشرا، ولا مدادا، ولا مسوغا، ولا دفاعا، ولا مثلثا، ولا منعلا، ولا شمسيا، ولا واغلا، ولا محرما، ولا مغالطا، ولا منكرا، ولا متكئا، ولا محتبيا، ولا مكاسا، ولا يتكلم وصاحبه يتحدث .

تفسير هذه الكلمات:

النضاح الذي إذا غسل يديه في الطست وفرغ من غسلهما نفض يديه ونضح على أصحابه، والمساح الذي إذا مسح يده بالمنديل دلكهما شديدا يريد بذلك إزالة الوسخ عن يديه والمخضر الذي لا يدلك شفتيه من الغمر إلا بعد أن يجيد الدلك بالأشنان، فإذا فعل ذلك فقد خضرهما، والمقصر الذي يمس المنديل مساو يكتفي بذلك دون المسح فكأنما أمره بمنزلة بين المنزلتين والملتقط الذي يلتقط فتات الخبز وغيره إذا رفعت المائدة، والدلاك الذي لا ينقي يديه بالأشنان والماء ويجيد دلكهما بالمنديل يريد إزالة الغمر حتى يوسخ المنديل، واللحاظ الذي يلاحظ القدر هل أدركت ويلاحظ لقم أصحابه، والنساف الذي يتناول حرف رغيف فيتحرى به مواضع الدسم والودك من الصحفة والقدر، والمكوكب الذي يكتل اللقمة الكبيرة من الأرز أو من الثريد ثم يدفعها إلى حلقه ويبلعها، والنفاض الذي ينفض يده في القصعة بعد أن يضع اللقمة في فيه، والمحلقم الذي يتكلم واللقمة قد بلعت حلقومه ولا يصبر إلى وقت الإمكان، والمحول الذي إذا رأى كثرة النوى بين يديه يحتال حتى يخاطبه بنوى أصحابه، والمصاص الذي يمص جوف قصبة العظم، والمرسال الذي يرسل اللقمة في حلقه إرسالا فتسمع لها همهمة وتقول إليك يا فؤادي، والنشال الذي إذا طبخ القدر أو شوى اللحم تناول قطعة فأكلها قبل إدراكها واستأثر بها دون أصحابه، واللكام الذي يدخل اللقمة في فيه قبل أن يزدرد الأخرى فهو يلكمها، والقطاع الذي يعض اللقمة فيبقى منها قطعة في يده فيعيدها إلى القطاع، واللطاع الذي يلطع أصابعه وما تبقى في آخر القدر والقصعة، والبلاع الذي يبتلع من النهم اللقمة قبل أن يجيد مضغها، والجرار الذي يجر الطعام من يدي صاحبه إلى قدامه، والجراف الذي يجعل أصابعه كالمجرفة فيحمل عليها شيئا كثيرا، والنفاخ في الطعام الحار، ويكره ذلك لخصال: أولها: أنه لا يفعل ذلك إلا للنهم، والآخر ربما أن النفخ أخرج من الفم بخارا كريها أو بزاقا، وأخرى أنه من السخف، وأهل الظرف يكرهونه. والحاسي الذي يجعل قصعة المرق تحت لحيته فيتحساه، والمبادر الذي يوالي بين اللقم بالعجلة، والمغربل الذي يأخذ سكرجة الملح فيحركها تحريكا يجمع الأبزار في رأسها ليأكله، والمطفل الذي يأتي القوم إلى الطعام لم يدع إليه ولا هو ممن إذا أتاهم سروا بطلعته وآنسوا بحديثه، والمرسال الذي [ ص: 280 ] يمشي مع أصحابه في شجر ملتف أو نخل فيصرف عن وجهه الأغصان ثم يرسلها على وجه من يمشي خلفه، والمدفان الذي يدفن اللحم في القصعة تحت الثريد ويجعله قدامه ويأكله، والزقاق الذي في فيه لقمة لم يسغها فيشرب عليه الماء وهي في فيه فيخرج من فيه الفتات في كوز القوم فينغص على مؤاكليه، والمكرم الذي يصيح بالغناء بارك الله عليك وأحسنت والله، وذلك يشغل أسماع القوم عما يحبوه من السماع، والموصل الذي إذا تحدث وصل حديثا وأدخل شيئا في شيء وقرمط وسلسل وطول وأبرم، والمكاري الغلام الأمرد الجميل الذي لا صاحب له فيحفظه فهو مطلق مخلى يطوف على الفتيان ويقتحم منازلهم، والرفاش الذي يرفش لحيته حتى ترى عارضيه من قفاه كأن لرأسه جناحين وكأن لحيته رفش أو مشط حائك وهو زي كل صفعان ناقص، والجبس الثقيل البغيض الكز الأخلاق، والرجس المنتن القذر ولا يكون على هذه الصفة إلا دباغ أو سماك أو محناتي أو بيطار أو ماسبذي، والمجولق الذي يأكل الكثير ولا يكاد يشبع كأن بطنه جوالق، والمكروش الذي يضع العظام والمشاش، فإذا مصه ثم استخرج الفتات من فيه فرمى به فقذر ما وقع عليه، والنهاش الذي ينهش العظم نهشا كما ينهش السبع، والمقشر الذي إذا صادف أرزا أو جوذابا أو لبنا عليه سكر قشر ما عليه من السكر فاستأثر به دون أصحابه، والمداد الذي يعض على العصب الذي لم ينضج والقطعة من اللحم لم تنضج ويمدها بفيه ويوترها بيده، فربما قطعها بشدة يكون لها انتضاح على ثوب المؤاكل، والمسوغ الذي يعض على اللقمة فلا يزال يتلمظ بها ولا يسيغها إلا بالماء، والدفاع الذي يكون في القصعة عظم في الجانب الذي يليه فينحيه بلقمة من الثريد ويصير مكانه قطعة من لحم وهو يرى أنه يسوي الثريد، والمثلث الذي يثلث وسادة النوم ويتكئ عليها فربما خرقها، والمنعل الذي يأخذ القطعة من الخبز فيلويها ويجعلها مثل الملعقة ليحمل اللبن والدبس وما أشبه ذلك، والشمسي العيار المقامر الذي لا تراه الدهر إلا عريانا في قطعة عباء أو تبان قد أحرقت الشمس جلده وصيرته كميتا فهيما، والواغل في الشراب مثل المطفل في الطعام، والمحدث أن يكون ساقي القوم فيشتغل بالحديث ولا يكون ساقيا من يريد الماء، والغالط الذي يطلب منه الماء فيدفع الكوز إلى غير من يطلبه أو يشربه هو بنفسه، والمكامن الذي إذا ناولته الشيء ليأكله يمد يده لأخذه وهو يقول: لا أريده، وماذا أعمل به، وأنا شبعان، وقال يوسف بن الزنجي: كان سليمان بن طرار قاضي الفتيان، حسن السيرة مقبول الصورة عند القوم، وكان مكبابا صاحب أطراف، وكان يقول: إياكم وفضول النظر فإنه يدعو إلى فضول القول والعمل، وكان ترك التزويج مخافة أن يجد لذة فيدعوه ذلك إلى الزنا، قال يوسف: وما كان أشد القوم ولا أسنهم، ولكن كان أشد القوم تمسكا بما كان عليه الأوائل، قال: وما زلت أرى في الفتيان نقصانا مذمات سليمان، والله أعلم. وهذا آخر ما أردت من شرح كتاب آداب الأكل من الإحياء. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتنزل البركات مصليا مسلما على حبيبه محمد وآله وصحبه، ما تكررت الأوقات، وتداورت الساعات، كتبته وقد بلغت الروح التراقي، وإلى الله أشكو ما ألاقي وهو مفرج الشدائد ومهون العظائم، لا إله غيره، ولا خير إلا خيره، وذلك عند أذان عصر يوم السبت لخمس بقين من جمادى الثانية سنة 1198 قاله بفمه وكتبه بقلمه العبد أبو الفيض محمد مرتضى الحسيني فرج الله كروبه وستر عيوبه بمنه وكرمه، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين .




الخدمات العلمية