الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أما بعد : فإن القلوب والسرائر خزائن الأسرار ومعادن الجواهر وقد طويت فيها جواهرها كما طويت النار في الحديد والحجر كما أخفى الماء تحت التراب والمدر ولا سبيل إلى استثارة خفاياها إلا بقوادح السماع ولا منفذ إلى القلوب إلى من دهليز الأسماع فالنغمات الموزونة المستلذة تخرج ما فيها وتظهر محاسنها أو مساويها فلا يظهر من القلب عند التحريك إلا ما يحويه .

كما لا يرشح الإناء إلا بما فيه فالسماع للقلب محك صادق ومعيار ناطق فلا يصل نفس السماع إليه إلا وقد تحرك فيه ما هو الغالب عليه وإذا كانت القلوب بالطباع مطيعة للأسماع حتى أبدت بوارداتها مكامنها وكشفت بها عن مساويها وأظهرت محاسنها وجب شرح القول في السماع والوجد وبيان ما فيهما من الفوائد والآفات ، وما يستحب فيهما من الآداب والهيئات وما يتطرق إليهما من خلاف العلماء في أنهما من المحظورات أو المباحات .

ونحن نوضح ذلك في بابين : .

الباب الأول : في إباحة السماع .

الباب الثاني : في آداب السماع وآثاره في القلب بالوجد وفي الجوارح بالرقص والزعق وتمزيق الثياب .

التالي السابق


(أما بعد: فإن القلوب والسرائر) هي خواطر النفس فهي غير القلوب إذ القلب عبارة عن لطيفة ربانية لها بهذا القلب الجسماني الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر تعلق، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان (خزائن الأسرار) أي: مواضع تخزن فيها أسرار الحق (ومعادن الجواهر) أي: بمنزلتها (وقد طويت فيها جواهر كما طويت النار في الحديد والحجر) إذا أصاب أحدهما الآخر ظهرت النار وطار الشرار (وأخفيت) تلك الجواهر (كما أخفي الماء تحت التراب والمدر) فلو حفر عليه لانبسط (ولا سبيل إلى استثارة خفاياها) أي: إظهار تلك الأسرار الخفية (إلا بقداح السماع) هو بالتشديد اسم للحجر الذي تقدح به النار أو الحجر هو الزناد والقداح الحديد .

(فلا منفذ إلى القلوب) أي: محل النفوذ إليها (إلا من دهليز الأسماع) والدهليز المدخل إلى الدار والجمع دهاليز فارسي معرب، (فالنغمات الموزونة) على الإيقاع (المستلذة) أي: تستلذها النفوس (تخرج ما فيها) من المكامن (وتظهر محاسنها) إن كانت (أو مساويها فلا يظهر من القلب عند التحريك) لسماعها (إلا ما يحويه) ويشمله (كما لا يترشح الإناء إلا بما فيه) وقد اشتهر على الألسنة ذلك، وهو من الحكم يقولون: كل إناء بما فيه يطفح، ويروى: يرشح، وفي لفظ: ينضح (فالسماع للقلب محك صادق ومعيار ناطق) والمحك هو الحجر الأسود الصافي البراق الذي تحك عليه الجواهر المعدنية فيبين الخالص من المغشوش والمعيار ما تتعاير عليه المكاييل والموازين امتحانا لمعرفة التساوي (فلا يصل روح) وفي نسخة: نفس (السماع إليه إلا وقد تحول فيه ما هو الغالب عليه) من حسن أو قبيح .

(وإذا كانت القلوب بالطباع مطيعة للأسماع حتى أبدت بمواردها مكامنها) أي: ما ستر فيها (وكشفت بها مساويها ومحاسنها وجب شرح القول) بتفصيله (في) حكم (السماع والوجد وبيان ما فيهما من الفوائد والآفات، وما يستحب فيهما من الآداب والهيئات وما يتطرق إليهما من خلاف العلماء) في المذاهب الأربعة (في أنهما من المحظورات أو المباحات، ونحن نوضح ذلك في بابين: الباب الأول: في إباحة السماع، الباب الثاني: في آدابه وآثاره) التي تحدث (في القلب بالوجد وفي الجوارح بالرقص والزعقة) وهو الصوت الشديد (وتمزيق الثياب) .




الخدمات العلمية