الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
مسألة .

فإن قلت : هذا الكلام يشير إلى أن هذه العلوم لها ظواهر وأسرار وبعضها جلي يبدو أولا وبعضها خفي يتضح بالمجاهدة والرياضة والطلب الحثيث والفكر الصافي والسر الخالي عن كل شيء من أشغال الدنيا سوى المطلوب وهذا يكاد يكون مخالفا للشرع ؛ إذ ليس للشرع ظاهر وباطن وسر وعلن ، بل الظاهر والباطن والسر والعلن واحد فيه فاعلم أن انقسام هذه العلوم إلى خفية وجلية لا ينكرها ذو بصيرة وإنما ينكرها القاصرون الذين تلقفوا في أوائل الصبا شيئا وجمدوا عليه فلم يكن لهم ترق إلى شأو العلاء ومقامات العلماء والأولياء وذلك ظاهر من أدلة الشرع ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن للقرآن ظاهرا وباطنا وحدا ومطلعا " وقال علي رضي الله عنه وأشار إلى صدره إن ههنا علوما جمة لو وجدت لها حملة .

التالي السابق


(مسألة) أخرى (فإن قلت: هذا الكلام) الذي تقدم ذكره (يشير) ظاهره (إلى أن العلوم) المحمودة (لها ظواهر وأسرار) وأن (بعضها جلي) ظاهر لكل الناس (يبدو أولا) ويظهر، (وبعضها خفي) المدرك، ولا (يتضح) إلا (بالمجاهدة) والرياضة ومكابدة النفس (والطلب الحثيث) في كشف سره (والفكر الصافي) عن علائق الكدر (والسر الخالي عن كل شيء) يضاده (من أشغال الدنيا سوى المطلوب) المأمور بها (وهذا يكاد) أن (يكون مخالفا للشرع؛ إذ ليس للشرع ظاهر وباطن وسر وعلن، بل الظاهر والسر والعلن واحد) .

فأجاب بقوله: (فاعلم أن انقسام هذه العلوم إلى خفية وجلية) من الواضحات التي (لا ينكرها ذو بصيرة) قادحة (وإنما ينكرها القاصرون في المعارف) الإلهية (الذين تلقنوا في أول الصبا) من المشايخ (شيئا) لم ينتقلوا منه، بل (جمدوا عليه) أي: استمروا على ذلك القدر اليسير؛ إذ التعليم في الصغر كالنقش على الحجر (فلم يكن لهم ترق) وصعود (إلى شأو العلا) أي: غايته وأمده (و) لا نصيب إلى بلوغ (مقامات العلماء) العارفين (والأولياء) الصالحين، فهؤلاء إذا ورد عليهم شيء من أفراد تلك المقامات أول وهلة قاموا بالإنكار عليه، وبالغوا وشددوا، وهذه الحالة تسببت لكثير من علماء الظاهر بسبق الإنكار على علماء الباطن وتبديعهم وإخراجهم من جادة الشريعة وهم معذورون؛ لجمودهم على ما لقنوا .

(وذلك) الذي ذكرناه (ظاهر من أدلة الشرع، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن للقرآن ظاهرا وباطنا وحدا ومطلعا") قال العراقي: أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود بنحوه. اهـ .

أورده ابن الأثير في نهايته في موضعين، قال: في (ح د د) حديث في صفة القرآن: "له حد"، أي: غاية، وحد كل شيء منتهى أمره، وقال في (ط ل ع) : وعليه علامة السين المهملة، أي أن هذا الحديث من كتاب أبي موسى المديني: لكل حرف حد، ولكل حد مطلع، أي: لكل حد مصعد يصعد إليه من معرفة علمه، والمطلع مكان الاطلاع من موضع عال، قال: ويجوز أن يكون "مطلع" كمصعد، زنة ومعنى، وقال المصنف في آخر كتابه "مشكاة الأنوار": حديث "للقرآن ظاهر وباطن وحد ومطلع" وربما نقل هذا عن علي موقوفا (وقال علي رضي الله عنه) فيما أخرجه أبو نعيم في كتاب الحلية بطوله من طريقين، (وأشار) بيده (إلى صدره) هاه هاه (إن ههنا علوما جمة) أي: كثيرة (لو وجدت لها حملة) ، وقد تقدم بطوله في كتاب العلم مع شرح معانيه .




الخدمات العلمية