الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فشرط المريد العزبة في الابتداء إلى أن يقوى في المعرفة هذا إذا لم تغلبه الشهوة ، فإن غلبته الشهوة فليكسرها بالجوع الطويل والصوم الدائم فإن لم تنقمع الشهوة بذلك ، وكان بحيث لا يقدر على حفظ العين مثلا وإن قدر على حفظ الفرج فالنجاح ، له أولى ؛ لتسكن الشهوة وإلا فمهما لم يحفظ عينه لم يحفظ عليه فكره .

ويتفرق عليه همه وربما وقع في بلية لا يطيقها وزنا العين من كبائر الصغائر وهو يؤدي إلى ، القرب على الكبيرة الفاحشة ، وهي زنا الفرج ومن لم يقدر على غض بصره لم يقدر على حفظ فرجه قال عيسى عليه السلام : " إياكم والنظرة ؛ فإنها تزرع في القلب شهوة ، وكفى بها فتنة ". وقال سعيد بن جبير إنما جاءت الفتنة لداود عليه السلام من قبل النظرة ولذلك قال لابنه عليه السلام : " يا بني ، امش خلف الأسد والأسود ولا تمش خلف المرأة ". وقيل ليحيى عليه السلام : ما بدء الزنا ؟ قال : النظر والتمني، وقال الفضيل يقول إبليس هو : قوسي القديمة وسهمي الذي لا أخطئ به يعني النظر ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ، فمن تركها خوفا من الله تعالى أعطاه الله تعالى إيمانا يجد حلاوته في قلبه " وقال صلى الله عليه وسلم : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء .

" وقال صلى الله عليه وسلم : اتقوا فتنة الدنيا ، وفتنة النساء ؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من قبل النساء وقال تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم الآية وقال صلى الله عليه وسلم : " لكل ابن آدم حظ من الزنا ، فالعينان تزنيان وزناهما النظر ، واليدان تزنيان وزناهما البطش ، والرجلان تزنيان وزناهما المشي ، والفم يزني وزناه القبلة ، والقلب يهم أو يتمنى ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه وقالت أم سلمة استأذن ابن أم مكتوم الأعمى على رسول الله وأنا وميمونة جالستان، فقال صلى الله عليه وسلم : احتجبا فقلنا: أوليس : بأعمى لا يبصر ؟ فقال : وأنتما لا تبصرانه ؟ وهذا يدل على أنه لا يجوز للنساء مجالسة العميان ، كما جرت به العادة في المآتم والولائم فيحرم على الأعمى الخلوة بالنساء ويحرم على المرأة مجالسة الأعمى وتحديق النظر إليه لغير حاجة وإنما جوز للنساء محادثة الرجال والنظر إليهم لأجل عموم الحاجة .

التالي السابق


( فشرط المريد العزبة في الابتداء ) ؛ ليجتمع له مع مجاهدة نفسه الأنس بالله عز وجل وحده، (إلا أن يقوى في المعرفة) ، ويتفرغ قلبه لله تعالى، فيكون ذا أدب ساكن، وقلب خائف، ونفس مطمئنة، فإذا تزوج حينئذ فلا يشغله عن الله تعالى، (هذا إذا لم تغلبه الشهوة، فإن غلبته فليكسرها بالجوع الطويل) ، بأن يتجاوز عن ميعاد أكله، فلا يأكل إلا بعد يومين، أو بعد ثلاث، (والصوم الدائم) خصوصا في الهواجر، (فإن لم تنقمع الشهوة بذلك، وكان بحيث لا يقدر على حفظ العين مثلا إن قدر على حفظ الفرج، فالنكاح له أولى؛ لتسكن الشهوة) ، وإلا أوقعته في الخطايا، (وإلا فمهما لم يحفظ عينه لم ينحفظ عليه فكره، ويتفرق عليه همه) ، ويتشتت باله، (وربما وقع في بلية لا يطيقها) بمقتضى عجز البشرية، ( وزنا العين من كبائر الصغائر ، وهي تؤدي على القرب إلى الكبيرة الفاحشة، وهي زنا الفرج) ، وأول خطايا الفرج شهوة القلب بمسامرة الفكر، وهو معفو، كما أن النظر الأول معفو، والخطيئة الثانية إنعاظ الفرج عن شهوة القلب، فهذا عمل، فإن ظهرت الشهوة من الفرج فهي معصية، (ومن لم يقدر على غض بصره لم يقدر على حفظ دينه) ; لأن أصل البلاء كله من النظر، (وقال عيسى عليه السلام: "إياكم والنظرة؛ فإنها تزرع في القلب شهوة، وكفى بها فتنة". وقال سعيد بن جبير ) رحمه الله تعالى: (إنما جاءت الفتنة لداود عليه السلام من قبل النظرة) ؛ فإنه لما رأى أورياء وجمالها أعجبته وافتتن بها، (ولذلك قال لابنه) سليمان (عليه السلام: "يا بني، امش خلف الأسد والأسود) من الحيات (ولا تمش خلف امرأة". وقيل ليحيى) بن زكريا (عليه السلام: ما بدء الزنا؟ قال: النظر والتمني) ، فالنظر من العين، والتمني من القلب، والفرج يصدق أو يكذب .

(وقال الفضيل) بن عياض رحمه الله تعالى: (يقول إبليس: هي قوسي القويمة) التي أرمي بها، (وسهمي الذي لا يخطئ) في إصابة غرضي، (يعني النظرة، وقال صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها خوفا من الله تعالى أعطاه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه" ) . تقدم الكلام عليه في كتاب النكاح .

(وقال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" ) قال العراقي : متفق عليه من حديث أسامة بن زيد . اهـ. قلت: ورواه كذلك [ ص: 434 ] أحمد والحميدي ، وأبو بكر بن أبي شيبة والترمذي والعوفي والنسائي ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والطبراني ، وابن قانع ، كلهم عن أسامة بن زيد ، وقد رواه الترمذي أيضا، والحاكم في الكنى عنه، وعن سعيد بن زيد معا، ورواه ابن النجار من حديث سلمان الفارسي ، وفي لفظ للطبراني : "ما تركت في الناس بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" .

(وقال صلى الله عليه وسلم: اتقوا فتنة الدنيا، وفتنة النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء ) قال العراقي : رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري .

قلت: وروى الديلمي من حديث معاذ : "اتقوا فتنة الدنيا وفتنة النساء؛ فإن إبليس طلاع رصاد، وما هو بشيء من فخوخه بأوثق بصيده في الأتقياء من النساء" . (وقال) الله تعالى في كتابه العزيز: ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) ويحفظوا فروجهم .

(وقال صلى الله عليه وسلم: "لكل ابن آدم حظه من الزنا، فالعينان تزنيان وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي، والفم يزني وزناه القبل، والقلب يهم ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ) قال العراقي : رواه مسلم والبيهقي ، واللفظ له من حديث أبي هريرة ، واتفق عليه الشيخان من حديث ابن عباس نحوه. اهـ. وفي لفظ للبيهقي : "لكل ابن آدم حظه من الزنا، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والأذنان زناهما الاستماع، واليدان تزنيان، فزناهما البطش، والرجلان تزنيان فزناهما المشي، والفم يزني وزناه القبل" . وهكذا رواه أبو داود أيضا .

وروى أبو الشيخ من حديث أبي هريرة : "زنا اللسان الكلام" .

وروى ابن سعد ، والطبراني ، وأبو نعيم في المعرفة من حديث علقمة بن الحويرث الغفاري : "زنا العينين النظر" .

وروى أحمد والطبراني من حديث ابن مسعود : "والعينان تزنيان، واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، والفرج يزني" .

قال المنذري : سنده صحيح، ورواه كذلك أبو يعلى والبزار ، وقد أورد المصنف هذا الحديث إشارة إلى أن أصل زنا الفرج العينان ، فإنهما له رائدان وإليه داعيان، وقد قالوا: من سرح ناظره أتعب خاطره، ومن كثرت لحظاته دامت حسراته وضاعت أوقاته، قال الشاعر:


نظر العيون إلى العيون هو الذي جعل الهلاك إلى الفؤاد سبيلا



(وقالت أم سلمة) أم المؤمنين ابنة أبي أمية بن المغيرة المخزومية رضي الله عنها، قيل: اسمها هند، وأبوها يعرف بزاد الركب، من أشراف قريش ، وأجوادهم، هاجرت إلى الحبشة مع أبي سلمة بن عبد الأسد : (استأذن ابن أم مكتوم ) ، وهو عبد الله بن قيس بن زائدة القرشي العامري ، مختلف في اسمه، (على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا وميمونة) بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله عنهما، (جالستان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتجبا) أي: ادخلا في الحجاب، (قلنا: أوليس بأعمى لا يبصرنا؟ فقال: وأنتما لا تبصرانه؟) قال العراقي : رواه أبو داود والنسائي والترمذي ، وقال: حسن صحيح .

(وهذا يدل على أنه لا يجوز للنساء مجالسة العميان، كما جرت به العادة في المآتم والولائم) ، أي: في أوقات المصائب والأفراح، (فيحرم على الأعمى الخلوة بالنساء) الأجانب، صرح بذلك غير واحد من العلماء، (ويحرم على المرأة مجالسة الأعمى وتحديق النظر إليه لغير حاجة) ضرورية، فإنه على كل حال أجنبي وفيه ما في الرجال وأكثر; لأن غض البصر عن المحارم مما يورث قوة على الجماع، وهؤلاء قد حجبت أبصارهم عن الرؤية، فرجعت قوتها إلى الجماع، فلهم فيه حظ أكثر من الذي يبصر، فحينئذ فتنة النساء بهم أكثر، فيجب منعهن عن الخلوة بهم ومحادثتهم؛ فإنهم أشد ضررا من إبليس، ومن المشهور قول العامة: ما من فتنة تكون في بيت الإنسان إذا حقق أصلها إما من امرأة أو فقيه أعمى .




الخدمات العلمية