الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فإن لم تزل فبالمواظبة على الصيام فإن لم تزل ، فبقلة المخالطة والكلام ، فإن لم تزل فبصلة الأرحام واللطف بالأيتام فإن لم تزل فاعلمي أن الله قد طبع على قلبك وأقفل عليه ، وأنه قد تراكمت ظلمة الذنوب على ظاهره وباطنه فوطني نفسك على النار ، فقد خلق الله الجنة وخلق لها أهلا وخلق النار وخلق لها أهلا ، فكل ميسر لما خلق له فإن لم يبق فيك مجال للوعظ فاقنطي من نفسك ، والقنوط كبيرة من الكبائر نعوذ بالله من ذلك فلا سبيل لك إلى القنوط ولا سبيل لك إلى الرجاء مع انسداد طرق الخير عليك ، فإن ذلك اغترار وليس برجاء فانظري الآن هل يأخذك حزن على هذه المصيبة التي ابتليت بها وهل تسمح عينك بدمعة رحمة منك على نفسك ، فإن سمحت فمستقى الدمع من بحر الرحمة ، فقد بقي فيك موضع للرجاء ، فواظبي على النياحة والبكاء واستعيني ، بأرحم الراحمين واشتكي ، إلى أكرم الأكرمين وأديمي ، الاستغاثة ، ولا تملي طول الشكاية ، لعله أن يرحم ضعفك ويغيثك فإن مصيبتك قد عظمت وبليتك قد تفاقمت وتماديك قد طال ، وقد انقطعت منك الحيل وراحت عنك العلل ، فلا مذهب ولا مطلب ولا مستغاث ولا مهرب ولا ملجأ ولا منجا إلا إلى مولاك فافزعي ، إليه بالتضرع واخشعي في تضرعك على قدر عظم جهلك وكثرة ذنوبك لأنه يرحم المتضرع الذليل ويغيث الطالب المتلهف ، ويجيب دعوة .

المضطر وقد أصبحت إليه اليوم مضطرة وإلى رحمته ، محتاجة وقد ضاقت بك السبل ، وانسدت عليك الطرق ، وانقطعت منك الحيل ، ولم تنجح فيك العظات ولم يكسرك التوبيخ فالمطلوب منه كريم والمسئول جواد والمستغاث به بر رءوف والرحمة واسعة والكرم فائض والعفو شامل وقولي : يا أرحم الراحمين يا رحمن يا رحيم يا حليم يا عظيم يا كريم أنا المذنب المصر أنا الجريء الذي لا أقلع أنا المتمادي الذي لا أستحي ، هذا مقام المتضرع المسكين والبائس الفقير والضعيف الحقير والهالك الغريق فعجل إغاثتي وفرجي وأرني آثار رحمتك وأذقني ، برد عفوك ومغفرتك وارزقنى قوة عظمتك يا أرحم الراحمين .

اقتداء بأبيك آدم عليه السلام فقد قال وهب بن منبه لما أهبط الله آدم من الجنة إلى الأرض مكث لا ترقأ له دمعة فاطلع الله عز وجل عليه في اليوم السابع وهو محزون كئيب كظيم منكس رأسه فأوحى الله تعالى إليه : يا آدم ما هذا الجهد الذي أرى بك قال : يا رب عظمت مصيبتي وأحاطت بي خطيئتي وأخرجت من ملكوت ربي فصرت في دار الهوان بعد الكرامة ، وفي دار الشقاء بعد السعادة ، وفي دار النصب بعد الراحة ، وفي دار البلاء بعد العافية ، وفي دار الزوال بعد القرار ، وفي دار الموت والفناء بعد الخلود والبقاء ، فكيف لا أبكي على خطيئتي ، فأوحى الله تعالى إليه يا آدم ألم أصطفك لنفسي ، وأحللتك دارى وخصصتك بكرامتي وحذرتك سخطي ، ألم أخلقك بيدي ونفخت فيك من روحي ، وأسجدت لك ملائكتي فعصيت أمري ونسيت عهدي وتعرضت لسخطي فوعزتي وجلالي لو ، ملأت الأرض رجالا كلهم مثلك يعبدونني ويسبحونني ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين ، فبكى آدم عليه السلام عند ذلك ثلاثمائة عام .

وكان عبيد الله البجلي كثير البكاء يقول في بكائه طول ليله إلهي : أنا الذي كلما طال عمري زادت ذنوبي ، أنا الذي كلما هممت بترك خطيئة عرضت لي شهوة أخرى ، واعبيداه خطيئة لم تبل وصاحبها في طلب أخرى ، واعبيداه إن كانت النار لك مقيلا ومأوى ، واعبيداه إن كانت المقامع برأسك تهيأ ، واعبيداه قضيت حوائج الطالبين ولعل حاجتك لا تقضى .

وقال منصور بن عمار سمعت في بعض الليالي بالكوفة عابدا يناجي ربه وهو يقول : يا رب وعزتك ما أرد بمعصيتك مخالفتك ولا عصيتك إذ عصيتك وأنا بمكانك جاهل ولا لعقوبتك متعرض ولا لنظرك مستخف ، ولكن سولت لي نفسي وأعانني على ذلك شقوتي ، وغرني ، سترك المرخى علي فعصيتك بجهلي وخالفتك بفعلي ، فمن عذابك الآن من يستنقذني أو بحبل من اعتصم إن قطعت حبلك عني واسوأتاه من الوقوف بين يديك غدا إذا قيل للمخفين : جوزوا وقيل للمثقلين : حطوا ، أمع المخفين أجوز أم مع المثقلين أحط ويلي ؟ كلما كبرت سني كثرت ذنوبي ، ويلي ، كلما طال عمري كثرت معاصي فإلى متى أتوب وإلى متى أعود ؟ أما آن لي أن أستحيي من ربي .

التالي السابق


(فإن لم تزل فالمواظبة على الصيام فإن الجوع يسد مجاري الشيطان في العروق، فإن لم تزل فبقلة المخالطة) مع الناس (والكلام، فإن لم تزل) بذلك (فبصلة الأرحام واللطف بالأيتام) فإن ذلك يورث الرقة بالقلب، (فإن لم تزل) بذلك (فاعلمي أن الله) تعالى (قد طبع على قلبك وأقفل عليه، وأنه قد تراكمت ظلمة الذنوب على ظاهره وباطنه فوطني نفسك على النار، فقد خلق الله الجنة وخلق لها أهلا وخلق النار وخلق لها أهلا، فكل ميسر لما خلق له) .

روى الطبراني في الصغير والأوسط بسند ضعيف والخطيب من حديث أبي هريرة: أن الله عز وجل خلق الجنة وخلق لها أهلا بعشائرهم وقبائلهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم، اعملوا فكل ميسر لما خلق له، وخلق النار وخلق أهلا بعشائرهم وقبائلهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم، اعملوا فكل ميسر لما خلق له، وقد تقدم .

وروى مسلم من حديث عائشة: إن الله تعالى خلق الجنة وخلق النار فخلق لهذه أهلا ولهذه أهلا. (فإن لم يبق فيك بحال للوعظ فاقنطي من نفسك، والقنوط من رحمة الله تعالى كبيرة من الكبائر نعوذ بالله تعالى من ذلك) كما تقدم في كتاب التوبة (فلا سبيل لك إلى القنوط ولا سبيل لك إلى الرجاء مع انسداد طرق الخير، فإن ذلك اغترار وليس برجاء) ، وقد سبق الكلام على ذلك في كتاب الرجاء .

(فانظري الآن هل يأخذك حزن على هذه المصيبة التي ابتليت بها وهل تسمح عينك بدمعة رحمة منك على نفسك، فإن سمحت فمستقى الدمع من بحر الرحمة، فقد بقي فيك موضع للرجاء، فواظبي على النياحة والبكاء، واستغيثي بأرحم الراحمين، واشتكي إلى أكرم الأكرمين، وأديمي الاستغاثة، ولا تملي طول الشكاية، لعله أن يرحم ضعفك ويعينك) على حالك، (فإن مصيبتك قد عظمت وبليتك قد تفاقمت وتماديك قد طال، وقد انقطعت منك الحيل وانزاحت عنك العلل، فلا مذهب ولا مطلب ولا مستغاث ولا مهرب ولا منجا ولا ملجأ إلا إلى مولاك، فافزعي إليه بالتضرع واخشعي في تضرعك على قدر عظيم جهلك وكثرة ذنوبك لأنه يرحم المتضرع الذليل ويغيث الطالب المتلهف، ويجيب دعوة المضطر) قال الله تعالى: أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء .

(وقد أصبحت اليوم مضطرة إلى رحمته، محتاجة وقد ضاقت بك السبيل، وانسدت عليك الطرق، وانقطعت منك الحيل، ولم تنجح فيك العظات ولم يكسرك التوبيخ) ، والحاصل أن العبد إذا حاسب نفسه فرآها خانت وضيعت لزمه أمور أحدها أن يتدارك بالتوبة والجبر، فإن لم يستطع لغلبة الشهوة عالج تلك الشهوة بالدواء المعروف لها فإن لم تنكسر تلك الشهوة بالعلاج عاتبها ووبخها وقرر عندها جهلها وحماقتها، وأن تماديها وإصرارها يؤدي إلى هلاكها، فإن ارتدعت بذلك وإلا فالدعاء والاعتراف والالتجاء إلى الله تعالى .

(فالمطلوب منه كريم والمسئول جواد والمستغاث به بر رءوف والرحمة واسعة) ، والفضل جزيل (والكرم فائض والعفو شامل، وقولي: يا أرحم الراحمين يا رحمن يا رحيم يا حليم يا عظيم يا كريم أنا المذنب المصر) على ذنبي (أنا الجريء) على معصيتك (الذي لا أقلع) عنها (أنا المتمادي الذي لا يستحيي، هذا مقام المتضرع المسكين والبائس الفقير والضعيف الحقير والهالك [ ص: 157 ] الغريق) في بحر العصيان (فعجل إغاثتي) ، وارحم مسكنتي وفاقتي (و) عجل (فرجي) ، وفرحي (وأرني آثار رحمتك، وأذقني برد عفوك ومغفرتك وارزقني قوة عصمتك يا أرحم الراحمين) ، كل ذلك مع مراعاة الآداب التي ذكرت في كتاب الأدعية (اقتداء بأبيك آدم عليه السلام) إذ قال: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، وهي الكلمات التي تلقاها في قول الأكثرين (فقد قال وهب بن منبه) رحمه الله تعالى (لما أهبط آدم إلى الأرض من الجنة مكث لا ترقأ له دمعة) أي: لا تسكن عن الجريان (فاطلع الله عز وجل عليه في اليوم السابع) من هبوطه، (وهو محزون كئيب كظيم) ملآن من الحزن (نكس رأسه) حياء من ربه (فأوحى الله إليه: يا آدم ما هذا الجهد الذي أدى بك قال: يا رب عظمت مصيبتي وأحاطت بي خطيئتي وأخرجت من ملكوت ربي فصرت في دار الهوان بعد الكرامة، وفي دار الشقاء بعد السعادة، وفي دار النصب بعد الراحة، وفي دار البلاء بعد العافية، وفي دار الزوال بعد القرار، وفي دار الموت والفناء بعد الخلود والبقاء، فكيف لا أبكي على خطيئتي، فأوحى الله تعالى إليه يا آدم ألم أصطفك لنفسي، وأحللتك داري وخصصتك بكرامتي وحذرتك سخطي، ألم أخلقك بيدي ونفخت فيك من روحي، وأسجدت لك ملائكتي فعصيت أمري ونسيت عهدي وتعرضت لسلطي، فوعزتي وجلالي لو ملأت الأرض رجالا كلهم مثلك يعبدونني ويسبحونني ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين، فبكى آدم عند ذلك ثلاثمائة عام) .

وروى ابن سعد عن ابن عباس قال: لما أهبط الله آدم من الجنة أنشأ يقول: ربي كنت جارك في دارك ليس لي رب غيرك ولا رقيب دونك، آكل فيها رغدا وأسكن حيث أحببت فأهبطتني هذا الجبل المقدس فكنت أسمع أصوات الملائكة وأراهم كيف يحفون بالعرش وأجد ريح الجنة وطيبها ثم أهبطتني إلى الأرض وحططتني إلى ستين ذراعا فقد انقطع عني الصوت والنظر، وذهب عني ريح الجنة فأجابه الله تعالى: إن مصيبتك يا آدم فعلت ذلك بك، قال: فبكيا على ما فاتهما مائتي سنة ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما ولم يقرب حواء مائة سنة. روى ابن عساكر عن ابن عباس قال: بكى آدم حين أهبط من الجنة بكاء لم يبكه أحد، فلو أن بكاء آدم وزن مع بكاء داود على خطيئته ما عدل بكاء آدم حين أخرج من الجنة، ومكث أربعين سنة لا يرفع رأسه إلى السماء.

وروى البيهقي في الشعب عن بريدة: لو وزن دموع آدم بجميع دموع ولده لرجح دموعه على دموع جميع ولده.

وروى ابن سعد عن الحسن قال: بكى آدم على الجنة ثلاثمائة سنة.

وروى الطبراني في الأوسط، وابن عساكر بسند ضعيف من حديث عائشة: أهبط الله آدم إلى الأرض قام وجاء الكعبة فصلى ركعتين فألهمه الله هذا الدعاء: اللهم إنك تعلم سريرتي وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم حاجتي، فأعطني سؤالي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي، اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي ورضني بما قسمت لي، فأوحى الله إليه: يا آدم قد قبلت توبتك وغفرت ذنبك، ولن يدعوني أحد بهذا الدعاء إلا غفرت ذنبه وكفيته المهم من أمره.

ورواه الجندي في فضائل مكة نحوه، ورواه الأزرقي في تاريخ مكة، والطبراني في الأوسط، والبيهقي في الدعوات، وابن عساكر من حديث بريدة نحوه، وروى عبد بن حميد عن عبد الله بن زيد في قوله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات ، قال: لا إله إلا الله أنت سبحانك وبحمدك، رب عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي، فارحمني فإنك أنت أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، ذكر أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن شك فيه .

وروى هناد في الزهد عن سعيد بن جبير قال: لما أصاب آدم الخطيئة فزع إلى كلمة الإخلاص: لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك.. فذكر الجملة الثانية والأخيرة .

وروى ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن آدم عليه السلام طلب التوبة مائتي سنة حتى آتاه الله الكلمات ولقنه إياها قال: بينا آدم جالس يبكي واضع راحته على جبينه إذ أتاه جبريل فسلم عليه، فبكى آدم وبكى جبريل لبكائه فقال له: يا آدم ما هذه البلية التي أجحف [ ص: 158 ] بك بلاؤها وشقاؤها؟ وما هذا البكاء؟، قال: يا جبريل وكيف لا أبكي، وقد حولني ربي من ملكوت السماوات إلى هوان الأرض، ومن دار المقامة إلى دار الظعن والزوال، ومن دار النعمة إلى دار البؤس والشقاء، ومن دار الخلد إلى دار الفناء؟ كيف أحصي يا جبريل هذه المصيبة؟ فانطلق جبريل إلى ربه فأخبره بمقالة آدم فقال الله عز وجل: انطلق يا جبريل إلى آدم فقل: يا آدم ألم أخلقك بيدي، قال: بلى يا رب، قال: ألم أنفخ فيك من روحي؟ قال: بلى يا رب، قال: ألم أسجد لك ملائكتي؟ قال: بلى يا رب، قال: ألم أسكنك جنتي؟ قال: بلى يا رب، قال: ألم آمرك فعصيتني؟ قال: بلى يا رب، قال: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لو أن ملء الأرض رجالا مثلك ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين غير أنه يا آدم سبقت رحمتي غضبي، قد سمعت بصوتك وتضرعك ورحمت بكاءك، وأقلت عثرتك، فقل: لا إله إلا الله أنت سبحانك وبحمدك، فذكر الجمل الثلاثة المتقدمة قال: فذلك قوله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه الآية.

(وكان عبيد الله البجلي) هكذا في النسخ بالباء الموحدة المفتوحة وجيم نسبة إلى بجلة، وهي نسبة معروفة وفي بعضها النحلي بنون مفتوحة وحاء مهملة ساكنة نسبة إلى نحل العسل، والله أعلم أيهما هو (كثير البكاء) فكان (يقول في بكائه طول ليله: إلهي أنا الذي كلما طال عمري زادت ذنوبي، أنا الذي كلما هممت بترك خطيئة عرضت لي شهوة أخرى، واعبيداه خطيئة لم تبل وصاحبها في طلب أخرى، واعبيداه إن كانت النار لك مقيلا ومأوى، واعبيداه إن كانت المقامع لرأسك تهيأ، واعبيداه قضيت حاجة الطالبين ولعل حاجتك لا تقضى .

وقال) أبو السري (منصور بن عمار) الواعظ الخراساني نزيل بغداد ترجمه القشيري في الرسالة، توفي سنة 335 (سمعت في بعض الليالي بالكوفة عابدا يناجي ربه وهو يقول: يا رب وعزتك ما أردت بمعصيتك مخالفتك ولا عصيتك إذ عصيتك وأنا بمكانك جاهل) ، أي: باطلاعك علي (ولا لعقوبتك متعرض ولا لنظرك مستخف، ولكن سولت لي نفسي وأعانني على ذلك شقوتي، وغرني سترك المرخى علي فعصيتك بجهلي وخالفتك بفعلي، فمن عذابك الآن من يستنقذني أو بحبل من اعتصم إن قطعت حبلك عني واسوأتاه من الوقوف بين يديك غدا إذا قيل للمخفين: جوزوا وللمثقلين: حطوا، أمع المخفين أجوز أم مع المثقلين أحط؟ ويلي كلما كبرت سني كثرت ذنوبي، ويلي كلما طال عمري كثرت معاصي، قال: متى أتوب وإلى متى أعود؟ أما آن لي أن أستحيي من ربي) .

ومن معاتبة النفس:

ما رواه أبو نعيم في الحلية فقال: حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا الفضل بن محمد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: قال رجل للفضيل بن عياض: كيف أصبحت يا أبا علي، وكان يثقل عليه، كيف أصبحت وكيف أمسيت؟ فقال: في عافية، فقال: كيف حالك؟ فقال: عن أي حال تسأل؟ عن حال الدنيا أو حال الآخرة؟ إن كنت تسأل عن حال الدنيا فإن الدنيا قد مالت بنا، وذهبت بنا كل مذهب، وإن كنت تسأل عن حال الآخرة، فكيف ترى حال من كثرت ذنوبه وضعف عمله وفني عمره، ولم يتزود لمعاده، ولم يتأهب للموت، ولم يتصنع للموت ولم يتشمر للموت ولم يتزين للموت، وتزين للدنيا هيه .

وقد يحدث - يعني نفسه - واجتمعوا حولك يكتبون عنك بخ، فقد تفرغت للحديث، ثم قال: هاه، وتنفس طويلا ويحك وأنت تحسن تحدث، أوأنت أهل أن يحمل عنك، استحيي يا أحمق بين الجمعين لولا قلة حيائك وصفاقة جهلك ما جلست تحدث، وأنت أنت أما تعرف نفسك، تذكر ما كنت وكيف كنت، أما لو عرفوك ما جلسوا إليك، ولا كتبوا عنك ولا تسمعوا منك شيئا أبدا، فيأخذ في مثل هذا ثم يقول: ويحك أما تذكر الموت، أما للموت في قلبك موضع ما تدري متى تؤخذ فيرمى بك في الآخرة فتصير في القبر وضيقه ووحشته، أما رأيت قبرا قط، أما رأيت حين دفنوه أما رأيت كيف سلوه في حفرته، وهالوا عليه التراب والحجارة، ثم قال: ما ينبغي لك أن تتكلم بفمك كله -يعني نفسه- تدري من يكلم بفمه كله، عمر بن الخطاب، كان يطعمهم الطيب ويأكل الغليظ، ويكسوهم اللين ويلبس الخشن، وكان يعطيهم حقوقهم ويزيدهم، أعطى رجلا عطاءه أربعة آلاف درهم وزاده ألفا، فقيل له: ألا تزيد ابنك كما زدت هذا؟ قال: إن أبا هذا ثبت يوم أحد ولم يثبت أبو هذا.




الخدمات العلمية