الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الثالث مستنده الشك ، ومعناه أنا مؤمن حقا إن شاء الله إذ قال الله تعالى لقوم مخصوصين بأعيانهم أولئك هم المؤمنون حقا فانقسموا إلى قسمين ويرجع هذا إلى الشك في كمال الإيمان لا في أصله وكل إنسان شاك في كمال إيمانه وذلك ليس بكفر .

والشك في كمال الإيمان حق من وجهين أحدهما من حيث إن النفاق يزيل كمال الإيمان وهو خفي لا تتحقق البراءة منه .

والثاني أنه يكمل بأعمال الطاعات ولا يدري وجودها على الكمال أما العمل فقد قال الله تعالى إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون فيكون الشك في هذا الصدق وكذلك قال الله تعالى ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين فشرط عشرين وصفا كالوفاء بالعهد والصبر على الشدائد .

ثم قال تعالى : أولئك الذين صدقوا وقد قال تعالى : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات وقال تعالى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل الآية وقد قال تعالى : هم درجات عند الله وقال صلى الله عليه وسلم : " الإيمان عريان ولباسه التقوى " الحديث وقال صلى الله عليه وسلم : " الإيمان بضع وسبعون بابا أدناها إماطة الأذى عن الطريق " فهذا ما يدل على ارتباط كمال الإيمان بالأعمال وأما ارتباطه بالبراءة عن النفاق والشرك الخفي ، فقوله صلى الله عليه وسلم : " أربع من كن فيه فهو منافق خالص وإن صام وصلى وزعم أنه مؤمن من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ، وإذا خاصم فجر " وفي بعض الروايات : وإذا عاهد غدر وفي حديث أبي سعيد الخدري القلوب أربعة : قلب أجرد ، وفيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن ، وقلب مصفح فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء العذب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة ، يمدها القيح والصديد فأي المادتين غلب عليه حكم له بها ، وفي لفظ آخر: غلبت عليه : ذهبت به وقال عليه السلام : أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها وفي حديث " الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا " .

التالي السابق


(الوجه الثالث) في صحة الاستثناء: (ومستنده الشك، ومعناه أنا مؤمن حقا إن شاء الله) ، وهذا قد أشار إليه أبو منصور البغدادي في الأسماء والصفات، فقال بعد أن نقل مذهب الأشعري ما نصه: وقد اعتبر بعض أصحاب الحديث فيه تفصيلا حسنا، قال في وصف الإيمان: إيماني حق بلا استثناء، وإذا وصف نفسه، فقال: أنا مؤمن إن شاء الله، اعتبر بعضهم فيه تفصيلا أحسن منه، فقال: ما الفرق بين مؤمن بالله ومؤمن عند الله؟ فقال: أنا مؤمن بالله حقا من غير استثناء، والحق الاستثناء بالمؤمن عند الله قال: أنا مؤمن عند الله إن شاء الله; لأن المؤمن عند الله هو الذي وعده الله سبحانه الجنة، والثواب أهـ .

وقال صاحب القوت: الاستثناء في الإيمان سنة ماضية، وفعل الأئمة الراضية، (إذ) الإيمان مقامات، والمؤمنون فيه درجات، ولذلك (قال الله تعالى لقوم مخصوصين) ، كذا في النسخ كلها، ونص القوت: موصوفين (بأعيانهم: هم المؤمنون حقا ) فهذا وصفهم بالكمال، ومدحهم بخالص الأعمال ففيه دليل خطابه، أن هناك مؤمنين غير حق. إلى هنا نص القوت .

زاد المصنف فقال: (فانقسموا إلى قسمين) قسم يطلق عليهم أنهم مؤمنون حقا، وقسم لا يطلق عليهم ذلك، (ويرجع هذا إلى الشك في كمال الإيمان لا في أصله) أي: لفظ الإيمان يشمل الجميع، (وكل إنسان شاك في كمال إيمانه) ، أي يميل إليه (وذلك ليس بكفر) ، كما زعموا أن الشك في الإيمان كفر وإنما الموسوم بالكفر هو الشك في أصله وثبوته للحال بالاتفاق، (والشك في كمال الإيمان حق) صحيح (من حيث أن النفاق) الذي هو إضمار القلب على خلاف في ظاهره، (يزيل كمال الإيمان) وكلاهما محلهما القلب، ولا يزيل أصل الإيمان، (وهو) أي: النفاق، (خفي) ؛ لأن محله القلب، ولهذا (لا يتحقق البراءة منه) في الظاهر إلا بالأمارات (والثاني أنه) أي: الإيمان (يكمل بإكمال الطاعات) ، هذا إذا جعلت الأعمال داخلة في مسمى الإيمان (ولا يدري وجودها على) وجه (الكمال) أي: إن المؤمن غير جازم بكمال الأعمال عنده، وبهذا يشعر كلام كثير من السلف، وإنهم إنما أثبتوا لذلك، وفيه بحث سيأتي في تقرير كلام السبكي، ثم سرد المصنف الآيات القرآنية الدالة على ما قدم ذكره من انقسام المؤمنين إلى قسمين فقال تبعا لصاحب القوت .

(قال الله تعالى) : وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ، وقال تعالى في وصف [ ص: 268 ] أخرى: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون وقال في نعت الصادقين: ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون فيكون الشك في هذا الصدق) الذي وصفوا أنه لا في أصل الإيمان، (وكذلك قال الله تعالى) في مثل وصفهم: ( ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ) الآية، (فشرط) ونص القوت: فذكر (عشرين وصفا) إلى قوله تعالى: أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ، منها الإيثار بالمال على حبه، (وكالوفاء بالعهد والصبر على) الأمراض والجوع، و (الشدائد، ثم قال تعالى: أولئك الذين صدقوا) وأولئك هم المتقون فعند ذلك شهد لهم بالصدق والتقوى .

قلت: هذه الآية كما ترى جامعة للكمالات الإنسانية بأسرها دالة عليها صريحا، أو ضمنا; فإنها مع كثرتها وتشعبها منحصرة في ثلاثة أشياء: صحة الاعتقاد، وحسن المعاشرة، وتهذيب النفس، وقد أشير إلى الأول بقوله: من آمن إلى قوله: والنبيين ، وإلى الثاني أشار بقوله: وآتى المال إلى قوله: وفي الرقاب ، وإلى الثالث بقوله: وإقام الصلاة إلى آخرها، ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق; نظرا إلى إيمانه واعتقاده، وبالتقوى اعتبارا بمباشرته للخلوة معاملة مع الحق .

وقد أخرج عبد الرزاق عن أبي ذر بسند رجاله ثقات، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فتلا عليه هذه الآية، ثم قال صاحب القوت: وقال تعالى في وصف المختبرين مع المؤمنين: وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم ، فشتان بين من وصف بالمجاهدة والصدق، وبين من وصف بالخلف وعرض للمقت، وبين من وصف بالحق وبين من يجادل في الحق، وكم بين من قبل منه المال والنفس، وبين من رد عليه المال، ولم يسأله لما علم منه من البخل والضغن، واسم الإيمان يجمعهم، ومعناه يشتمل عليهم إلا أن مقامات الإيمان ترفع بعضهم على بعض، ويفاوت بين بعض وبعض .

(وقد قال الله تعالى: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات و) في مثله (قال تعالى: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل الآية) أي إلى آخرها وهو قوله تعالى: أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ، يعني الجنة على تفاوت الدرجات فيها فجمع بينهم في الدار كما جمع بينهم في اسم الإيمان، ورفعهم في الدرجات علوا في المقامات .

(وقد قال تعالى: هم درجات عند الله) والله بصير بما يعملون ، (وقال صلى الله عليه وسلم: "الإيمان عريان ولباسه التقوى" الحديث) ، أي إلى آخره، وهو قوله: "وزينته الحياء، وحليته الورع، وثمرته العلم"، وقد تقدم تخريجه في كتاب العلم، قال صاحب القوت: ففيه معنى أن من لا تقوى له فلا لبس لإيمانه، ومن لا ورع له فلا زينة لإيمانه، ومن لا علم له فلا ثمرة لإيمانه فإن اتفق فاسق جاهل ظالم كان بالمنافقين أشبه منه بالمؤمنين، وكان إيمانه على النفاق أقرب ويقينه إلى الشك أميل، ولم يخرجه من اسم الإيمان إلا أن إيمانه عريان لا لبس له معطل لا كسب له، كما قال: أو كسبت في إيمانها خيرا . والنفاق مقامات، وقد قيل: سبعون بابا، والشرك مثل ذلك، وهم فيه طبقات. (وقال صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون بابا أدناها إماطة الأذى عن الطريق") قد تقدم الكلام على تخريجه قريبا، والاختلاف في قول البخاري ومسلم في الشك، فلفظ مسلم: فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وفي رواية: أعظمها، وفي أخرى أعلاها، ورواه حماد بن سلمة عن سهل عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة بلفظ: "الإيمان بضع وسبعون أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة العظم عن الطريق".

وفي رواية الليث عن ابن عجلان عن عبد الله بن دينار: "الإيمان ستون بابا أو سبعون بابا أو يضع واحد من العددين، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها أن يماط الأذى عن الطريق، وفي رواية عمارة بن غزية، عن أبي صالح: الإيمان أربع وستون بابا أدناها إماطة الأذى عن الطريق، والأذى أعم من أن يكون حجرا أو شوكا أو غصنا بارزا، أو غير ذلك مما يتأذى به الناس، وإماطته إزالته، ورفعه من ذلك الموضع، (فهذا ما يدل على ارتباط كمال الإيمان بالأعمال) بحيث لا يكمل ولا يتم إلا بها [ ص: 269 ] (وأما ارتباطه بالبراءة من النفاق والشرك الخفي، فقوله صلى الله عليه وسلم: "أربع من كن فيه فهو منافق خالص وإن صام وصلى وزعم أنه مؤمن من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإذا خاصم فجر") هكذا أورده صاحب القوت .

وقال العراقي: متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو اهـ .

(وفي بعض الروايات: وإذا عاهد غدر) ونص القوت: وفي غير بعض هذا الحديث: وإذا عاهد غدر، فصارت خمسا، فإن كانت فيه واحدة منهن ففيه شعبة من النفاق، حتى يدعها.

قلت: أخرجه البخاري ومسلم في الإيمان، وأعاده البخاري في الجزية، وأخرجه أصحاب السنن كلهم من طريق الأعمش عن عبد الله بن مرة، عن عبد الله بن عمرو، رفعه: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلةمنهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" أي: أربع خصال من وجدت فيه كان منافقا في هذه الخصال لا في غيرها، أو شديد الشبه بالمنافقين، ووصفه بالخلوص يؤيد من قال: إن المراد بالنفاق العملي لا الإيماني، أو العرفي لا الشرعي; لأن الخلوص بهذين المعنيين لا يستلزم الكفر الملقي في الدرك الأسفل من النار .

وأخرج البخاري في الإيمان والوصايا والشهادات والأدب، ومسلم في الإيمان، والترمذي والنسائي من طريق نافع بن مالك، عن أبيه، عن أبي هريرة، رفعه: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان". ومعنى كذب أي أخبر بخلاف ما هو به قاصد للكذب، وإذا وعد بالخير في المستقبل أخلف، فلم يف وهو من عطف الخاص على العام; لأن الوعد من التحديث وإفراده لزيادة قبحه، ولازم الوعد الإخلاف، ولازم التحديث الكذب، هما متغايران، فأخبر بأن يكون الملزومات متغايرين، وفي بعض روايات الطبراني: "إذا وعد وهو يحدث نفسه أنه يخلف" وهذا يدل على أنه لو كان عازما على الوفاء، ثم عرض له عارض، أو بدا له رأي فلا يتصف بالنفاق، وأما الخيانة في الأمانة، فبأن يتصدق فيها على خلاف الشرع، ووجه الحصر في هذه الثلاث; لأنغ أصل الديانة منحصرة في ثلاث: القول، والفعل، والنية، فنبه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النية بالخلف، وقد تحصل من الحديثين خمس خصال: الثلاثة المذكورة، والغدر في المعاهدة، والفجور في الخصومة، فهي متغايرة باعتبار تغاير الأوصاف واللوازم .

ووجه الحصر فيها أن إظهار خلاف ما في الباطن إما في الماليات، وهو إذا ائتمن وإما في غيرها، وهو إما في حالة الكدورة، فهو إذا خاصم، وإما في حالة الصفاء فهو إما مؤكد باليمين فهو إذا عاده أو لا، فهو بالنظر إلى المستقبل فهو إذا وعد، وإما بالنظر إلى الحال فهو إذا حدث، لكن هذه الخمسة في الحقيقة ترجع إلى الثلاث; لأن الغدر في العهد منطو تحت الخيانة في الأمانة، والفجور في الخصومة داخل تحت الكذب في الحديث .

ثم قال صاحب القوت: (وفي حديث أبي سعيد الخدري) وأبي كبشة الأنماري - رضي الله عنهما - قالا: (القلوب أربعة: قلب أجرد، وفيه سراج يزهر) ، والأجرد هو المجرد عن الظلمات، ويزهر أي يضيء، وليس الواو قبل فيه في القوت، (فذلك قلب المؤمن، وقلب مصفح فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة) ، ونص القوت: كالبقلة (يمدها الماء العذب) ، وليس في القوت (الغزير) ، وهو الكثير ولا يحتاج إليه كما لا يخفى، (ومثل النفاق فيه كمثل القرحة، يمدها القيح والصديد فأي المادتين) ونص القوت: فأي المدتين (غلب) عليه (حكم له بها، وفي لفظ آخر: ذهبت به) ، ونص القوت: وفي لفظ آخر أيما غلب عليه ذهب .

وقال العراقي: أخرجه أحمد من حديث أبي سعيد، وفيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه اهـ .

قلت: وقال أبو نعيم في الحلية: حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثنا الحسن بن محمد، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا جرير عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البحتري، عن حذيفة رضي الله عنه- قال: "القلوب أربعة: قلب أغلف، فذلك قلب الكافر، وقلب مصفح، فذلك قلب المنافق، وقلب أجرد فيه سراج يزهو، فذلك قلب المؤمن، وقلب فيه نفاق وإيمان، فمثل الإيمان كشجرة يمدها ماء طيب، ومثل النفاق كمثل القرحة يمدها قيح ودم، فأيهما غلب عليه غلب".

قلت: وبه يظهر تقسيم الأربعة، والمصنف تابع سياق القوت ولا يلتفت إلى غيره، إلا [ ص: 270 ] قليلا فهذا غدره. ثم قال صاحب القوت: ففي تبعيض أخلاق الإيمان، ووجود دقائق الشرك، وشعب النفاق، ما يوجب الاستثناء في كمال الإيمان لجواز اجتماع الإيمان والنفاق في القلب، ولوجود شعب النفاق، وعدم بعض شعب الإيمان في القلوب كيف، (و) قد (قال صلى الله عليه وسلم: أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها) ونص القوت: منافقي أمتي.

قال العراقي: أخرجه أحمد والطبراني من حديث عقبة بن عامر، وفيه ابن لهيعة، وسيأتي في آداب تلاوة القرآن اهـ. ووجدت بخط الشيخ شمس الدين الداودي له طريق من غير رواية ابن لهيعة، ورويناه في صفة المنافقين للغرياني اهـ .

وقرأت في ذخيرة الحفاظ للحافظ أبي الفضل بن ناصر الذي رتب في الكامل لابن عدي، والكتاب عندي بخطه ما نصه: رواه عبد الله بن لهيعة، عن منشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر، وابن لهيعة ليس بحجة، ورواه الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عن عصمة بن خالد الخطمي، ولا يتابع عليه اهـ .

ووجدت بإزائه بخط الحافظ ابن حجر لم ينفرد به ابن لهيعة، بل تابعه الوليد بن المغيرة، مصري صدوق، وقال السيوطي في الجامع الصغير: أخرجه أحمد والطبراني والبيهقي عن ابن عمرو، وأحمد والطبراني عن عقبة بن عامر، عن عصمة بن مالك اهـ .

والمراد بالقراء الفقهاء، أي يضعون العلم في غير مواضعه، يتعلمون العلم; نفية للتهمة، وهم معتقدون خلافه، وكان المنافقون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة، (وفي حديث) آخر ("الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا") ، هكذا أورده صاحب القوت .

وقال العراقي: أخرجه أبو يعلى، وابن عدي، وابن حبان في الضعفاء من حديث أبي بكر، ولأحمد والطبراني نحوه، من حديث أبي موسى، وسيأتي في ذم الجاه والرياء اهـ .

قلت: قال ابن عدي: رواه يحيى بن كثير النضري، عن الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- وهذا عن الثوري ليس يرويه عنه غير يحيى بن كثير هذا اهـ .

وله في الجامع الصغير بقية: وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك، وكباره. الحديث، وسيأتي ذكره قريبا، أخرجه الحكيم الترمذي عن أبي بكر، قال المناوي: وظاهر صنيعه أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وإلا لما أبعد النجعة، وهو ذهول، فقد خرجه الإمام أحمد، وأبو يعلى، وأبو نعيم في الحلية، عن أبي بكر وأحمد والطبراني، عن أبي موسى.

قلت: هذا ليس بذهول من الحافظ، وإنما مراده بالاقتصار على تخريج الحكيم الترمذي، إشارة إلى أنه انفرد بإخراجه، هكذا على التمام، وأما من ذكرهم بعد كأحمد والطبراني، وأبي يعلى فإنهم اقتصروا على الجملة الأولى، إلى قوله: على الصفا، وفي الجامع الصغير أيضا : "الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على شيء من الجور أو تبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا الحب في الله، والبغض في الله" الحديث .

قال: أخرجه الحكيم الترمذي في النوادر، والحاكم في التفسير، وأبو نعيم في الحلية، كلهم عن عائشة، قال المناوي: قال الحاكم: صحيح، وتعقبه الذهبي بأن فيه عبد الأعلى بن أعين، قال الدارقطني: غير ثقة، وقال في الميزان عن العقيلي: جاء بأحاديث منكرة، وساق هذا منها، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، والله أعلم .



(فائدة) *

قال ابن القيم: الشرك شركان: شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله، وشرك في عبادته ومعاملته لا في ذاته وصفاته، والأول نوعان: شرك تعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك، كتعطيل المصنوع عن صانعه، وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد، والثاني شرك من جعل معه إلها آخر، ولم يعطل، والثاني وهو الشرك في عبادته أخف وأسهل، فإنه يعتقد التوحيد، لكنه لا يخلص في معاملته، وعبوديته بل يعمل لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا والرفعة والجاه أخرى، فلله من عمله نصيب ولنفسه وهواه نصيب، وللشيطان نصيب، وهذا حال أكثر الناس، وهو الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم هنا والله أعلم .




الخدمات العلمية