الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فصل

قال الرازي: الفصل الثالث: في الطريق الذي يعرف به كون الآية محكمة أو متشابهة: اعلم أن هذا موضع عظيم، وذلك لأن كل واحد من أصحاب المذاهب يدعي أن الآيات الموافقة لمذهبه محكمة، والآيات الموافقة لمذهب خصمه متشابهة.

فالمعتزلة تقول: إن قول الله تعالى: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [الكهف: 29]. محكمة، وقوله تعالى: وما تشاءون إلا أن يشاء الله [الإنسان: 30]. متشابهة، والسني يقلب القضية في هذا الباب، والأمثلة كثيرة، فلا بد هاهنا من قانون أصلي يرجع إليه في هذا الباب. [ ص: 440 ]

فنقول: إذا كان لفظ الآية والخبر ظاهرا في معنى، فإنما يجوز لنا ترك ذلك الظاهر بدليل منفصل، وإلا لخرج الكلام عن أن يكون مفيدا، وخرج القرآن عن أن يكون حجة، ثم ذلك الدليل المنفصل إما أن يكون لفظيا أو عقليا.

وأما القسم الأول فنقول: هذا إنما يتم إذا حصل بين ذينك الدليلين اللفظين تعارض، وإذا وقع التعارض بينهما فليس ترك ظاهر أحدهما لإبقاء الآخر بأولى من العكس، اللهم إلا أن يقال: أحد الدليلين قاطع والآخر ظاهر، فالقاطع راجح على الظاهر، أو يقال: كل واحد منهما وإن كان ظاهرا، إلا أن أحدهما أقوى، إلا أن نقول: أما الأول فباطل؛ لأن الدلائل اللفظية لا تكون قطعية، لأنها [ ص: 441 ] موقوفة على نقل اللغات، ونقل وجوه النحو والتصريف، وعلى عدم الاشتراك والمجاز والتخصيص والإضمار، وعلى عدم المعارض العقلي والنقلي، وكل واحدة من هذه المقدمات مظنونة، والموقوف على المظنون أولى أن يكون ظنيا، فثبت أن شيئا من الدلائل اللفظية لا يمكن أن يكون قطعيا.

وأما الآخر وهو أن يقال: أحد الدليلين الظاهرين أقوى من الآخر، إلا أنه على هذا التقدير يصير ترك أحد الظاهرين لتقرير الظاهر الآخر مقدمة ظنية، والظنون لا يجوز التعويل عليها في المسائل العقلية القطعية.

فثبت بما ذكرنا أن صرف اللفظ عن ظاهره إلى معناه المرجوح لا يجوز إلا عند قيام الدليل القاطع على أن ظاهره [ ص: 442 ] محال ممتنع، فإذا حصل هذا المعنى، فعند ذلك يجب على المكلف أن يقطع بأن مراد الله تعالى من هذا اللفظ ليس ما أشعر به ظاهره، ثم عند هذا المقام من جوز التأويل عدل إليه، ومن لم يجوزه فوض علمه إلى الله تعالى، وبالله التوفيق.

التالي السابق


الخدمات العلمية