الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[خروج المهدي بالمغرب وبدء النقص على العباسيين ]

وفي هذه السنة : أمر المقتدر ألا يستخدم اليهود والنصارى ، وأن يركبوا بالأكف .

[ ص: 587 ] وفيها : غلب أمر المهدي بالمغرب ، وسلم عليه بالإمامة ، ودعي له بالخلافة ، وبسط في الناس العدل والإحسان ، فانحرفوا إليه ، وتمهدت له المغرب ، وعظم ملكه ، وبنى المهدية ، وهرب أمير إفريقية زيادة الله بن الأغلب إلى مصر ، ثم أتى العراق ، وخرجت المغرب عن أمر بني العباس من هذا التاريخ .

فكانت مدة ملكهم جميع الممالك الإسلامية مائة وبضعا وستين سنة ، ومن هنا دخل النقص عليهم .

قال الذهبي : (اختل النظام كثيرا في أيام المقتدر ; لصغره ) .

وفي سنة ثلاثمائة : ساخ جبل بالدينور في الأرض ، وخرج من تحته ماء كثير غرق القرى

وفيها : ولدت بغلة فلوا ، فسبحان القادر على ما يشاء .

وفي سنة إحدى وثلاثمائة : ولي الوزارة علي بن عيسى; فسار بعفة وعدل وتقوى ، وأبطل الخمور ، وأبطل من المكوس ما ارتفاعه في العام خمسمائة ألف دينار .

وفيها : أعيد القاضي أبو عمر إلى القضاء .

وركب المقتدر من داره إلى الشماسية ، وهي أول ركبة ظهر فيها للعامة .

[ ص: 588 ] وفيها : أدخل الحسين الحلاج مشهورا على جمل إلى بغداد ، فصلب حيا ، ونودي عليه : هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه ، ثم حبس إلى أن قتل في سنة تسع ، وأشيع عنه أنه ادعى الإلهية ، وأنه يقول بحلول اللاهوت في الأشراف ، ويكتب إلى أصحابه : (من النور الشعشعاني ) ونوظر فلم يوجد عنده شيء من القرآن ولا الحديث ولا الفقه .

وفيها : سار المهدي الفاطمي يريد مصر في أربعين ألفا من البربر ، فحال النيل بينه وبينها ، فرجع إلى الإسكندرية ، وأفسد فيها وقتل ، ثم رجع فسار إليه جيش المقتدر إلى برقة ، وجرت لهم حروب ، ثم ملك الفاطمي الإسكندرية والفيوم من هذا العام .

وفي سنة اثنتين : ختن المقتدر خمسة من أولاده ، فغرم على ختانهم ستمائة ألف دينار ، وختن معهم طائفة من الأيتام ، وأحسن إليهم .

وفيها : صلي العيد في جامع مصر ، ولم يكن يصلى فيه العيد قبل ذلك ، فخطب بالناس علي بن أبي شيخة من الكتاب نظرا ، وكان من غلطه أن قال : (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مشركون ) .

وفيها : أسلم الديلم على يد الحسن بن علي العلوي الأطروش ، وكانوا مجوسا .

وفي سنة أربع : وقع الخوف ببغداد من حيوان يقال له : الزبزب ، ذكر الناس : أنهم يرونه بالليل على الأسطحة ، وأنه يأكل الأطفال ، ويقطع ثدي [ ص: 589 ] المرأة ، فكانوا يتحارسون ويضربون بالطاسات ليهرب ، واتخذ الناس لأطفالهم مكاب ، ودام عدة ليال .

وفي سنة خمس : قدمت رسل ملك الروم بهدايا ، وطلب عقد هدنة ، فعمل المقتدر موكبا عظيما ، فأقام العساكر وصفهم بالسلاح; وهم مائة وستون ألفا ، من باب الشماسية إلى دار الخلافة ، وبعدهم الخدام; وهم سبعة آلاف خادم ، ويليهم الحجاب; وهم سبعمائة حاجب ، وكانت الستور التي نصبت على حيطان دار الخلافة : ثمانية وثلاثين ألف ستر من الديباج ، والبسط : اثنان وعشرون ألفا ، وفي الحضرة : مائة سبع في السلاسل . . . إلى غير ذلك .

وفي هذه السنة وردت هدايا صاحب عمان; وفيها طير أسود يتكلم بالفارسية وبالهندية أفصح من الببغاء .

وفي سنة ست : فتح مارستان أم المقتدر ، وكان مبلغ النفقة فيه في العام سبعة آلاف دينار .

وفيها : صار الأمر والنهي لحرم الخليفة ولنسائه; لركاكته ، وآل الأمر إلى أن أمرت أم المقتدر ثمل القهرمانة أن تجلس للمظالم ، وتنظر في رقاع الناس كل جمعة ، فكانت تجلس وتحضر القضاة والأعيان ، وتبرز التواقيع وعليها خطها .

وفيها : عاد القائم محمد بن المهدي الفاطمي إلى مصر فأخذ أكثر الصعيد .

[ ص: 590 ] وفي سنة ثمان : غلت الأسعار ببغداد ، وشغبت العامة; لكون حامد بن العباس ضمن السواد ، وجدد المظالم ، ووقع النهب ، وركب الجند فهاوشتهم العامة ، ودام القتال أياما ، وأحرق العامة الجسر ، وفتحوا السجون ، ونهبوا الناس ، ورجموا الوزير ، واختلت أحوال الدولة العباسية جدا .

وفيها : ملكت جيوش القائم الجزيرة من الفسطاط ، واشتد قلق أهل مصر ، وتأهبوا للهروب ، وجرت أمور وحروب يطول شرحها .

وفي سنة تسع : قتل الحلاج بإفتاء القاضي أبي عمر والفقهاء والعلماء : أنه حلال الدم ، وله في أحواله السنية أخبار أفردها الناس بالتصنيف .

وفي سنة إحدى عشرة : أمر المقتدر برد المواريث إلى ما صيرها المعتضد من توريث ذوي الأرحام .

وفي سنة اثنتي عشرة : فتحت فرغانة على يد والي خراسان .

وفي سنة أربع عشرة : دخلت الروم ملطية بالسيف .

وفيها : جمدت دجلة بالموصل ، وعبرت عليها الدواب ، وهذا لم يعهد .

[ ص: 591 ] وفي سنة خمس عشرة : دخلت الروم سميساط ، وأخذوا من فيها وما فيها ، وضربوا الناقوس في جامعها .

وفيها : ظهرت الديلم على الري والجبال ، فقتل خلق وذبحت الأطفال .

وفي سنة ست عشرة : بنى القرمطي دارا سماها دار الهجرة ، وكان في هذه السنين قد كثر فساده ، وأخذه البلاد ، وفتكه بالمسلمين ، واشتد الخطب به ، وتمكنت هيبته من القلوب ، وكثر أتباعه ، وبث السرايا ، وتزلزل له الخليفة ، وهزم جيش المقتدر غير مرة ، وانقطع الحج في هذه السنين خوفا من القرامطة ، ونزح أهل مكة عنها ، وقصدت الروم ناحية خلاط ، وأخرجوا المنبر من جامعها وجعلوا الصليب مكانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية