الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 250 ] وعن عمرو بن الأحوص : { أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال : استوصوا بالنساء خيرا ، فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ، إن لكم من نسائكم حقا ، ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ; ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن } رواه ابن ماجه والترمذي وصححه . وهو دليل على أن شهادته عليها بالزنى لا تقبل لأنه شهد لنفسه بترك حقه والجناية عليه ) .

                                                                                                                                            2821 - ( وعن معاوية القشيري : { أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل : ما حق المرأة على الزوج ؟ قال : تطعمها إذا طعمت . وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت } رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            2822 - ( وعن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أنفق على عيالك من طولك ، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا وأخفهم في الله } رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            2823 - ( وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه } متفق عليه .

                                                                                                                                            وفي رواية : { لا تصوم امرأة وزوجها شاهد يوما من غير رمضان إلا بإذنه } رواه الخمسة إلا النسائي ، وهو حجة لمن يمنعها من صوم النذر وإن كان معينا إلا بإذنه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عمرو بن الأحوص أخرجه أيضا بقية أهل السنن . وحديث معاوية القشيري أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري وصححه الحاكم وابن حبان . وحديث معاذ أخرج نحوه الطبراني في الصغير والأوسط عن ابن عمر مرفوعا ، ولفظه : { لا ترفع العصا عن أهلك وأخفهم في الله عز وجل } قال في مجمع الزوائد : وإسناده جيد .

                                                                                                                                            قوله : ( عوان ) جمع عانية ، والعاني : الأسير . قوله : ( فإن فعلن فاهجروهن ) . . . إلخ ، في صحيح مسلم من حديث { فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح } وظاهر حديث الباب أنه لا يجوز الهجر في المضجع والضرب إلا إذا أتين بفاحشة مبينة لا بسبب غير ذلك . وقد [ ص: 251 ] ورد النهي عن ضرب النساء مطلقا . فأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذباب بضم الذال المعجمة وبموحدتين مرفوعا بلفظ : { لا تضربوا إماء الله ، فجاء عمر فقال : قد ذئر النساء على أزواجهن ، فأذن لهم فضربوهن ، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثيرة ، فقال : لقد أطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون امرأة كلهن يشكين أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم } ولفظ أبي داود ، { لقد طاف بآل محمد نساء كثيرة يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم } . وله شاهد من حديث ابن عباس في صحيح ابن حبان وآخر مرسل من حديث أم كلثوم بنت أبي بكر عند البيهقي .

                                                                                                                                            وذئر النساء بفتح الذال المعجمة وكسر الهمزة بعدها راء : أي نشزن ، وقيل : عصين . قال الشافعي : يحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن ، يعني قوله تعالى: { واضربوهن } ثم أذن بعد نزولها فيه ، ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته ، فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ، ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله .

                                                                                                                                            وقد أخرج النسائي عن عائشة قالت : { ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة له ولا خادما قط ، ولا ضرب بيده شيئا قط إلا في سبيل الله ، أو تنتهك محارم الله فينتقم لله } .

                                                                                                                                            في الصحيحين { لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم وفي رواية من آخر الليلة } .

                                                                                                                                            وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته } . قوله : ( فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ) هذا محمول على عدم العلم برضا الزوج ، أما لو علمت رضاه بذلك فلا حرج عليها ، كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعا معدا لهم فيجوز إدخالهم سواء كان حاضرا أو غائبا فلا يفتقر ذلك إلى الإذن من الزوج .

                                                                                                                                            وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ : { ولا يأذن في بيته إلا بإذنه } وهو يفيد أن الحديث مقيد بعدم الإذن . قوله : ( ولا تضرب الوجه ) فيه دليل على وجوب اجتناب الوجه عند التأديب . قوله : ( ولا تقبح ) أي لا تقل لامرأتك : قبحك الله . قوله : ( ولا تهجر إلا في البيت ) المراد أنه إذا رابه منها أمر فيهجرها في المضجع ولا يتحول عنها إلى دار أخرى أو يحولها إليها ، ولكنه قد ثبت في الصحيح { أن النبي صلى الله عليه وسلم هجر نساءه وخرج إلى مشربة له } . قوله : ( ولا ترفع عنهم عصاك ) فيه أنه ينبغي لمن كان له عيال أن يخوفهم ويحذرهم الوقوع فيما لا يليق ، ولا يكثر تأنيسهم ومداعبتهم ، فيفضي ذلك إلى الاستخفاف به ويكون سببا لتركهم للآداب المستحسنة وتخلقهم بالأخلاق السيئة .

                                                                                                                                            قوله : [ ص: 252 ] لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد ) أي حاضر ، ويلحق بالزوج السيد بالنسبة إلى أمته التي يحل له وطؤها . ووقع في رواية للبخاري { وبعلها حاضر } وهي أفيد لأن ابن حزم نقل عن أهل اللغة أن البعل اسم الزوج والسيد ، فإن ثبت وإلا كان السيد ملحقا بالزوج للاشتراك في المعنى . قوله : ( إلا بإذنه ) يعني في غير صيام أيام رمضان ، وكذا سائر الصيامات الواجبة . ويدل على اختصاص ذلك بصوم التطوع قوله في حديث الباب : { من غير رمضان } وما أخرجه عبد الرزاق من طريق الحسن بن علي بلفظ : { لا تصوم المرأة غير رمضان } وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا في أثناء حديث { ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه ، فإن فعلت لم يقبل منها } .

                                                                                                                                            والحديث يدل على تحريم صوم التطوع على المرأة بدون إذن زوجها الحاضر وهو قول الجمهور . وقال بعض أصحاب الشافعي : يكره . قال النووي : والصحيح الأول ، قال : فلو صامت بغير إذنه صح وأثمت لاختلاف الجهة ، وأمر القبول إلى الله . قال النووي أيضا : ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي ، ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك بل هو أبلغ لأنه يدل على تأكد الأمر فيه فيكون دالا على التحريم . قال : وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت وحقه واجب على الفور فلا تفوته بالتطوع ، وإذا أراد الاستمتاع بها جاز ويفسد صومها .

                                                                                                                                            وظاهر التقييد بالشاهد أنه يجوز لها التطوع إذا كان الزوج غائبا ، فلو صامت وقدم في أثناء الصيام قيل : فله إفساد صومها ذلك من غير كراهة ، وفي معنى الغيبة أن يكون مريضا بحيث لا يستطيع الجماع . وحمل المهلب النهي المذكور على التنزيه فقال : هو من حسن المعاشرة ولها أن تفعل من غير الفائض بغير إذنه ما لا يضره ، وليس له أن يبطل شيئا من طاعة الله إذا دخلت فيه بغير إذنه . قال الحافظ : وهو خلاف ظاهر الحديث .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية