الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال اخسئوا فيها ولا تكلمون ( 108 ) إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين ( 109 ) فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون ( 110 ) إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون ( 111 ) ) .

هذا جواب من الله تعالى للكفار إذا سألوا الخروج من النار والرجعة إلى هذه الدار ، يقول : ( اخسئوا فيها ) أي : امكثوا فيها صاغرين مهانين أذلاء . ) ولا تكلمون ) أي : لا تعودوا إلى سؤالكم هذا ، فإنه لا جواب لكم عندي . [ ص: 499 ]

قال العوفي ، عن ابن عباس : ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) قال : هذا قول الرحمن حين انقطع كلامهم منه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبدة بن سليمان المروزي ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو قال : إن أهل جهنم يدعون مالكا ، فلا يجيبهم أربعين عاما ، ثم يرد عليهم : إنكم ماكثون . قال : هانت دعوتهم والله على مالك ورب مالك . ثم يدعون ربهم فيقولون : ( ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين . ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ) قال : فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ، ثم يرد عليهم : ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) قال : والله ما نبس القوم بعدها بكلمة واحدة ، وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم . قال : فشبهت أصواتهم بأصوات الحمير ، أولها زفير وآخرها شهيق .

وقال أيضا : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، حدثنا أبو الزعراء قال : قال عبد الله بن مسعود : إذا أراد الله ألا يخرج منهم أحدا يعني : من جهنم غير وجوههم وألوانهم ، فيجيء الرجل من المؤمنين ، فيشفع فيقول : يا رب . فيقول : من عرف أحدا فليخرجه . فيجيء الرجل فينظر فلا يعرف أحدا فيقول : أنا فلان . فيقول : ما أعرفك .

، قال : فعند ذلك يقول : ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ) ، فعند ذلك يقول : ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) . وإذا قال ذلك ، أطبقت عليهم فلا يخرج منهم بشر .

ثم قال تعالى مذكرا لهم بذنوبهم في الدنيا ، وما كانوا يستهزئون بعباده المؤمنين وأوليائه ، فقال : ( إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا ) أي : فسخرتم منهم في دعائهم إياي وتضرعهم إلي ، ( حتى أنسوكم ذكري ) أي : حملكم بغضهم على أن نسيتم معاملتي ( وكنتم منهم تضحكون ) أي : من صنيعهم وعبادتهم ، كما قال تعالى : ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون ) [ المطففين : 29 ، 30 ] أي : يلمزونهم استهزاء .

ثم أخبر عما جازى به أولياءه وعباده الصالحين ، فقال : ( إني جزيتهم اليوم بما صبروا ) أي : على أذاكم لهم واستهزائكم منهم ، ( أنهم هم الفائزون ) أي : جعلتهم هم الفائزين بالسعادة والسلامة والجنة ، الناجين من النار .

التالي السابق


الخدمات العلمية