الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود

                                                                                                                                                                                                        670 حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا زهير قال حدثنا إسماعيل قال سمعت قيسا قال أخبرني أبو مسعود أن رجلا قال والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا منه يومئذ ثم قال إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود ) قال الكرماني : الواو بمعنى مع كأنه [ ص: 232 ] قال : باب التخفيف بحيث لا يفوته شيء من الواجبات ، فهو تفسير لقوله في الحديث " فليتجوز " لأنه لا يأمر بالتجوز المؤدي إلى فساد الصلاة ، قال ابن المنير وتبعه ابن رشيد وغيره : خص التخفيف في الترجمة بالقيام مع أن لفظ الحديث أعم حيث قال " فليتجوز " لأن الذي يطول في الغالب إنما هو القيام ، وما عداه لا يشق إتمامه على أحد ، وكأنه حمل حديث الباب على قصة معاذ ، فإن الأمر بالتخفيف فيها مختص بالقراءة . انتهى ملخصا .

                                                                                                                                                                                                        والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالترجمة إلى بعض ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته ، وأما قصة معاذ فمغايرة لحديث الباب ؛ لأن قصة معاذ كانت في العشاء وكان الإمام فيها معاذا وكانت في مسجد بني سلمة ، وهذه كانت في الصبح وكانت في مسجد قباء ، ووهم من فسر الإمام المبهم هنا بمعاذ ، بل المراد به أبي بن كعب كما أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن من رواية عيسى بن جارية وهو بالجيم عن جابر قال كان أبي بن كعب يصلي بأهل قباء فاستفتح سورة طويلة ، فدخل معه غلام من الأنصار في الصلاة ، فلما سمعه استفتحها انفتل من صلاته ، فغضب أبي فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشكو الغلام ، وأتى الغلام يشكو أبيا ، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى عرف الغضب في وجهه ثم قال : إن منكم منفرين ، فإذا صليتم فأوجزوا ، فإن خلفكم الضعيف والكبير والمريض وذا الحاجة فأبان هذا الحديث أن المراد بقوله في حديث الباب " مما يطيل بنا فلان " أي : في القراءة ، واستفيد منه أيضا تسمية الإمام وبأي موضع كان . وفي الطبراني من حديث عدي بن حاتم " من أمنا فليتم الركوع والسجود " . وفي قول ابن المنير " إن الركوع والسجود لا يشق إتمامهما " نظر ، فإنه إن أراد أقل ما يطلق عليه اسم تمام فذاك لا بد منه ، وإن أراد غاية التمام فقد يشق ، فسيأتي حديث البراء قريبا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قيامه وركوعه وسجوده قريبا من السواء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا زهير ) هو ابن معاوية الجعفي ، وإسماعيل هو ابن أبي خالد ، وقيس هو ابن أبي حازم ، وأبو مسعود هو الأنصاري البدري ، والإسناد كله كوفيون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن رجلا لم أقف على اسمه ، ووهم من زعم أنه حزم بن أبي بن كعب ؛ لأن قصته كانت مع معاذ لا مع أبي بن كعب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إني لأتأخر عن صلاة الغداة ) أي : فلا أحضرها مع الجماعة لأجل التطويل ، وفي رواية ابن المبارك في الأحكام " والله إني لأتأخر " بزيادة القسم ، وفيه جواز مثل ذلك ؛ لأنه لم ينكر عليه ، وتقدم في كتاب العلم في " باب الغضب في العلم " بلفظ " إني لا أكاد أدرك الصلاة " وتقدم توجيهه . ويحتمل أيضا أن يكون المراد أن الذي ألفه من تطويله اقتضى له أن يتشاغل عن المجيء في أول الوقت وثوقا بتطويله ، بخلاف ما إذا لم يكن يطول فإنه كان يحتاج إلى المبادرة إليه أول الوقت ، وكأنه يعتمد على تطويله فيتشاغل ببعض شغله ثم يتوجه فيصادف أنه تارة يدركه وتارة لا يدركه فلذلك قال " لا أكاد أدرك مما يطول بنا " أي : بسبب تطويله . واستدل به على تسمية الصبح بذلك ، ووقع في رواية سفيان الآتية قريبا " عن الصلاة في الفجر " وإنما خصها بالذكر ؛ لأنها تطول فيها القراءة غالبا ؛ ولأن الانصراف منها وقت التوجه لمن له حرفة إليها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أشد بالنصب وهو نعت لمصدر محذوف أي : غضبا أشد ، وسببه إما لمخالفة الموعظة أو للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه ، كذا قاله ابن دقيق العيد ، وتعقبه تلميذه أبو الفتح اليعمري بأنه يتوقف على تقدم الإعلام بذلك ، قال : ويحتمل أن يكون ما ظهر من الغضب لإرادة الاهتمام بما يلقيه لأصحابه [ ص: 233 ] ليكونوا من سماعه على بال لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله . وأقول : هذا أحسن في الباعث على أصل إظهار الغضب ، أما كونه أشد فالاحتمال الثاني أوجه ولا يرد عليه التعقب المذكور .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن منكم منفرين ) فيه تفسير للمراد بالفتنة في قوله في حديث معاذ أفتان أنت ويحتمل أن تكون قصة أبي هذه بعد قصة معاذ ، فلهذا أتى بصيغة الجمع . وفي قصة معاذ واجهه وحده بالخطاب ، وكذا ذكر في هذا الغضب ولم يذكره في قصة معاذ ، وبهذا يتوجه الاحتمال الأول لابن دقيق العيد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأيكم ما صلى ) ما زائدة ، ووقع في رواية سفيان " فمن أم الناس " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فليخفف قال ابن دقيق العيد : التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم طويلا بالنسبة لعادة آخرين . قال : وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يزيد على ذلك ؛ لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي ألا يكون ذلك تطويلا قلت : وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له أنت إمام قومك ، واقدر القوم بأضعفهم إسناده حسن وأصله في مسلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإن فيهم ) في رواية سفيان " فإن خلفه " وهو تعليل الأمر المذكور ، ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم متصف بصفة من المذكورات لم يضر التطويل ، وقد قدمت ما يرد عليه في الباب الذي قبله من إمكان مجيء من يتصف بإحداها ، وقال اليعمري : الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة ، فينبغي للأئمة التخفيف مطلقا . قال : وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر وعلل بالمشقة وهو مع ذلك يشرع ولو لم يشق عملا بالغالب ؛ لأنه لا يدري ما يطرأ عليه ، وهنا كذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الضعيف والكبير ) كذا للأكثر ، ووقع في رواية سفيان في العلم " فإن فيهم المريض والضعيف " وكأن المراد بالضعيف هنا المريض وهناك من يكون ضعيفا في خلقته كالنحيف والمسن ، وسيأتي في الباب الذي بعده مزيد قول فيه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية