الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير

                                                                                                                                                                                                        4522 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو قال سمعت عكرمة يقول سمعت أبا هريرة يقول إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من السماء

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله . ( سورة سبأ - بسم الله الرحمن الرحيم ) سقط لفظ " سورة والبسملة " لغير أبي ذر . وهذه السورة [ ص: 396 ] سميت بقوله فيها : لقد كان لسبأ في مسكنهم الآية ، قال : ابن إسحاق وغيره : هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان . ووقع عند الترمذي وحسنه من حديث فروة بن مسيك قال : أنزل في سبأ ما أنزل ، فقال : رجل : يا رسول الله وما سبأ ، أرض أو امرأة ؟ قال : ليس بأرض ولا امرأة ، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب ، فتيامن ستة وتشاءم أربعة الحديث . قال : " وفي الباب عن ابن عباس " . قلت . حديث ابن عباس وفروة صححهما الحاكم . وأخرج ابن أبي حاتم في حديث فروة زيادة أنه قال : يا رسول الله إن سبأ قوم كان لهم عز في الجاهلية ، وإني أخشى أن يرتدوا فأقاتلهم ، قال : ما أمرت فيهم بشيء ، فنزلت : لقد كان لسبأ في مسكنهم الآيات . فقال : له رجل : يا رسول الله ، وما سبأ فذكره . وأخرج ابن عبد البر في " الأنساب " له شاهدا من حديث تميم الداري . وأصله قصة سبأ . وقد ذكرها ابن إسحاق مطولة في أول السيرة النبوية . وأخرج بعضها ابن أبي حاتم من طريق حبيب بن الشهيد عن عكرمة ، وأخرجها أيضا من طريق السدي مطولا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( - معاجزين مسابقين ، بمعجزين بفائتين ، معاجزي مسابقي ، سبقوا فاتوا ، لا يعجزون لا يفوتون ، يسبقونا يعجزونا . قوله : بمعجزين بفائتين ومعنى معاجزين مغالبين يريد كل واحد منهما أن يظهر عجز صاحبه ) أما قوله معاجزين مسابقين فقال : أبو عبيدة في قوله : والذين سعوا في آياتنا معاجزين أي مسابقين ، يقال : ما أنت بمعجزي أي : سابقي . وهذا اللفظ أي " معاجزين " على إحدى القراءتين ، وهي قراءة الأكثر في موضعين من هذه السورة وفي سورة الحج ، والقراءة الأخرى لابن كثير وأبي عمرو " معجزين " بالتشديد في المواضع الثلاثة وهي بمعناها ، وقيل : معنى معاجزين : معاندين ومغالبين ، ومعنى معجزين : ناسبين غيرهم إلى العجز . وأما قوله : " بمعجزين " فلعله أشار إلى قوله في سورة العنكبوت : وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وقد أخرج ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير نحوه . وأما قوله : " معاجزي : مسابقي " فسقط من رواية الأصيلي وكريمة وثبت عندهما " معاجزين : مغالبين " وتكرر لهما بعد ، وقد ظهر أنه بقية كلام أبي عبيدة كما قدمته . وأما قوله : " سبقوا إلخ " فقال : أبو عبيدة في سورة الأنفال في قوله : ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا مجازه فاتوا إنهم لا يعجزون أي : لا يفوتون . وأما قوله : " يسبقونا " فأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا أي يعجزونا . وأما قوله : " بمعجزين بفائتين " فكذا وقع مكررا في رواية أبي ذر وحده ، وسقط للباقين . وأما قوله : " معاجزين : مغالبين إلخ . فقال : الفراء : معناه : معاندين . وذكر ابن أبي حاتم من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : " معاجزين " قال : مراغمين . وكلها بمعنى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( معشار : عشر ) قال : أبو عبيدة في قوله تعالى : وما بلغوا معشار ما آتيناهم أي عشر ما أعطيناهم ، وقال : الفراء : المعنى وما بلغ أهل مكة معشار الذين أهلكناهم من قبلهم من القوة والجسم والولد والعدد ، والمعشار : العشر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يقال الأكل الثمرة ) قال : أبو عبيدة في قوله تعالى : ذواتي أكل خمط وأثل قال : الخمط : هو كل شجر ذي شوك ، والأكل : الجنى أي بفتح الجيم مقصور وهو بمعنى الثمرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باعد وبعد واحد ) قال : أبو عبيدة في قوله تعالى : فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا مجازه مجاز الدعاء ، وقرأه قوم " بعد " يعني بالتشديد . قلت : قراءة باعد للجمهور ، وقرأه " بعد " أبو عمرو وابن كثير وهشام .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 397 ] قوله : ( وقال : مجاهد : لا يعزب لا يغيب ) وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه بهذا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سيل العرم السد ) كذا للأكثر بضم المهملة وتشديد الدال ، ولأبي ذر عن الحموي الشديد بمعجمة وزن عظيم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فشقه ) كذا للأكثر بمعجمة قبل القاف الثقيلة ، وذكر عياض أن في رواية أبي ذر " فبثقه " بموحدة ثم مثلثة قبل القاف الخفيفة ، قال : وهو الوجه ، تقول : بثقت النهر إذا كسرته لتصرفه عن مجراه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فارتفعتا عن الجنبتين ) كذا للأكثر بفتح الجيم والنون الخفيفة بعدها موحدة ثم مثناة فوقانية ثم تحتانية ثم نون ، ولأبي ذر عن الحموي بتشديد النون بغير موحدة تثنية جنة . واستشكل هذا الترتيب لأن السياق يقتضي أن يقول : ارتفع الماء على الجنتين ، وارتفعت الجنتان عن الماء . وأجيب بأن المراد من الارتفاع الزوال أي : ارتفع اسم الجنة منهما ، فالتقدير : فارتفعت الجنتان عن كونهما جنتين . وتسمية ما بدلوا به جنتين على سبيل المشاكلة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولم يكن الماء الأحمر من السد ) كذا للأكثر بضم المهملة وتشديد الدال ، وللمستملي من السيل ، وعند الإسماعيلي من السيول . وهذا الأثر عن مجاهد وصله الفريابي أيضا وقال : " السد " في الموضعين فقال : " فشقه " بالمعجمة والقاف الثقيلة ، وقال : " على الجنتين " تثنية جنة كما للأكثر في المواضع كلها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال : عمرو بن شرحبيل ؛ العرم المسناة بلحن أهل اليمن ، وقال : غيره . العرم الوادي ) أما قول عمرو فوصله سعيد بن منصور عن شريك عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة وهو عمرو بن شرحبيل فذكره سواء ، واللحن : اللغة ، والمسناة : بضم الميم وفتح المهملة وتشديد النون ، وضبط في أصل الأصيلي ، بفتح الميم وسكون المهملة ، قال : ابن التين : المراد بها ما يبنى في عرض الوادي ليرتفع السيل ويفيض على الأرض " وكأنه أخذ من عرامة الماء وهو ذهابه كل مذهب " . وقال : الفراء : العرم المسناة وهي مسناة كانت تحبس الماء على ثلاثة أبواب منها ، فيسيبون من ذلك الماء من الباب الأول ثم الثاني ثم الآخر ، ولا ينفذ حتى يرجع الماء السنة المقبلة ، وكانوا أنعم قوم ، فلما أعرضوا عن تصديق الرسل وكفروا بثق الله عليهم تلك المسناة ، فغرقت أرضهم ودقت الرمل بيوتهم ومزقوا كل ممزق ، حتى صار تمزيقهم عند العرب مثلا يقولون : " تفرقوا أيدي سبأ " . وأما قول غيره : فأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه قال : العرم اسم الوادي ، وقيل : العرم اسم الجرذ الذي خرب السد ، وقيل : هو صفة السيل مأخوذ من العرامة ، وقيل : اسم المطر الكثير . وقال : أبو حاتم : هو جمع لا واحد له من لفظه . وقال : أبو عبيدة : سيل العرم واحدتها عرمة ، وهو بناء يحبس به الماء يبنى فيشرف به على الماء في وسط الأرض ، ويترك فيه سبيل للسفينة ، فتلك العرمات واحدتها عرمة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( السابغات الدروع ) قال : أبو عبيدة في قوله : أن اعمل سابغات أي دروعا واسعة طويلة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال : مجاهد : يجازي يعاقب ) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه ، ومن طريق طاوس قال : هو المناقشة في الحساب ، ومن نوقش الحساب عذب ، وهو الكافر لا يغفر له .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : قيل : إن هذه الآية أرجى آية في كتاب الله من جهة الحصر في الكفر ، فمفهومه أن غير الكفر بخلاف ذلك . ومثله أن العذاب على من كذب وتولى وقيل : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، وقيل : [ ص: 398 ] فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ، وقيل : كل يعمل على شاكلته وقيل : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآية ، وقيل : آية الدين ، وقيل : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة وهذا الأخير نقله مسلم في صحيحه عن عبد الله بن المبارك عقب حديث الإفك ، وفي كتاب الإيمان من " مستدرك الحاكم " عن ابن عباس قوله تعالى : ولكن ليطمئن قلبي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أعظكم بواحدة : بطاعة الله ، مثنى وفرادى واحد واثنين ) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( التناوش : الرد من الآخرة إلى الدنيا ) وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ : ( وأنى لهما التناوش ) قال : رد من مكان بعيد من الآخرة إلى الدنيا . وعند الحاكم من طريق التميمي عن ابن عباس في قوله : وأنى لهم التناوش من مكان بعيد قال : يسألون الرد ، وليس بحين رد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وبين ما يشتهون : من مال أو ولد أو زهرة ) وصله الفريابي من طريق مجاهد مثله ، ولم يقل . " أو زهرة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بأشياعهم : بأمثالهم ) وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ : كما فعل بأشياعهم من قبل قال : الكفار من قبلهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال : ابن عباس : كالجواب كالجوبة من الأرض ) تقدم هذا في أحاديث الأنبياء ، قيل : الجوابي في اللغة جمع جابية وهو الحوض الذي يجبى فيه الشيء أي يجمع ، وأما الجوبة من الأرض فهي الموضع المطمئن فلا يستقيم تفسير الجوابي بها ، وأجيب باحتمال أن يكون فسر الجابية بالجوبة ولم يرد أن اشتقاقهما واحد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الخمط : الأراك ، والأثل : الطرفاء ، العرم : الشديد ) سقط الكلام الأخير للنسفي ، وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بهذا كله مفرقا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : باب حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا عمرو ) هو ابن دينار .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 399 ] قوله : ( إذا قضى الله الأمر في السماء ) في حديث النواس بن سمعان عند الطبراني مرفوعا " إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله ، فإذا سمع أهل السماء بذلك صعقوا وخروا سجدا ، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل ، فيكلمه الله من وحيه بما أراد ، فينتهي به على الملائكة ، كلما مر بسماء سأله أهله ماذا قال : ربنا ؟ قال : الحق ، فينتهي به حيث أمر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا ) بفتحتين من الخضوع ، وفي رواية بضم أوله وسكون ثانيه وهو مصدر بمعنى خاضعين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كأنه ) أي القول المسموع ( سلسلة على صفوان ) هو مثل قوله في بدء الوحي : " صلصلة كصلصلة الجرس " وهو صوت الملك بالوحي ، وقد روى ابن مردويه من حديث ابن مسعود رفعه " إذا تكلم الله بالوحي يسمع أهل السماوات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون ، ويرون أنه من أمر الساعة . وقرأ : حتى إذا فزع الآية " وأصله عند أبي داود وغيره ، وعلقه المصنف موقوفا ، ويأتي في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى . قال : الخطابي : الصلصلة صوت الحديد إذا تحرك وتداخل ، وكأن الرواية وقعت له بالصاد ، وأراد أن التشبيه في الموضعين بمعنى واحد ، فالذي في بدء الوحي هذا والذي هنا جر السلسلة من الحديد إلى الصفوان الذي هو الحجر الأملس يكون الصوت الناشئ عنهما سواء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( على صفوان ) زاد في سورة الحجر عن علي بن عبد الله " قال غيره : - يعني غير سفيان - ينفذهم ذلك " في حديث ابن عباس عند ابن مردويه من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه " فلا ينزل على أهل سماء إلا صعقوا " وعند مسلم والترمذي من طريق علي بن الحسين بن علي عن ابن عباس عن رجال من الأنصار أنهم كانوا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فرمي بنجم فاستنار ، فقال : ما كنتم تقولون لهذا إذا رمي به في الجاهلية ؟ قالوا : كنا نقول مات عظيم أو يولد عظيم ، فقال : إنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ، ولكن ربنا إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح سماء الدنيا ، ثم يقولون لحملة العرش : ماذا قال : ربكم " الحديث . وليس عند الترمذي عن رجال من الأنصار ، وسيأتي مزيد فيه في كتاب التوحيد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ومسترقو السمع ) في رواية علي عند أبي ذر " ومسترق " بالإفراد وهو فصيح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هكذا بعضه فوق بعض وصفه سفيان ) أي ابن عيينة ( بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه ) أي فرق ، وفي رواية علي " ووصف سفيان بيده ففرج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض " وفي حديث ابن عباس عند ابن مردويه " كان لكل قبيل من الجن مقعد من السماء يسمعون منه الوحي " يعني يلقيها ، زاد علي عن سفيان " حتى ينتهي إلى الأرض فيلقى " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( على لسان الساحر أو الكاهن ) في رواية الجرجاني " على لسان الآخر " بدل الساحر وهو تصحيف ، وفي رواية علي " الساحر والكاهن " وكذا قال : سعيد بن منصور عن سفيان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فربما أدرك الشهاب إلخ ) يقتضي أن الأمر في ذلك يقع على حد سواء ، والحديث الآخر يقتضي أن [ ص: 400 ] الذي يسلم منهم قليل بالنسبة إلى من يدركه الشهاب . ووقع في رواية سعيد بن منصور عن سفيان في هذا الحديث " فيرمي هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى يلقى على فم ساحر أو كاهن " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فيكذب معها مائة كذبة ، فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء ) زاد علي بن عبد الله عن سفيان كما تقدم في تفسير الحجر " فيقولون : ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقا . الكلمة التي سمعت من السماء " وفي حديث ابن عباس المذكور " فيقول يكون العام كذا وكذا فيسمعه الجن فيخبرون به الكهنة فتخبر الكهنة الناس فيجدونه " وسيأتي بقية شرح هذا القدر في أواخر كتاب الطب إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : وقع في تفسير سورة الحجر في آخر هذا الحديث عن علي بن عبد الله " قلت لسفيان : إن إنسانا روى عنك عن عمرو عن عكرمة عن أبي هريرة أنه قرأ فرغ - بضم الفاء وبالراء المهملة الثقيلة وبالغين المعجمة - فقال : سفيان : هكذا قرأ عمرو - يعني ابن دينار - فلا أدري سمعه هكذا أم لا " وهذه القراءة رويت أيضا عن الحسن وقتادة ومجاهد ، والقراءة المشهورة بالزاي والعين المهملة ، وقرأها ابن عامر مبنيا للفاعل ومعناه بالزاي والمهملة أدهش الفزع عنهم ، ومعنى التي بالراء والغين المعجمة ذهب عن قلوبهم ما حل فيها " فقال : سفيان : هكذا قرأ عمرو فلا أدري سمعه أم لا . قال : سفيان : وهي قراءتنا " قال : الكرماني : فإن قيل كيف جازت القراءة إذا لم تكن مسموعة فالجواب لعل مذهبه جواز القراءة بدون السماع إذا كان المعنى صحيحا . قلت : هذا وإن كان محتملا لكن إذا وجد احتمال غيره فهو أولى ، وذلك محمل قول سفيان : " لا أدري سمعه أم لا " على أن مراده سمعه من عكرمة الذي حدثه بالحديث لا أنه شك في أنه هل سمعه مطلقا ، فالظن به أن لا يكتفي في نقل القرآن بالأخذ من الصحف بغير سماع . وأما قول سفيان : " وهي قراءتنا " فمعناه أنها وافقت ما كان يختار من القراءة به ؛ فيجوز أن ينسب إليه كما نسب لغيره .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية