الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1807 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا هاشم بن القاسم ح وحدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا أبو عامر العقدي كلاهما عن عكرمة بن عمار ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وهذا حديثه أخبرنا أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد حدثنا عكرمة وهو ابن عمار حدثني إياس بن سلمة حدثني أبي قال قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة وعليها خمسون شاة لا ترويها قال فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبا الركية فإما دعا وإما بصق فيها قال فجاشت فسقينا واستقينا قال ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانا للبيعة في أصل الشجرة قال فبايعته أول الناس ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسط من الناس قال بايع يا سلمة قال قلت قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس قال وأيضا قال ورآني رسول الله صلى الله عليه وسلم عزلا يعني ليس معه سلاح قال فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حجفة أو درقة ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال ألا تبايعني يا سلمة قال قلت قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس وفي أوسط الناس قال وأيضا قال فبايعته الثالثة ثم قال لي يا سلمة أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك قال قلت يا رسول الله لقيني عمي عامر عزلا فأعطيته إياها قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إنك كالذي قال الأول اللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي ثم إن المشركين راسلونا الصلح حتى مشى بعضنا في بعض واصطلحنا قال وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله أسقي فرسه وأحسه وأخدمه وآكل من طعامه وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها فاضطجعت في أصلها قال فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبغضتهم فتحولت إلى شجرة أخرى وعلقوا سلاحهم واضطجعوا فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي يا للمهاجرين قتل ابن زنيم قال فاخترطت سيفي ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا في يدي قال ثم قلت والذي كرم وجه محمد لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه قال ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز يقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس مجفف في سبعين من المشركين فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم الآية كلها قال ثم خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا بيننا وبين بني لحيان جبل وهم المشركون فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقي هذا الجبل الليلة كأنه طليعة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال سلمة فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثا ثم قدمنا المدينة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه وخرجت معه بفرس طلحة أنديه مع الظهر فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه أجمع وقتل راعيه قال فقلت يا رباح خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد أغاروا على سرحه قال ثم قمت على أكمة فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثا يا صباحاه ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز أقول

                                                                                                                أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع

                                                                                                                فألحق رجلا منهم فأصك سهما في رحله حتى خلص نصل السهم إلى كتفه قال قلت خذها

                                                                                                                وأنا ابن الأكوع     واليوم يوم الرضع

                                                                                                                قال فوالله ما زلت أرميهم وأعقر بهم فإذا رجع إلي فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم رميته فعقرت به حتى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه علوت الجبل فجعلت أرديهم بالحجارة قال فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري وخلوا بيني وبينه ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يستخفون ولا يطرحون شيئا إلا جعلت عليه آراما من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى أتوا متضايقا من ثنية فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري فجلسوا يتضحون يعني يتغدون وجلست على رأس قرن قال الفزاري ما هذا الذي أرى قالوا لقينا من هذا البرح والله ما فارقنا منذ غلس يرمينا حتى انتزع كل شيء في أيدينا قال فليقم إليه نفر منكم أربعة قال فصعد إلي منهم أربعة في الجبل قال فلما أمكنوني من الكلام قال قلت هل تعرفوني قالوا لا ومن أنت قال قلت أنا سلمة بن الأكوع والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا أطلب رجلا منكم إلا أدركته ولا يطلبني رجل منكم فيدركني قال أحدهم أنا أظن قال فرجعوا فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر قال فإذا أولهم الأخرم الأسدي على إثره أبو قتادة الأنصاري وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي قال فأخذت بعنان الأخرم قال فولوا مدبرين قلت يا أخرم احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة قال فخليته فالتقى هو وعبد الرحمن قال فعقر بعبد الرحمن فرسه وطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول على فرسه ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن فطعنه فقتله فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لتبعتهم أعدو على رجلي حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا غبارهم شيئا حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد ليشربوا منه وهم عطاش قال فنظروا إلي أعدو وراءهم فخليتهم عنه يعني أجليتهم عنه فما ذاقوا منه قطرة قال ويخرجون فيشتدون في ثنية قال فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكه بسهم في نغض كتفه قال قلت خذها

                                                                                                                وأنا ابن الأكوع     واليوم يوم الرضع

                                                                                                                قال يا ثكلته أمه أكوعه بكرة قال قلت نعم يا عدو نفسه أكوعك بكرة قال وأردوا فرسين على ثنية قال فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن وسطيحة فيها ماء فتوضأت وشربت ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي حلأتهم عنه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ تلك الإبل وكل شيء استنقذته من المشركين وكل رمح وبردة وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم وإذا هو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها قال قلت يا رسول الله خلني فأنتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه في ضوء النار فقال يا سلمة أتراك كنت فاعلا قلت نعم والذي أكرمك فقال إنهم الآن ليقرون في أرض غطفان قال فجاء رجل من غطفان فقال نحر لهم فلان جزورا فلما كشفوا جلدها رأوا غبارا فقالوا أتاكم القوم فخرجوا هاربين فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة قال ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين سهم الفارس وسهم الراجل فجمعهما لي جميعا ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة قال فبينما نحن نسير قال وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدا قال فجعل يقول ألا مسابق إلى المدينة هل من مسابق فجعل يعيد ذلك قال فلما سمعت كلامه قلت أما تكرم كريما ولا تهاب شريفا قال لا إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت يا رسول الله بأبي وأمي ذرني فلأسابق الرجل قال إن شئت قال قلت اذهب إليك وثنيت رجلي فطفرت فعدوت قال فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي ثم عدوت في إثره فربطت عليه شرفا أو شرفين ثم إني رفعت حتى ألحقه قال فأصكه بين كتفيه قال قلت قد سبقت والله قال أنا أظن قال فسبقته إلى المدينة قال فوالله ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم

                                                                                                                تالله لولا الله ما اهتدينا     ولا تصدقنا ولا صلينا
                                                                                                                ونحن عن فضلك ما استغنينا     فثبت الأقدام إن لاقينا
                                                                                                                وأنزلن سكينة علينا

                                                                                                                فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا قال أنا عامر قال غفر لك ربك قال وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد قال فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له يا نبي الله لولا ما متعتنا بعامر قال فلما قدمنا خيبر قال خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول

                                                                                                                قد علمت خيبر أني مرحب     شاكي السلاح بطل مجرب
                                                                                                                إذا الحروب أقبلت تلهب

                                                                                                                قال وبرز له عمي عامر فقال

                                                                                                                قد علمت خيبر أني عامر     شاكي السلاح بطل مغامر

                                                                                                                قال فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله فكانت فيها نفسه قال سلمة فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون بطل عمل عامر قتل نفسه قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلت يا رسول الله بطل عمل عامر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال ذلك قال قلت ناس من أصحابك قال كذب من قال ذلك بل له أجره مرتين ثم أرسلني إلى علي وهو أرمد فقال لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله قال فأتيت عليا فجئت به أقوده وهو أرمد حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسق في عينيه فبرأ وأعطاه الراية وخرج مرحب فقال

                                                                                                                قد علمت خيبر أني مرحب     شاكي السلاح بطل مجرب
                                                                                                                إذا الحروب أقبلت تلهب

                                                                                                                فقال علي

                                                                                                                أنا الذي سمتني أمي حيدره     كليث غابات كريه المنظره
                                                                                                                أوفيهم بالصاع كيل السندره

                                                                                                                قال فضرب رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح على يديه
                                                                                                                قال إبراهيم حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن عكرمة بن عمار بهذا الحديث بطوله وحدثنا أحمد بن يوسف الأزدي السلمي حدثنا النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار بهذا

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( قدمنا الحديبية ونحن أربع عشرة مائة ) هذا هو الأشهر ، وفي رواية : ( ثلاث عشرة مائة ) وفي رواية : ( خمس عشرة مائة ) .

                                                                                                                قوله : ( فقعد النبي صلى الله عليه وسلم على جبا الركية ) الجبا بفتح الجيم وتخفيف الباء الموحدة مقصور ، وهي ما حول البئر ، وأما الركي : فهو البئر ، والمشهور في اللغة : ركي بغير هاء ، ووقع هنا الركية بالهاء ، وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره .

                                                                                                                قوله : ( فإما دعا وإما بصق فيها فجاشت فسقينا واستقينا ) هكذا هو في النسخ ( بسق ) بالسين ، وهي صحيحة يقال : ( بزق وبصق وبسق ) ثلاث لغات بمعنى ، والسين قليلة الاستعمال ، و ( جاشت ) أي ارتفعت وفاضت ، يقال : جاش الشيء يجيش جيشانا إذا ارتفع ، وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد سبق مرارا كثيرة التنبيه على نظائرها .

                                                                                                                قوله : ( ورآني عزلا ) ضبطوه بوجهين أحدهما : فتح العين مع كسر الزاي ، والثاني : ضمهما ، وقد فسره في الكتاب بالذي لا سلاح معه ، ويقال له أيضا : أعزل ، وهو أشهر استعمالا .

                                                                                                                [ ص: 501 ] قوله : ( حجفة أو درقة ) هما شبيهتان بالترس .

                                                                                                                قوله : ( اللهم ابغني حبيبا ) أي أعطني .

                                                                                                                قوله : ( ثم إن المشركين راسلونا الصلح ) كذا هو في أكثر النسخ ( راسلونا ) من المراسلة ، وفي بعضها : ( راسونا ) بضم السين المهملة المشددة ، وحكى القاضي فتحها أيضا وهما بمعنى ( راسلونا ) مأخوذ من قولهم : رس الحديث يرسه : إذا ابتدأه ، وقيل : من رس بينهم أي أصلح ، وقيل : معناه فاتحونا ، من قولهم : بلغني رس من الخبر ، أي أوله ، ووقع في بعض النسخ : ( واسونا ) بالواو أي اتفقنا نحن وهم على الصلح ، والواو فيه بدل من الهمزة ، وهو من الأسوة .

                                                                                                                قوله : ( كنت تبعا لطلحة ) أي خادما أتبعه .

                                                                                                                قوله : ( أسقي فرسه وأحسه ) أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه .

                                                                                                                قوله : ( أتيت شجرة فكسحت شوكها ) أي كنست ما تحتها من الشوك .

                                                                                                                قوله : ( قتل ابن زنيم ) هو بضم الزاي وفتح النون .

                                                                                                                قوله : ( فاخترطت سيفي ) أي سللته .

                                                                                                                قوله : ( وأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا في يدي ) الضغث : الحزمة .

                                                                                                                [ ص: 502 ] قوله : ( جاء رجل من العبلات يقال له مكرز ) هو بميم مكسورة ثم كاف ثم راء مكسورة ثم زاي . والعبلات : بفتح العين المهملة والباء الموحدة قال الجوهري في الصحاح : العبلات بفتح العين والباء من قريش ، وهم أمية الصغرى ، والنسبة إليهم ( عبلي ) ترده إلى الواحد ، قال : لأن اسم أمهم عبلة ، قال القاضي : أمية الأصغر وأخواه نوفل وعبد الله بن شمس بن عبد مناف نسبوا إلى أم لهم من بني تميم اسمها : عبلة بنت عبيد .

                                                                                                                قوله : ( على فرس مجفف ) هو بفتح الجيم وفتح الفاء الأولى المشددة ، أي عليه تجفاف بكسر التاء ، وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه من السلاح ، وجمعه : تجافيف .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه ) أما البدء فبفتح الباء وإسكان الدال وبالهمز ، أي ابتداؤه ، وأما ( ثناه ) فوقع في أكثر النسخ ( ثناه ) مثلثة مكسورة ، وفي بعضها : ( ثنياه ) بضم الثاء وبياء مثناة تحت بعد النون ، ورواهما جميعا القاضي ، وذكر الثاني عن رواية ابن ماهان والأول عن غيره قال : وهو الصواب أي عودة ثانية .

                                                                                                                قوله : ( بني لحيان ) بكسر اللام وفتحها لغتان .

                                                                                                                قوله : ( لمن رقي الجبل ) وقوله بعده ( فرقيت ) كلاهما بكسر القاف .

                                                                                                                قوله : ( فنزلنا منزلا بيننا وبين بني لحيان جبل وهم المشركون ) هذه اللفظة ضبطوها بوجهين ، ذكرهما القاضي وغيره : أحدهما ( وهم المشركون ) بضم الهاء على الابتداء والخبر . والثاني بفتح الهاء وتشديد الميم ، أي هموا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخافوا غائلتهم ، يقال : همني الأمر وأهمني ، وقيل : همني أذابني ، وأهمني : وأغمني .

                                                                                                                قوله : ( وخرجت بفرس لطلحة أنديه ) هكذا ضبطناه ( أنديه ) بهمزة مضمومة ثم نون مفتوحة ثم [ ص: 503 ] دال مكسورة مشددة ، ولم يذكر القاضي في الشرح عن أحد من رواة مسلم غير هذا ، ونقله في المشارق عن جماهير الرواة ، قال : ورواه بعضهم عن أبي الحذاء في مسلم ( أبديه ) بالباء الموحدة بدل النون ، وكذا قاله ابن قتيبة ، أي أخرجه إلى البادية وأبرزه إلى موضع الكلأ ، وكل شيء أظهرته فقد أبديته ، والصواب رواية الجمهور بالنون وهي رواية جميع المحدثين ، وقول الأصمعي وأبي عبيد في غريبه والأزهري وجماهير أهل اللغة والغريب ، ومعناه : أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى ، ثم ترد الماء فترد قليلا ، ثم ترد إلى المرعى ، قال الأزهري : أنكر ابن قتيبة على أبي عبيد والأصمعي كونهما جعلاه بالنون ، وزعم أن الصواب بالباء ، قال الأزهري : أخطأ ابن قتيبة ، والصواب قول الأصمعي .

                                                                                                                قوله : ( فأصك سهما في رحله حتى خلص نصل السهم إلى كتفه ) هكذا هو في معظم الأصول المعتمدة ( رحله ) بالحاء ، و ( كتفه ) بعدها فاء ، وكذا نقله صاحب المشارق والمطالع ، وكذا هو في أكثر الروايات وهو الأظهر ، وفي بعضها : ( رجله ) بالجيم و ( كعبه ) بالعين ثم الباء الموحدة ، قالوا : والصحيح الأول لقوله في الرواية الأخرى : ( فأصكه بسهم في نغض كتفه ) قال القاضي في الشرح : هذه رواية شيوخنا ، وهو أشبه بالمعنى ; لأنه يمكن أن يصيب أعلى مؤخرة الرحل فيصيب حينئذ إذا أنفذه كتفه ، ومعنى أصك : أضرب .

                                                                                                                قوله : ( فما زلت أرميهم وأعقر بهم ) أي أعقر خيلهم ، ومعنى أرميهم أي بالنبل ، قال القاضي : ورواه بعضهم هنا : ( أرديهم ) بالدال .

                                                                                                                قوله : ( فجعلت أرديهم بالحجارة ) أي أرميهم بالحجارة التي تسقطهم وتنزلهم .

                                                                                                                [ ص: 504 ] قوله : ( جعلت عليهم آراما من الحجارة ) هو بهمزة ممدودة ثم راء مفتوحة وهي الأعلام ، وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ، يهتدى بها ، واحدها ( إرم ) كعنب وأعناب .

                                                                                                                قوله : ( وجلست على رأس قرن ) هو بفتح القاف وإسكان الراء ، وهو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير .

                                                                                                                قوله : ( لقينا من هذا البرح ) هو بفتح الباء وإسكان الراء أي : شدة .

                                                                                                                قوله : ( يتخللون الشجر ) أي : يدخلون من خلالها أي : بينها .

                                                                                                                قوله : ( ماء يقال له : ذا قرد ) كذا هو في أكثر النسخ المعتمدة ( ذا ) بألف ، وفي بعضها : ( ذو قرد ) بالواو ، وهو الوجه .

                                                                                                                قوله : ( فحليتهم عنه ) هو بحاء مهملة ولام مشددة غير مهموزة أي طردتهم عنه ، وقد فسره في الحديث بقوله : يعني أجليتهم عنه بالجيم ، قال القاضي : كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز ، قال : وأصله الهمز فسهله ، وقد جاء مهموزا بعد هذا في هذا الحديث .

                                                                                                                قوله : ( فأصكه بسهم في نغض كتفه ) هو بنون مضمومة ثم غين معجمة ساكنة ثم ضاد معجمة ، وهو العظم الرقيق على طرف الكتف ، سمي بذلك لكثرة تحركه ، وهو الناغض أيضا .

                                                                                                                [ ص: 505 ] قوله : ( يا ثكلته أمه أكوعه بكرة ؟ قلت : نعم ) معنى ثكلته أمه : فقدته ، وقوله : ( أكوعه ) هو برفع العين ، أي : أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار ، ولهذا قال : نعم ، ( وبكرة ) : منصوب غير منون ، قال أهل العربية : يقال : أتيته بكرة بالتنوين ، إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير معين ، قالوا : وإن أردت بكرة يوم بعينه قلت : أتيته بكرة ، غير مصروف ; لأنها من الظروف غير المتمكنة .

                                                                                                                قوله : ( وأردوا فرسين على ثنية ) قال القاضي : رواية الجمهور بالدال المهملة ، ورواه بعضهم بالمعجمة ، قال : وكلاهما متقارب المعنى ، فبالمعجمة معناه : خلفوهما . والرذي : الضعيف من كل شيء ، وبالمهملة معناه : أهلكوهما وأتعبوهما حتى أسقطوهما وتركوهما ، ومنه : التردية ، وأردت الفرس الفارس أسقطته .

                                                                                                                قوله : ( ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن ) السطيحة : إناء من جلود سطح بعضها على بعض ، والمذقة : بفتح الميم وإسكان الذال المعجمة ، قليل من لبن ممزوج بماء .

                                                                                                                قوله : ( وهو على الماء الذي حلأتهم عنه ) كذا هو في أكثر النسخ ( حلأتهم ) بالحاء المهملة [ ص: 506 ] والهمز ، وفي بعضها ( حلبتهم عنه ) بلام مشددة غير مهموز ، وقد سبق بيانه قريبا .

                                                                                                                قوله : ( نحر ناقة من الإبل الذي استنفذت من القوم ) كذا في أكثر النسخ ( الذي ) وفي بعضها : ( التي ) وهو أوجه ; لأن الإبل مؤنثة ، وكذا أسماء الجموع من غير الآدميين ، والأول صحيح أيضا ، وأعاد الضمير إلى الغنيمة لا إلى لفظ الإبل .

                                                                                                                قوله : ( ضحك حتى بدت نواجذه ) بالذال المعجمة أي أنيابه ، وقيل : أضراسه ، والصحيح الأول ، وسبق بيانه في كتاب الصيام .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة ) هذا فيه استحباب الثناء على الشجعان وسائر أهل الفضائل لا سيما عند صنيعهم الجميل ، لما فيه من الترغيب لهم ولغيرهم في الإكثار من ذلك الجميل ، وهذا كله في حق من يأمن الفتنة عليه بإعجاب ونحوه .

                                                                                                                قوله : ( ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين : سهم الفارس وسهم الراجل فجمعهما لي ) هذا محمول على أن الزائد على سهم الراجل كان نفلا ، وهو حقيق باستحقاق النفل - رضي الله عنه - لبديع صنعه في هذه الغزوة .

                                                                                                                ( وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدا ) يعني عدوا على الرجلين .

                                                                                                                قوله : ( فطفرت ) أي وثبت وقفزت .

                                                                                                                قوله : ( فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي ) معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد ، والشرف : ما ارتفع من الأرض . وقوله : ( أستبقي نفسي ) بفتح الفاء أي لئلا يقطعني [ ص: 507 ] البهر ، وفي هذا دليل لجواز المسابقة على الأقدام ، وهو جائز بلا خلاف إذا تسابقا بلا عوض ، فإن تسابقا على عوض ففي صحتها خلاف ، الأصح عند أصحابنا : لا تصح .

                                                                                                                قوله : ( فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم ) هكذا قال هنا ( عمي ) وقد سبق في حديث أبي الطاهر عن ابن وهب أنه قال : ( أخي ) فلعله كان أخاه من الرضاعة ، وكان عمه من النسب .

                                                                                                                قوله : ( يخطر بسيفه ) هو بكسر الطاء أي : يرفعه مرة ويضعه أخرى ، ومثله خطر البعير بذنبه يخطر بالكسر : إذا رفعه مرة ووضعه مرة .

                                                                                                                قوله : ( شاك السلاح ) أي : تام السلاح ، يقال : رجل شاكي السلاح ، وشاك السلاح وشاك في السلاح من الشوكة ، وهي القوة ، والشوكة أيضا : السلاح ، ومنه قوله تعالى : وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم .

                                                                                                                قوله : ( بطل مجرب ) هو بفتح الراء أي : مجرب بالشجاعة وقهر الفرسان ، والبطل : الشجاع ، ويقال : بطل الرجل بضم الطاء يبطل بطالة وبطولة أي : صار شجاعا .

                                                                                                                [ ص: 508 ] قوله : ( بطل مغامر ) بالغين المعجمة أي : يركب غمرات الحرب وشدائدها ويلقي نفسه فيها .

                                                                                                                قوله : ( وذهب عامر يسفل له ) أي : يضربه من أسفله وهو بفتح الياء وإسكان السين وضم الفاء .

                                                                                                                قوله : ( وهو أرمد ) قال أهل اللغة : يقال : رمد الإنسان بكسر الميم يرمد بفتحها رمدا فهو رمد وأرمد إذ هاجت عينه .

                                                                                                                قوله : ( أنا الذي سمتني أمي حيدره ) حيدرة اسم للأسد ، وكان علي - رضي الله عنه - قد سمي أسدا في أول ولادته ، وكان ( مرحب ) قد رأى في المنام أن أسدا يقتله فذكره علي - رضي الله عنه - ذلك ليخيفه ويضعف نفسه ، قالوا : وكانت أم علي سمته أول ولادته أسدا باسم جده لأمه أسد بن هشام بن عبد مناف ، وكان أبو طالب غائبا فلما قدم سماه عليا . وسمي الأسد حيدرة لغلظه ، والحادر : الغليظ القوي ، ومراده أنا الأسد على جرأته وإقدامه وقوته .

                                                                                                                قوله : ( أوفيهم بالصاع كيل السندره ) معناه : أقتل الأعداء قتلا واسعا ذريعا ، والسندرة : مكيال واسع ، وقيل : هي العجلة ، أي أقتلهم عاجلا ، وقيل : مأخوذ من السندرة ، وهي شجرة الصنوبر يعمل منها النبل والقسي .

                                                                                                                قوله : ( فضرب رأس مرحب ) يعني عليا فقتله ، هذا هو الأصح أن عليا هو قاتل مرحب ، [ ص: 509 ] وقيل : إن قاتل مرحب هو محمدبن مسلمة ، قال ابن عبد البر في كتابه الدرر في مختصر السير : قال محمدبن إسحاق : إن محمدبن مسلمة هو قاتله . قال : وقال غيره : إنما كان قاتله عليا ، قال ابن عبد البر : هذا هو الصحيح عندنا ، ثم روى ذلك بإسناده عن سلمة وبريدة ، قال ابن الأثير : الصحيح الذي عليه أكثر أهل الحديث وأهل السير أن عليا هو قاتله . والله أعلم .

                                                                                                                واعلم أن في هذا الحديث أنواعا من العلم سوى ما سبق التنبيه عليه :

                                                                                                                منها : أربع معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إحداها : تكثير ماء الحديبية ، والثانية : إبراء عين علي - رضي الله عنه - والثالثة : الإخبار بأنه يفتح الله على يديه ، وقد جاء التصريح به في رواية غير مسلم هذه ، والرابعة : إخباره صلى الله عليه وسلم بأنهم يقرون في غطفان ، وكان كذلك .

                                                                                                                ومنها : جواز الصلح مع العدو .

                                                                                                                ومنها : بعث الطلائع وجواز المسابقة على الأرجل بلا عوض ، وفضيلة الشجاعة والقوة .

                                                                                                                ومنها : مناقب سلمة بن الأكوع ، وأبي قتادة ، والأحزم الأسعدي ، رضي الله عنهم .

                                                                                                                ومنها : جواز الثناء على من فعل جميلا واستحباب ذلك إذا ترتب عليه مصلحة كما أوضحناه قريبا .

                                                                                                                ومنها : جواز عقر خيل العدو في القتال ، واستحباب الرجز في الحرب ، وجواز قول الرامي والطاعن والضارب : خذها وأنا فلان أو ابن فلان .

                                                                                                                ومنها : جواز الأكل من الغنيمة واستحباب التنفيل منها لمن صنع صنيعا جميلا في الحرب ، وجواز الإرداف على الدابة المطيقة ، وجواز المبارزة بغير إذن الإمام كما بارز عامر . ومنها : ما كانت الصحابة - رضي الله عنهم - عليه من حب الشهادة والحرص عليها .

                                                                                                                ومنها : إلقاء النفس في غمرات القتال ، وقد اتفقوا على جواز التغرير بالنفس في الجهاد في المبارزة ونحوها .

                                                                                                                ومنها : أن من مات في حرب الكفار بسبب القتال يكون شهيدا سواء مات بسلاحهم أو رمته دابة أو غيرها ، أو عاد عليه سلاحه كما جرى لعامر .

                                                                                                                ومنها : تفقد الإمام الجيش ومن رآه بلا سلاح أعطاه سلاحا .




                                                                                                                الخدمات العلمية