الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1750 حدثنا إسحق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده قال فوجدت عنده سهل بن حنيف قال فدعا أبو طلحة إنسانا ينزع نمطا تحته فقال له سهل لم تنزعه فقال لأن فيه تصاوير وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما قد علمت قال سهل أولم يقل إلا ما كان رقما في ثوب فقال بلى ولكنه أطيب لنفسي قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( يعوده ) أي لعيادته في مرضه ( فوجد عنده ) أي عند أبي طلحة ( سهل بن حنيف ) بصيغة التصغير ( ينزع نمطا تحته ) أي ليخرج نمطا كان تحته ، والنمط بفتح النون والميم وهو ظهارة الفراش وقيل : ظهر الفراش ، ويطلق أيضا على بساط لطيف له خمل يجعل على الهودج وقد يجعل سترا ( لم تنزعه ) أي لأي سبب تخرجه من تحتك ( لأن فيها ) وفي رواية مالك في الموطأ : لأن فيه بتذكير الضمير وهو الظاهر أي في ذلك النمط ( ما قد علمت ) أي من أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ( إلا ما كان رقما ) بالفتح أي نقشا . قال النووي : يحتج به من يقول بإباحة ما كان رقما مطلقا ، وجوابنا وجواب الجمهور عنه أنه محمول على رقم على صورة الشجر وغيره مما ليس بحيوان ، وقد قدمنا أن هذا جائز عندنا انتهى .

                                                                                                          وقال الحافظ في الفتح : قال ابن العربي : حاصل ما في اتخاذ الصور أنها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع ، وإن كانت رقما فأربعة أقوال . الأول : يجوز مطلقا على ظاهر قوله في حديث الباب : إلا رقما في ثوب ، الثاني : المنع مطلقا حتى الرقم ، الثالث : إن كانت الصورة باقية الهيئة قائمة الشكل حرم ، وإن قطعت الرأس أو تفرقت الأجزاء جاز ، قال : وهذا هو الأصح . الرابع : إن كان مما يمتهن جاز ، وإن كان معلقا لم يجز انتهى وقد حكم ابن عبد البر على القول الثالث بأنه أعدل الأقوال كما في التعليق الممجد ( قال بلى ) أي قد قال ذلك ( أطيب لنفسي ) أي أطهر للتقوى واختيار الأولى .

                                                                                                          واستدل بهذا الحديث على أن التصاوير إذا كانت في فراش أو بساط أو وسادة فلا بأس بها . قال محمد في موطئه بعد رواية هذا الحديث ما لفظه : وبهذا نأخذ ما كان فيه من تصاوير من بساط يبسط أو فراش يفرش أو وسادة فلا بأس بذلك إنما يكره من ذلك في الستر وما ينصب نصبا ، وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى .

                                                                                                          قلت : في الاستدلال بهذا الحديث على هذا المطلوب نظر من وجهين :

                                                                                                          الأول : أن المراد بقوله : " إلا ما كان رقما في ثوب " تصوير غير الحيوان جمعا بين الأحاديث كما صرح به النووي .

                                                                                                          [ ص: 352 ] والثاني : أنه لو كان المراد مطلق التصاوير سواء كانت للحيوان أو لغيره لزم أن يكون اتخاذ التصاوير كلها جائزا سواء كانت في الستر أو في ما ينصب نصبا أو في البساط والوسادة ؛ لأنه مطلق ليس فيه تقييد بكونها في البساط أو غيره وهو كما ترى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مالك في الموطأ .




                                                                                                          الخدمات العلمية