الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في المصورين

                                                                                                          1751 حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صور صورة عذبه الله حتى ينفخ فيها يعني الروح وليس بنافخ فيها ومن استمع إلى حديث قوم وهم يفرون به منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة قال وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأبي هريرة وأبي جحيفة وعائشة وابن عمر قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( من صور صورة ) كذا أطلق وظاهره التعميم فيتناول صورة ما لا روح فيه ، لكن الذي فهم ابن عباس من بقية الحديث التخصيص بصورة ذوات الأرواح من قوله : كلف أن ينفخ فيها الروح ، فاستثنى ما لا روح فيه كالشجر ( عذبه الله حتى ينفخ فيها ) أي في تلك الصورة . قال الحافظ : استعمال " حتى " هنا نظير استعمالها في قوله تعالى حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذا قولهم لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب ( وليس بنافخ فيها ) أي لا يمكنه ذلك فيكون معذبا دائما . وقد استشكل هذا الوعيد في حق المسلم ، فإن وعيد القاتل عمدا ينقطع عند أهل السنة مع ورود تخليده بحمل التخليد على مدة مديدة ، وهذا الوعيد أشد منه لأنه مغيا بما لا يمكن وهو نفخ الروح فلا يصح أن يحمل على أن المراد أنه يعذب زمانا طويلا ثم يتخلص ; والجواب أنه يتعين تأويل الحديث على أن المراد به الزجر الشديد بالوعيد بعقاب الكافر ليكون أبلغ في الارتداع ، وظاهره غير مراد ، وهذا في حق العاصي بذلك ، وأما من فعله مستحلا فلا إشكال فيه . قال النووي في شرح مسلم : هذه الأحاديث يعني حديث ابن عباس وغيره صريحة في تحريم تصوير الحيوان وأنه غليظ التحريم ، وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه فلا يحرم صنعته ولا التكسب به ، وسواء الشجر المثمر أو غيره ، وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهدا فإنه جعل الشجر المثمر من المكروه . قال القاضي لم يقله أحد غير مجاهد ، واحتج مجاهد بقوله تعالى : ومن أظلم ممن [ ص: 353 ] ذهب يخلق خلقا كخلقي ، واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم : ويقال لهم أحيوا ما خلقتم ، أي اجعلوه حيوانا ذا روح كما ضاهيتم وعليه رواية : ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي ، ويؤيده حديث ابن عباس : إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له انتهى ( ومن استمع إلى حديث قوم يفرون منه ) أي يبتعدون منه ومن استماعه كلامهم ( صب ) بضم صاد مهملة وتشديد موحدة أي سكب ( في أذنه الآنك ) بالمد وضم النون ومعناه الأسرب بالفارسية ، وفي النهاية هو الرصاص الأبيض ، وقيل الأسود ، وقيل الخالص ( يوم القيامة ) الجملة دعاء ، كذا قيل ، والأظهر أنه إخبار كما يدل عليه السابق واللاحق .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأبي هريرة وأبي جحيفة وعائشة وابن عمر ) أما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الشيخان عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أشد الناس عذابا عند الله المصورون . وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد والشيخان عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تعالى : " ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي ، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة " وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه البخاري في باب من لعن المصور . وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان . وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم .

                                                                                                          قوله : ( حديث ابن عباس حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري .




                                                                                                          الخدمات العلمية