الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      المسألة الخامسة : إذا حلف لا يفعل أمرا من المعروف كالإصلاح بين الناس ونحوه ، فليس له الامتناع من ذلك والتعلل باليمين ، بل عليه أن يكفر عن يمينه ، ويأتي الذي هو خير ; لقوله تعالى : ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس الآية [ 2 \ 224 ] ، أي لا تجعلوا أيمانكم بالله تعالى مانعة لكم من البر ، وصلة الرحم إذا حلفتم على تركها ، ونظير الآية قوله تعالى في حلف أبي بكر - رضي الله عنه - ألا ينفق على مسطح ، لما قال في عائشة رضي الله عنها ما قال : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم [ 24 \ 22 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله - صلى الله عليه وسلم : " والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه " ، متفق عليه من حديث أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله - صلى الله عليه وسلم : " إني والله - إن شاء الله - لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها " ، متفق عليه أيضا من حديث أبي موسى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن سمرة : " يا عبد الرحمن بن سمرة ، لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها ، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير ، وكفر عن يمينك " ، متفق عليه أيضا ، والأحاديث في الباب كثيرة . وهذا هو الحق في المسألة خلافا لمن قال : [ ص: 426 ] كفارتها تركها متمسكا بأحاديث وردت في ذلك ، قال أبو داود : والأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها : " فليكفر عن يمينه " ، وهي الصحاح ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : تحرير رقبة ، لم يقيد هنا رقبة كفارة اليمين بالإيمان ، وقيد به كفارة القتل خطأ .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه من مسائل المطلق والمقيد في حالة اتفاق الحكم ، مع اختلاف السبب ، وكثير من العلماء يقولون فيه بحمل المطلق على المقيد ، فتقيد رقبة اليمين والظهار بالقيد الذي في رقبة القتل خطأ ، حملا للمطلق على المقيد ، وخالف في ذلك أبو حنيفة ومن وافقه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب " ، في سورة النساء عند قوله تعالى : فتحرير رقبة مؤمنة [ 4 \ 92 ] ; ولذلك لم نطل الكلام بها هنا ، والمراد بالتحرير الإخراج من الرق ، وربما استعملته العرب في الإخراج من الأسر ، والمشقات ، وتعب الدنيا ونحو ذلك ، ومنه قول والدة مريم : إني نذرت لك ما في بطني محررا [ 3 \ 35 ] ، أي من تعب أعمال الدنيا ، ومنه قول الفرزدق همام بن غالب التميمي : [ الكامل ]


                                                                                                                                                                                                                                      أبني غدانة إنني حررتكم فوهبتكم لعطية بن جعال



                                                                                                                                                                                                                                      يعني حررتكم من الهجاء ، فلا أهجوكم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية