الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( المسألة الحادية عشرة : حصر الإرادة في شهوات الحياة الدنيا وزينتها دون الآخرة والاستعداد لها ) :

                          خلق الله - تعالى - هذا الإنسان مستعدا لعلوم ومعارف لا حد لها ، فجعله خليفة له في الأرض - وعلم آدم الأسماء كلها - 2 : 31 ولذلك ترى الناس يبحثون عن جميع الموجودات مما في الأرض وفي السماوات ، من كشف عن قطبي الأرض وشناخيب أعلى الجبال ، [ ص: 185 ] وغوص في أعماق البحار ، وتحليق في أقصى محيط الهواء ، بل تجاوزوا كل هذا إلى رؤية ما فوقه من شموس وأقمار ، وما تتألف منه من ضياء وأنوار ، وما فيها من عجائب وأسرار ، ويبذلون في سبيل ذلك الأموال والشهوات والحياة أيضا ، وهم مستعدون بفطرتهم الروحية للوصول إلى ما هو أعلى من ذلك كله من عالم الغيب ، والوصول إلى العلم الأعلى بالله الواحد القهار ، ومعرفته معرفة كشف ورؤية بالبصائر يغشي نورها الأبصار ، بالتجلي الذي ترفع به أكثر الحجب والأستار ، بغير كيف ولا حد ولا انحصار ، في حياة بعد هذه الحياة الدنيوية ، المقيدة فيها أرواحهم بهذه الأشباح الكثيفة الجسدية ، وإن له - تعالى - هنالك لتجليات لعباده المقربين ، كما تجلى كلامه في الدنيا لأسماعهم وأبصارهم وعقولهم وقلوبهم بما يعلو كلام المخلوقين . أفليس من الحماقة والجناية على هذا الاستعداد العلوي العظيم ، أن يجعل هذا الإنسان إرادته محصورة في هذه الحياة المادية ، وزينتها الجسدية ، فيكون منكرا أو كالمنكر لتلك الحياة الأبدية ؟ بلى وذلك قوله - تعالى - : - من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون - 11 : 15 و 16 وما في معناهما من الآيات .

                          ( فإن قيل ) : وما تفعل بقوله - تعالى - : - قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة - 7 : 32 الآية ؟

                          ( قلت ) : إنما كانت للمؤمنين في الدنيا بالاستحقاق ، وإن شاركهم غيرهم بالكسب وسنن الأسباب ، لأنهم هم الذين يشكرونها لله ولا تشغلهم عنه فتكون إرادتهم محصورة في التمتع بها ، كيف وهم الذين قال فيهم : - ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين 6 : 52 ، - واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه - 18 : 28 فالمؤمن الشاكر الصابر تزيده النعم شوقا إلى الله وحبا ، والشدائد معرفة بالله وقربا .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية