الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إذ :

ترد على أوجه :

أحدها : أن تكون اسما للزمن الماضي وهو الغالب ، ثم قال الجمهور لا تكون إلا ظرفا ، نحو : فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا [ التوبة : 40 ] ، أو مضافا إليها الظرف ، نحو : إذ هديتنا [ آل عمران : 8 ] يومئذ تحدث [ الزلزلة : 4 ] ، وأنتم حينئذ تنظرون [ الواقعة : 84 ] .

[ ص: 458 ] وقال غيرهم تكون مفعولا به ، نحو : واذكروا إذ كنتم قليلا [ الأعراف : 86 ] وكذا المذكورة في أوائل القصص كلها مفعول به بتقدير : ( اذكر ) .

وبدلا منه ، نحو : واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت [ مريم : 16 ] ; فإذ بدل اشتمال من مريم ، على حد البدل في يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه [ البقرة : 217 ] اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء [ المائدة : 20 ] أي : اذكروا النعمة التي هي الجعل المذكور ، فهي بدل كل من كل ، والجمهور يجعلونها في الأول ظرفا لمفعول محذوف ، أي : واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم قليلا . وفي الثاني ظرفا لمضاف إلى المفعول محذوف ، أي : واذكر قصة مريم ، ويؤيد ذلك التصريح به في : واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء [ آل عمران : 103 ] .

وذكر الزمخشري أنها تكون مبتدأ ، وخرج عليه قراءة بعضهم : ( لمن من الله على المؤمنين ) قال : التقدير : ( منه إذ بعث ) فإذ في محل رفع ، كإذا في قولك : أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما ، أي : لمن من الله على المؤمنين وقت بعثه . انتهى . قال ابن هشام : ولا نعلم بذلك قائلا .

وذكر كثير أنها تخرج عن المضي إلى الاستقبال ، نحو : يومئذ تحدث أخبارها [ الزلزلة : 4 ] ، والجمهور أنكروا ذلك ، وجعلوا الآية من باب : ونفخ في الصور [ الكهف : 99 ] ، أعني من تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة الماضي الواقع .

واحتج المثبتون - منهم ابن مالك - بقوله تعالى : فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم [ غافر : 70 ، - 71 ] فإن ( يعلمون ) مستقبل لفظا ومعنى ، لدخول حرف التنفيس عليه ، وقد عمل في ( إذ ) فيلزم أن تكون بمنزلة ( إذا ) .

وذكر بعضهم أنها تأتي في الحال ، نحو : ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه [ يونس : 61 ] أي : حين تفيضون فيه .

فائدة :

أخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي ، عن أبي مالك قال : ما كان في القرآن ( إن ) بكسر الألف فلم يكن ، وما كان ( إذ ) فقد كان .

الوجه الثاني : أن تكون للتعليل ، نحو : ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون [ الزخرف : 39 ] أي : ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب ، لأجل ظلمكم في الدنيا .

[ ص: 459 ] وهل هي حرف بمنزلة لام العلة ، أو ظرف بمعنى وقت ، والتعليل مستفاد من قوة الكلام لا من اللفظ ؟ قولان ، المنسوب إلى سيبويه الأول .

وعلى الثاني : في الآية إشكال ; لأن ( إذ ) لا تبدل من اليوم لاختلاف الزمانين ولا تكون ظرفا ل ( ينفع ) ; لأنه لا يعمل في ظرفين ، ولا ل ( مشتركون ) ; لأن معمول خبر ( إن ) وأخواتها لا يتقدم عليها ، ولأن معمول الصلة لا يتقدم على الموصول ، ولأن اشتراكهم في الآخرة ، لا في زمن ظلمهم .

ومما حمل على التعليل : وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم [ الأحقاف : 11 ] وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف [ الكهف : 16 ] وأنكر الجمهور هذا القسم ، وقالوا : التقدير : ( بعد إذ ظلمتم ) .

وقال ابن جني : راجعت أبا علي مرارا في قوله تعالى : ولن ينفعكم اليوم الآية ، مستشكلا إبدال ( إذ ) من ( اليوم ) ، وآخر ما تحصل منه : أن الدنيا والآخرة متصلتان ، وأنهما في حكم الله سواء فكأن اليوم ماض . انتهى .

الوجه الثالث : التوكيد ، بأن تحمل على الزيادة ، قاله أبو عبيدة ، وتبعه ابن قتيبة ، وحملا عليه آيات منها : وإذ قال ربك للملائكة [ البقرة : 30 ] .

الرابع : التحقيق كقد ، وحملت عليه الآية المذكورة . وجعل منه السهيلي قوله بعد إذ أنتم مسلمون [ آل عمران : 80 ] ، قال ابن هشام : وليس القولان بشيء .

مسألة :

تلزم ( إذ ) الإضافة إلى جملة : إما اسمية نحو : واذكروا إذ أنتم قليل [ الأنفال : 26 ] أو فعلية فعلها ماض لفظا ومعنى ، نحو : وإذ قال ربك للملائكة [ البقرة : 30 ] وإذ ابتلى إبراهيم ربه [ البقرة : 124 ] . أو معنى لا لفظا ، نحو : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه [ الأحزاب : 37 ] وقد اجتمعت الثلاثة في قوله تعالى : إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه [ التوبة : 40 ] . وقد تحذف الجملة للعلم بها ، ويعوض عنها التنوين ، وتكسر الذال لالتقاء الساكنين ، نحو : ويومئذ يفرح المؤمنون [ الروم : 4 ] . وأنتم حينئذ تنظرون [ الواقعة : 84 ] .

وزعم الأخفش أن ( إذ ) في ذلك معربة ، لزوال افتقارها إلى الجملة ، وأن الكسرة إعراب ; لأن اليوم والحين مضافان إليها . ورد بأن بناءها لوضعها على حرفين ، وبأن الافتقار باق في المعنى ، كالموصول تحذف صلته .

التالي السابق


الخدمات العلمية