الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5065 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا ذر ! لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ، ولا حسب كحسن الخلق " .

التالي السابق


5065 - ( وعن أبي ذر قال : قال لي ) أي : مخاطبا ( رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ! لا عقل كالتدبير ) قال الطيبي : أراد بالتدبير العقل المطبوع لما سبق من أن العقل المسموع لا يعتد به ولا يحتسب لصاحبه إلا بالعقل المطبوع . قلت : وقد تقدم أن العقل المطبوع لا نفع له بدون العقل المسموع ، بل ربما ينفع المسموع بدون [ ص: 3169 ] المطبوع كمن آمن بمجرد التقليد ، فالمعنى لا عقل كعقل التدبير أي كالعقل الذي يصحبه التدبير ، وهو الذي ينظر في دبر الأمر وعاقبته ويميز ما يحمد ويذم في الآخرة ولا شك أن مداره على العقل المسموع ( ولا ورع كالكف ) أي ولا تورع عن المحرمات والشبهات مثل الكف عن المعاملات وترك المباحات لا الضروريات ( ولا حسب ) أي : لا مكرمة وشرف ( كحسن الخلق ) أي كمداراة الخلق مع مراعاة الحق ، هذا وفي النهاية الورع في الأصل الكف عن المحارم والتحرج فيه ، ثم استعير للكف عن المباح والحلال " قلت : فالمراد بالورع في الحديث معناه الأصلي ، وبالكف معناه العرفي على ما قررناه ، ولما غفل الطيبي عما حررناه ، قال بعد كلام صاحب النهاية ، فإن قلت : فعلى هذا الورع وهو الكف ، فكيف قيل ولا ورع كالكف ؟ قلت : الكف إذا أطلق فهم منه كف الأذى ، أو كف اللسان ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : " كف هذا " وأخذ بلسانه ، كأنه قيل : ولا ورع كالصمت أو الكف عن أذى المسلمين ولا حسب كحسن الخلق أي : لا مكارم مكتسبة كحسن الخلق مع الخلق ، فالأول عام ، والثاني خاص . قلت : الصواب أن الأول خاص ، والثاني عام لأن حسن الخلق شامل لجميع أنواع المستحسنات ، ولذا ورد : الخلق الحسن أحسن الحسن ، وقال تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم فكل الصيد في جوف الفرا . والله أعلم .




الخدمات العلمية