الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  [ ص: 298 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                  ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا

                                                                  أخبرنا الشيخ أبو الحسن مسعود بن أبي منصور بن محمد بن الحسين الجمال الأصبهاني بقراءتي عليه بها سنة خمس وتسعين وخمسمائة ، أبنا أبو منصور بن محمد بن إسماعيل بن محمد الصيرفي ، أبنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن الحسين بن فاذشاه ، أبنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال :

                                                                  حديث بلال بن رباح في نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                  49 - حدثنا أحمد بن خليد الحلبي ، ثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، حدثنا معاوية بن سلام ، عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام قال : حدثني عبد الله الهوزني قال : لقيت بلالا مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : يا بلال ، حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : " ما كان له شيء ، كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله - عز وجل - حتى توفي ، وكان إذا أتاه الإنسان المسلم فرآه عاريا يأمرني به فأنطلق فأستقرض فأشتري البردة فأكسوه وأطعمه ، حتى اعترضني رجل من المشركين فقال : يا بلال ، إن عندي سعة ، فلا تستقرض من أحد إلا مني [ ص: 299 ] ففعلت ، فلما كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة ، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار ، فلما رآني قال : يا حبشي ، قلت : يا لبيك ، فتجهمني وقال لي قولا عظيما ، فقال لي : أتدري كم بينك وبين الشهر ؟ قلت : قريب ، قال : إنما بينك وبينه أربعة ، فآخذك بالذي عليك ، فإني لم أعطك الذي أعطيتك من كرامتك ولا كرامة صاحبك علي ، ولكن إنما أعطيتك لآخذك لأتخذك لي عبدا ، فأردك ترعى الغنم كما كنت ترعى قبل ذلك ، فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس ، ثم انطلقت فناديت بالصلاة ، حتى إذا صليت العتمة رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهله ، فاستأذنت عليه فأذن لي ، فقلت : يا رسول الله ، إن المشرك الذي أدنت منه قال لي كذا وكذا ، وليس عندك ما تقضي عني ، وليس عندي ، وهو فاضحي ، فأذن لي أن آتي إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يؤتي الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يقضي عني ، فخرجت حتى أتيت منزلي ، فجعلت سيفي وجرابي ومجني ونعلي عند رأسي ، واستقبلت بوجهي الأفق ، فكلما نمت ساعة انتبهت ، فإذا رأيت علي ليلا نمت حتى ينشق عمود الصبح الأول ، فأردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو : يا بلال ، أجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فانطلقت فأتيته فإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنته ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبشر ، فقد جاءك الله بقضائك " فحمدت الله تعالى ، وقال : " ألم تمر على الركائب المناخات الأربع ؟ " قلت : بلى ، قال : إن لك رقابهن وما عليهن ، فإن عليهن كسوة وطعاما أهداهن إلي عظيم فدك ، فاقبضهن ثم اقض دينك " ، ففعلت فحططت عنهن أحمالهن ثم عقلتهن ثم [ ص: 300 ] قمت إلى تأذيني صلاة الصبح ، حتى إذا صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرجت إلى البقيع فجعلت أصبعي في أذني فناديت ، فقلت : من كان يطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدين فليحضر ، فما زلت أبيع حتى فضل في يدي أوقيتان أو أوقية ونصف ، ثم انطلقت إلى المسجد وقد ذهب عامة النهار ، وإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد في المسجد وحده ، فسلمت عليه ، فقال لي : " ما فعل ما قبلك ؟ " قلت : قد قضى الله كل شيء كان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يبق شيء ، قال : " أفضل شيء ؟ " قلت : نعم ، قال : " انظر أن تريحني منها فإني لست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منه فلم يأتنا أحد حتى أمسينا ، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العتمة دعاني ، فقال لي : " ما فعل ما قبلك ؟ " قلت : هو معي ولم يأتني أحد ، فبات في المسجد حتى أصبح وظل اليوم الثاني حتى كان في آخر النهار ، فجاء راكبان فانطلقت بهما فأطعمتهما وكسوتهما ، حتى إذا صلى العتمة دعاني فقال : " ما فعل الذي قبلك ؟ " فقلت : قد أراحك الله منه يا رسول الله ، فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك ، ثم اتبعته حتى جاء أزواجه فسلم على امرأة امرأة حتى أتى مبيته ، فهو الذي سألتني عنه " .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية