الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفائدة الثالثة عشرة :

                                                                                                                في قوله تعالى : فلكل واحد منهما السدس أعطي له ما كان لأمه التي يدلي بها ، ولذلك استوى ذكرهم وأنثاهم ; لأن الأصل أنثى فلا أثر للذكورة ، والأم إنما ترث السدس مع وجودهما فكان ذلك للواحد ، والأم لها حالان : الثلث والسدس ، فجعل حالاها لحالتهما ، إن انفرد الواحد فالسدس ، أو اجتمعوا فالثلث ، فسر هذه الفروض الأم وسر الأم فيهما الأب والبنوة كما تقدم ، ولما كان أعلى أحوال الأم الثلث ، وأقل أحوالها السدس ، وأعلى أحوال الإخوة الاجتماع وأدناها الانفراد ، فرض الأعلى للأعلى والأدنى للأدنى واستوى الذكر والأنثى ، بخلاف الأشقاء والأولاد وسائر القرابات والزوجين ; لأن الذكر حيث فضل الأنثى إنما كان إذا كان الذكر عاصبا ولا عصوبة مع الإدلاء بأنثى التي هي الأم ، وأما الزوج وإن لم يكن عصبة فلأنه يدلي بنفسه ، وهو أشرف من الزوجة بالذكورة ، وهاهنا الأخ الذكر للأم لم يدل بنفسه بل بالأم فيسقط اعتبار خصوص كونه ذكرا .

                                                                                                                الفائدة الرابعة عشرة

                                                                                                                في قوله تعالى : قل الله يفتيكم في الكلالة تقدم اشتقاقها وتلك الأقوال الثلاثة التي في مسماها هاهنا ، وكان عمر - رضي الله عنه - يستشكلها كثيرا ، وعنه في ذلك حكايات نقلها ابن عطية ، إحداها روي عنه : ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - مراجعتي في الكلالة ، ولوددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - لم يمت حتى يبينها وثانيتها : كان يقول على المنبر : ثلاث لو بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم - لكان أحب إلي من الدنيا : الجد والكلالة ، والخلافة ، وأبواب من الربا ، وثالثها : أنه كتب كتابا فيها ومكث يستخير الله تعالى فيه ويقول : اللهم إن علمت فيه خيرا فأمضه ، فلما طعن دعا بالكتاب فمحي ولم يعلم ما فيه ، ورابعتها : أنه جمع [ ص: 36 ] أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : لأقضين في الكلالة بقضاء تتحدث به النساء في خدورها فخرجت عليهم حية من البيت وتفرقوا فقال : لو أراد الله أن يتم هذا الأمر لأتمه ، وخامستها : أنه خطب الناس يوم جمعة ، فقال : والله ما أدع بعدي شيئا أهم من الكلالة ، وقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم - فما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيها حتى طعن في نحري ، وقال : تكفيك آية الصيف التي أنزلت في آخر سورة النساء ، فإن أعش فسأقضي فيها بقضية لا يختلف فيها اثنان ممن يقرأ القرآن ، وعن عقبة بن عامر : ما أعضل بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - شيء ما أعضلت بهم الكلالة ، قال ابن عطية : فظاهر كلام عمر أنها آية الصيف ، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الكلالة فقال : ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصيف وإن كان رجل يورث كلالة إلى آخر الآية ، واستشكل جماعة استشكال عمر - رضي الله عنه - لها ، فإنها بينة غير أن اللفظ لا دلالة له على خصوص كونه اسما للميت أو المال أو الورثة ، ولا على إخوة لأم أو أشقاء أو لأب ، فلعله موضع الإشكال ، غير أنه لا يعرف أن المراد بالآية الأولى إخوة الأم ، وبهذه إخوة الأب أو الشقائق .

                                                                                                                الفائدة الخامسة عشرة

                                                                                                                في قوله تعالى : وله أخت فلها نصف ما ترك إنما كان لها النصف لأنها بنت أبيه ، فالأخوات في الحقيقة بنات غير أنهن أبعد مرتبة ، فلا جرم قدم بنات الصلب عليهن وأجرين مجراهن عند عدمهن ، ولما كان الأخ الذكر إذا انفرد له الكل كان لها النصف ; لأن الأنثى نصف الذكر كما تقدم ، وللأنثيين فأكثر الثلثان لأن الأنثيين كذكر ، والذكر له الثلثان مع الأخت فجعل ذلك لهما ، ولو بقيت البنت أو الأخت على النصف حالة الاجتماع ولم تضار بأختها مع أن الابن لا يبقى على حاله عند الانفراد إذا كان معه أخته ويضار بها للزم ترجيح الأنثيين على الذكر ، فكان المناسب أن يجعل الأنثيان مثل الذكر في أصل الفرض والمضارة ، وسوي بين الأنثيين والزائد عليهما كما سوي بين الذكر والزائد عليه في حوز جميع [ ص: 37 ] المال ، واستفيد الزائد من آية البنات ، كما استفيد حكم البنتين من هذه الآية ، فبقيت كل واحدة من الآيتين مبينة للأخرى ، وقد تقدم بسطه في البنات .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية