الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الخامس : فيمن يحرم منه ، وفي الجواهر : تحرم منه أصول ثلاثة : المرضعة فتصير أما ، وزوجها فيصير أبا ، والصبي فيصير ابنا ، والفروع المرتبة على هذه الأصول ، كحرمة النسب لقوله عليه السلام : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) متفق على صحته فيحرم الراضع أمهات المرضعة بالنسب والرضاع ; لأنهن جدات ، وأخواتها نسبا ورضاعا ; لأنهن خالات ، وأولادها نسبا ورضاعا ; لأنهن أخوات ، وكذلك فروع هذه المحرمات على قانون النسب فلا يستثنى إلا أولاد الأعمام [ ص: 280 ] والعمات كالقرابات ، ولا تحرم المرضعة على أبي الرضيع ، ولا أخيه ; لأنه أجنبي منها ، وقال غيره : كل ما حرم من النسب حرم من الرضاع ، إلا أم ابنه من الرضاع ، وأخت أبيه ; لأنه أجنبي منهما ، وهو متفق عليه .

                                                                                                                تفريع

                                                                                                                في الكتاب : إذا أرضعت صبيا بعد فطام ولدها فهو من زوجها ، وكذلك لو أرضعته وهي حامل أو درت من غير حمل ، وهي متزوجة ; لأن اللبن بسبب وطء الزوج ، ولو انقضت عدتها وهي ترضع فحملت من الثاني فأرضعت صبيا فهو ابن لهما ، قال اللخمي : اللبن يكون للفحل بثلاثة أسباب : أن يوجده ، أو يكثره ، أو يباشر منيه الولد في البطن ، وإذا أصابها وهي ذات لبن من غيره ثم أمسك عنها حتى عاد اللبن إلى ما كان عليه سقط حكم الوطء ، قال مالك : وإذا وطئ أمة حاملا من غيره وقعت الحرمة بالوطء ، ويعتق ذلك الولد على الواطئ بالسراية ; لأنه ابنه ولم يوجب سحنون العتق ، وإن ولدت جارية لم تحل له ; لأنها ابنته ، وإذا أصاب أمة رجلان فأتت بولد فألحقته القافة بأحدهما وقعت الحرمة بينه وبين الآخر ، قاله محمد ، وإذا تزوج امرأة في العدة فأصابها قبل حيضة أو أصاب أمة قبل الاستبراء فحدث لها لبن صارت الحرمة للواطئ الثاني ، وقال ابن شعبان : في هذين لا حكم للثاني تغليبا للأصل ، وفي الأمة تلحق القافة الولد بأحدهما تسقط أبوة الآخر .

                                                                                                                قال ابن يونس : لبن المرضعة بلبن الزنا يعتبر في حقها دون الزاني لسقوط نسبه الذي هو أصل الرضاع ، ولبن الملاعنة يحرم الرجل والمرأة [ ص: 281 ] لقبوله الاستلحاق ، وقال ابن حبيب : اللبن في الوطء بالعقد الفاسد ، وبالزنا يحرم من الطرفين ; لأنه لبن الرجل ، وقد كان مالك يرى أن كل وطء لا يلحق فيه الولد لا يحرم لبنه للفحل ، إلحاقا للرضاع بالنسب ، ثم قال : : يحرم نظرا لوجود اللبن ، والعم من الرضاع لا يحرم أخوة من النسب ولا الرضاع كما لا يحرم أخت من أرضعته الأم ; لانقطاع النسب بين الجنينين ، وكذلك أخت أخ النسب من الرضاع .

                                                                                                                ويحرم الجمع بين المرأة وخالتها من الرضاع كالنسب ، ولو تزوج صغيرتين فأرضعتهما كبيرة اختار واحدة وفارق الأخرى ، ولا يفسد العقد كما يفسد العقد بين الأختين ; لانعقاده صحيحا ، فإن كن أربعا فأرضعت واحدة ثم أخرى فاختار الثانية ثم أرضعت ثالثة اختار أيضا ، فإن فارق الثالثة فأرضعت رابعة حبس الثالثة إن شاء أو الرابعة وفارق الأخرى ، فإن أرضعتهن كلهن فله اختيار واحدة منهن ، ولا يرىابن القاسم المفارقة صداقا ; لأنه فسخ قبل الدخول ، وقال محمد : لها ثمن صداقها ; لأنه لو فارقهن كان له نصف الصداق بينهن ، وقال ابن حبيب : يعطي كل مفارقة نصف صداقها ; لأنه مختار وليس كالفسخ ، واختياره فسخ بغير طلاق عند ابن القاسم لعدم الصداق عنده ، وبطلاق عند غيره ، ولا شيء على المرضعة لهن ، وإن تعدت عند ابن القاسم لعدم وجوب شيء على الزوج ; لأنه غير مطلق ، وعليها للزوج ما غرم كالرجوع على الشاهد عند من يقول للمفارقة صداق .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : لو مات الزوج قبل اختياره فصداق واحد للجميع ، وتتفق الأقوال كلها ; لثبوت نكاح واحدة فيقع التداعي في صداقها ، قال ابن [ ص: 282 ] حبيب : وكذلك المجوسي يسلم عن عشر نسوة قبل البناء فيختار أربعا فيعطي كل مفارقة نصف صداقها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا تزوج كبيرة ورضيعتين في عقد ، وسمى لكل واحدة صداقها فأرضعت الكبيرة إحديهما قبل البناء ، فالكبيرة في عصمته أو بعد فراقها حرمت للأبد ; لأنها أم نسائه دونهن لعدم الدخول ، والصغيرة وهن ربائب بعد بنائه بها فلها الصداق ، وحرمت الصغيرة معها بغير صداق ، فإن فارق الكبيرة بعد أن مسها أو التذ بها فتزوج صغيرة بعد عشرين سنة فأرضعتها حرمت الصغيرة ، ولو أرضعها أهل الأرض حرمن عليه ; لأنهن أمهات نسائه ، وفي الجواهر : لا غرم على المرضعة على المنصوص ، واستقر اللخمي الغرم على المتعدية فلو ارتضعت نائمة لأغرم عليها قولا واحدا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : لو تزوجت المطلقة صغيرا فأرضعته حرمت على المطلق ; لأنها صارت امرأة ابنه ، وكذلك المستولدة .

                                                                                                                [ ص: 283 ] فرع

                                                                                                                قال : إذا تزوج رجلان كبيرة ، وأخرى رضيعة ثم تزوج كل واحد منهما امرأة الآخر ، فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما ; لأنها أم الصغيرة التي كانت امرأتهما ، والصغيرة ربيبته فينظر أدخل بالكبيرة أم لا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : تحته امرأتان أرضعت الكبيرة بلبنها الصغيرة حرمتا ; لأن الكبيرة أم امرأته ، والصغيرة ابنته ، فإن كان اللبن لغيره فالصغيرة ربيبته إن دخل بالكبيرة حرمتا ، وإلا فالكبيرة وحدها ، فلو كان مع الكبيرة ثلاث صغائر فأوجرن لبنها من غيره دفعة واحدة ، وهي مدخول بها ، حرمن مع الكبيرة أو غير مدخول بها حرمت ، وحرم الجميع بينهن ، وإن كان اللبن له حرم الجميع دخل أم لا ; لأنهن بنات لا ربائب فلو كان للكبيرة ثلاث بنات أرضعت كل واحدة صغيرة فالكبيرة جدة الصغار وحرمت ، والصغار ربائب .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية