الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1119 1070 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ; أنه قال . قال عمر بن الخطاب : أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون ، أو جذام ، أو برص ، فمسها ، فلها صداقها كاملا ، وذلك لزوجها غرم على وليها .

                                                                                                                        23503 - قال مالك : وإنما يكون ذلك غرما على وليها لزوجها ، إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها ، أو من يرى أنه يعلم ذلك منها . فأما إذا كان وليها الذي أنكحها ابن عم ، أو مولى ، أو من العشيرة ، ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها ، فليس عليه غرم ، وترد تلك المرأة ما أخذته من صداقها . ويترك لها قدر ما تستحل به .

                                                                                                                        [ ص: 92 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 92 ] 23504 - قال أبو عمر : روي هذا الحديث عن ابن عيينة ، وغيره ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب ، قال : أيما رجل تزوج امرأة ، وبها جنون ، أو جذام ، أو برص ، أو قرن ، فلم يعلم بها حتى أصابها ، فلها مهرها بما استحل منها ، وذلك لزوجها غرم على وليها ، فذكر فيه القران ، ولم يذكره مالك ، وهو محفوظ معمول به عند من يذهب في ذلك مذهب عمر ، بل القران عندهم أوكد ; لأنه يمنع من المعنى المبتغى في النكاح ، وهو الجماع في الأغلب .

                                                                                                                        23505 - وابن عيينة ، عن عمرو ، عن جابر بن زيد ، قال : أربع لا تجوز في بيع ، ولا نكاح إلا أن يمس ، فإن مس جاز : الجنون ، والجذام ، والبرص ، والقرن .

                                                                                                                        23506 - قال أبو عمر : هذه مسألة اختلف فيها السلف والخلف :

                                                                                                                        [ ص: 93 ] 23506 م - فروي عن عمر ما ذكره مالك .

                                                                                                                        23507 - وقد رواه جماعة غيره ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر ، وسعيد قد روى ما لا يختلفون في ذلك ، واختلفوا في سماعه منه .

                                                                                                                        23508 - وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في هذه المسألة أنه إن مسها لم يكن له صرفها ، وهي امرأته إن شاء طلق ، أو أمسك ، وإن علم قبل أن يمس كان له الفسخ ، ولا شيء عليه ، فخالف عمر - رضي الله عنهما - في غرم الصداق ; لأن الزوج قد لزمه الصداق بالمسيس ، وهو قياس السنة في قوله - صلى الله عليه وسلم - في النكاح بغير ولي ، وقد نهى عنه : " فإن دخل بها ، فلها مهرها بما استحل منها " .

                                                                                                                        [ ص: 94 ] 23509 - ذكر ابن أبي شيبة ، قال : حدثني ابن إدريس ، عن أبيه عن الحكم قال : كان علي يقول في المجنونة والبرصاء : إن دخل بها فهي امرأته ، وإن لم يدخل فرق بينهما .

                                                                                                                        23510 - وعبد الرزاق ، عن الثوري ، عن إسماعيل ، عن الشعبي ، عن علي ، قال : ترد من القرن ، والجنون ، والجذام ، والبرص ، فإن دخل بها ، فعليه المهر ، إن شاء طلق ، وإن شاء أمسك ، وإن لم يدخل فرق بينهما .

                                                                                                                        23511 - وأما اختلاف الفقهاء في ذلك ، فقال مالك وغيره عنه ترد المرأة في الجنون ، والجذام ، والبرص ، وداء النساء الذي في الفرج إذا تزوجها ، وهو لا يعلم بذلك ، فإن دخل بها فلها الصداق بما استحل منها ، ويرجع الزوج على وليها الأب أو الأخ ؛ لما دلس عليه ، إلا أن يكون وليها ابن عم ، أو مولى ، أو رجلا من العشيرة ، ممن لا علم له بشيء من أمرها ، فلا غرم عليه .

                                                                                                                        23512 - قال : وأرى ذلك عليها خاصة ; لأنها غرت ، ويترك لها عوضا عن [ ص: 95 ] مسيسه إياها قدر ما يستحل به مثلها .

                                                                                                                        23513 - قال : والمرأة مثل ذلك إذا تزوجها الرجل ، وبه هذه العيوب .

                                                                                                                        23514 - قال : وإن كانت المرأة التي بها هذه العيوب لم يدخل الزوج بها ، فهو بالخيار ، إن شاء خلى سبيلها ، ولا شيء لها عليه من المهر ، وإن شاء أمسك .

                                                                                                                        23515 - قال ابن القاسم : وإن وجدها عمياء ، أو مقعدة ، أو شلاء ، وشرط الولي عنها صحتها ، فهو مثل ذلك ، ولا شيء عليه من صداقها إن لم يدخل بها ، وإن دخل بها ، فعليه المهر ، ويرجع على الذي أنكحها ; لأن مالكا قال في امرأة تزوجت فإذا هي بغية : يزوجوه على نسب وإن زوجوه ، فلا شيء لهم عليه .

                                                                                                                        23516 - قال مالك : لا ترد الزوجة إلا من العيوب الأربعة ، ولا ترد من العمى ، والسواد .

                                                                                                                        23517 - وقال ابن وهب : المجذوم البين جذامه ترد منه .

                                                                                                                        [ ص: 96 ] 23518 - قال : وبلغني عن مالك في البرص أنه لا يفرق بينه وبين امرأته .

                                                                                                                        23519 - وهو رأي .

                                                                                                                        23520 - قال أبو عمر : تحصيل مذهب مالك أنه لا ترد الزوجة بغير العيوب الثلاثة التي جاءت منصوصة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وترد من كل داء يمنع من الجماع ; لأنه الغرض المقصود للنكاح ; ولأن العيوب الثلاثة المنصوصة عن عمر تمنع من طلب التناسل ، وهو معنى النكاح .

                                                                                                                        23521 - وزاد ابن القاسم أنه إذا اشترط الناكح السلامة ردت من كل عيب ، قياسا على قول مالك فيمن اشترط النسب ، فخرجت بغية .

                                                                                                                        23522 - وأما قول مالك في الموطوءة ، وبها العيب من هذه العيوب أنها ترد ما أخذت ، حاشا ربع دينار ، فإنه قاسه على المدلس بالعيب في السلع إذا استهلكت .

                                                                                                                        23523 - واستدلالا بقول عمر : ذلك لها غرم على وليها .

                                                                                                                        23524 - وقال ابن سحنون في الجنون والجذام ، والبرص ، وداء النساء الذي يكون في الفرج .

                                                                                                                        [ ص: 97 ] 23525 - وقال الليث : ورأى الآكلة كالجذام .

                                                                                                                        23526 - قال : وكان ابن شهاب يقول : من كل داء عضال .

                                                                                                                        23527 - وقال الشافعي : ترد المرأة من الجنون ، والجذام ، والبرص ، والقرن ، فإن كان قبل الدخول ، فلا شيء لها ، وإن كان بعد الدخول ، فلها مهر مثلها بالمسيس ، ولا يرجع به عليها ، ولا على وليها .

                                                                                                                        23528 - وهو قول الحسن بن صالح بن حي إلا أنه قال : لها مهرها المسمى .

                                                                                                                        23529 - قال : وكذلك إن وجدت المرأة بالزوج برصا ، أو جنونا ، أو جذاما كان لها فسخ النكاح .

                                                                                                                        23530 - قال أبو عمر : حجة الشافعي ، ومن قال بقوله أنه لا يرجع عليها بعد المسيس بشيء من مهرها ، ولا لوليها ، علم أو لم يعلم - قوله ، صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة نكحت بغير ولي ، فنكاحها باطل " ثم قال : فإن دخل بها ، فلها المهر مما استحل بها ، فإذا كان المسيس في النكاح الباطل يوجب لها المهر كله ، كان أحرى أن يجب لها ذلك بالنكاح الصحيح الذي لو شاء أن يقيم عليه ويرضى بالعيب ، كان ذلك له .

                                                                                                                        23531 - وقال سفيان الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والأوزاعي : لا [ ص: 98 ] يفسخ النكاح بعيب المرأة ، وكذلك إن كان عيب الرجل ، لم يفسخ أيضا .

                                                                                                                        23532 - وهو قول ابن أبي ليلى ، وأبي الزناد .

                                                                                                                        23533 - قال ابن أبي ليلى ، وأبو الزناد : لا ترد المرأة بجنون ، ولا بجذام .

                                                                                                                        23534 - وقال الثوري : لا ترد من برص ، ولا عيب .

                                                                                                                        23535 - وقال الأوزاعي في البرصاء والعفلاء واطلع عليها : لها المهر بالمسيس ، ثم إن شاء طلق ، وإن شاء أمسك .

                                                                                                                        23536 - وقال محمد بن الحسن عنه ، وعن أصحابه : إذا وجدت المرأة عن حال لا تطيق المقام معه من جذام أو نحوه ، فلها الخيار في الفسخ ، كالغبن .

                                                                                                                        23537 - قال أبو عمر : حجة هؤلاء الذين لا يرون رد زوجة بعيب : القياس على الإجماع ; لأنهم لما أجمعوا على أن النكاح لا ترد فيه المرأة بعيب صغير خلاف البيوع . كان كذلك العيب الكبير ، وقد قال بقول المدنيين جماعة من التابعين ، وكذلك قال بقول الكوفيين جماعة من التابعين .

                                                                                                                        23538 - كتب عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة أبو بكر ، قال : حدثني [ ص: 99 ] عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري ، في الرجل تزوج امرأة ، فدخل بها ، فرأى بها جنونا ، أو جذاما ، أو برصا ، أو عفلا ، أنها ترد من هذا ، ولها الصداق الذي استحل به فرجها العاجل والآجل ، وصداقها على من غره .

                                                                                                                        23539 - قال : وإذا تزوج الرجل المرأة ، وبالرجل عيب لم تعلم به : جنون ، أو جذام ، أو برص خيرت .

                                                                                                                        23540 - وقال عبد الرازق ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : إن كان الولي علم غرم ، وإلا استحلف بالله ما علم ، ثم هو على الزوج .

                                                                                                                        23541 - قال أبو عمر : من علم من الزوجين بأحد هذه العيوب من صاحبه ، ورضيه ، ولم يطلب الفراق حين علم ، وأمكنه الطلب ، فقد لزمه ، ولو رضيت بالمقام مع المجذوم ، ثم زادت حاله ، كان لها الخيار أيضا .

                                                                                                                        23542 - وأما الجنون إذا كان لا يؤمن عليها : فقد قال ابن القاسم ، وغيره من أصحاب مالك : يؤجل سنة يتعالج فيها ، إن كان ممن يرجى برؤه ، وكذلك المجذوم عندهم .

                                                                                                                        23542 م - وذكر ابن عبد الحكم ، عن مالك في المجنون أنه يحبس في الحديد ، فإن راجعه عقله ، وإلا فرق بينه وبين امرأته ، ولم يذكر تأجيل سنة .

                                                                                                                        [ ص: 100 ] 23543 - ولم أعلم أحدا من العلماء قال : إن المجنون يؤجل سنة كالعنين والمعترض ، إلا ما في كتاب أصحاب مالك ، رحمهم الله .

                                                                                                                        23544 - قال أبو عمر : إن استحقت المرأة المهر بالمسيس ، فالقياس ألا يكون على الولي شيء ، علم أو لم يعلم ; لأن الزوج قد اعتاض من مهره المسيس ، فكيف يكون له عوض آخر .

                                                                                                                        23545 - قال أبو عمر : لم يختلف الفقهاء في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد منه إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي ، أنه لا ترد الرتقاء ، ولا غيرها .

                                                                                                                        23546 - والفقهاء كلهم على خلاف ذلك ; لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح .

                                                                                                                        23547 - وفي الإجماع هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ، ولو كان موضع وطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج .

                                                                                                                        23548 - وفي إجماعهم أيضا على العقيم التي لا تلد لا ترد ، فالصحيح ما قلناه ، وبالله توفيقنا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية