الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والاستطاعة الثالثة : أن يكون مستطيعا بماله معضوبا في بدنه ، لا يقدر أن يثبت على مركب لضعفه وزمانته ، ففرض الحج عليه واجب ، وعليه أن يستأجر من يحج عنه ، إذا كان فرضه غير مرجو وبه قال من الصحابة علي بن أبي طالب عليه السلام ، ومن التابعين الحسن البصري رحمه الله ، ومن الفقهاء الثوري وأحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة إن قدر على [ ص: 9 ] الحج قبل زمانته لزمه الحج ، وإن لم يقدر عليه ، وقال مالك لا حج عليه بحال ولا يجوز أن يستأجر من يحج عنه في حال حياته ، فإن أوصى أن يحج عنه بعد وفاته جاز ، واستدل بقوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 39 ] ، وفعل غيره ليس من سعيه ، وبقوله تعالى : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [ آل عمران : 97 ] ، والمعضوب لا يستطيع السبيل إليه ، قال : ولأن كل عبادة لا تصح النيابة فيها مع القدرة لا تصح النيابة فيها مع العجز كالصيام والصلاة ودليلنا ما روي عن ابن عمر أن رجلا قام عند نزول قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [ آل عمران : 97 ] ، فقال يا رسول الله ما السبيل ؟ فقال : زاد وراحلة . فصار وجوب الحج متعلقا بوجود الزاد والراحلة .

                                                                                                                                            وروى سلمان بن يسار عن ابن عباس أن امرأة من خثعم ، قالت : يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة فهل ترى أن أحج عنه ، قال : نعم . قالت : أوينفعه ذاك ، فقال : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ؟ قالت : نعم . قال : فدين الله أحق أن يقضى . وفي هذا الحديث دليل على وجوب الحج عليه ، وعلى جواز النيابة عنه ولأنها عبادة يجب بإفسادها الكفارة ، فوجب أن يجب على المعضوب كالصيام ، فأما الجواب عن قوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 39 ] ، فقد وجد من المعضوب السعي ، وهو بذل المال ، والاستئجار ، وأما قيامه على الصلاة ، فالمعنى فيها : أنها لا تدخلها النيابة بحال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية