الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أكراه سنة ولم يقبض الكراء ثم فلس المكتري كان للمكري فسخ الكراء " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد مضى الكلام في هذه المسألة إذا فلس مستأجر الأرض وكان مستأجر الدار مثله .

                                                                                                                                            فإذا استأجر دارا سنة ثم فلس لم يخل حال الأجرة من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون أقبض جميعها فلا خيار للمؤاجر لاستيفاء حقه ، كما لا خيار للبائع إذا قبض جميع الثمن ، والواجب أن يؤاجر الدار ما بقي من مدة إجارتها فتكون الأجرة موقوفة لتمضي المدة سليمة خوفا من استحقاق استرجاعها بانهدام الدار قبل تقضي إجارتها ، فإذا مضت المدة سليمة قسمت الأجرة حينئذ بين الغرماء .

                                                                                                                                            والحالة الثانية : أن تكون الأجرة بكمالها باقية على المستأجر ، فللمؤاجر الخيار في فسخ الإجارة واسترجاع الدار المؤاجرة بجميع الأجرة أو المقام عليها ومساهمة الغرماء بأجرتها ، فإن أقام على الإجارة وجب إجارة الدار ما يبقى من مدة الإجارة وقسم أجرتها بعد مضي المدة بين جميع الغرماء ويكون المؤاجر أسوتهم ، فإن قيل : هلا اختص المؤاجر بجميع هذه الأجرة لأنها عين ماله ؟ قيل : ليست الأجرة عين ماله ، وإنما المنفعة عين ماله والأجرة بدل منها ، فصار بمثابة بائع السلعة إذا اختار إمضاء البيع ، فإذا بيعت السلعة لم يختص البائع بثمنها بل كان فيه أسوة الغرماء : لأنه بدل من عين ماله كذلك الأجرة .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يكون المستأجر قد أقبض بعض الأجرة وبقي بعضها ، فلا فسخ للمؤاجر فيما قبض أجرته من المدة وعليه المقام إلى انقضائها وله الفسخ فيما لم يقبض أجرته من المدة ، فإن اختار الفسخ استرجع الدار بعد انقضاء ما قابل المقبوض من المدة بما بقي من الأجرة ، فإن اختار الإمضاء أقام على الإجارة إلى انقضاء مدتها وضرب مع الغرماء بباقي الأجرة ، ووجب إجارة الدار بما بقي من المدة لتقسم الأجرة بين غرماء المفلس عند انقضاء تلك المدة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية