الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وللأم الثلث ، فإن كان للميت ولد أو ولد ولد أو اثنان من الإخوة أو الأخوات فصاعدا ، فلها السدس إلا في فريضتين ، إحداهما زوج وأبوان ، والأخرى امرأة وأبوان ، فإنه يكون في هاتين الفريضتين للأم ثلث ما يبقى بعد نصيب الزوج أو الزوجة ، وما بقي فللأب " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن للأم في ميراثها ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            إحداهن : أن يفرض لها الثلث وهو أكمل أحوالها ، وذلك إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن ولا اثنان فصاعدا من الإخوة والأخوات ، قال الله تعالى : وورثه أبواه فلأمه الثلث [ النساء 11 ] ، فاقتضى الكلام أن الباقي بعد ثلث الأم للابن ، وهذا الثلث قد تأخذه تارة كاملا ، وقد تأخذه تارة عائلا .

                                                                                                                                            والحالة الثانية : أن يفرض لها السدس وذلك أقل أحوالها إذا حجبت عن الثلث وحجبها عن الثلث إلى السدس يكون بصنفين :

                                                                                                                                            أحدهما : الولد أو ولد الابن يحجب الأم عن الثلث إلى السدس ذكرا كان أو أنثى ، كما قلنا في حجب الزوج والزوجة ، وسواء في ذلك الولد أو ولد الابن بالإجماع إلا ما خالف فيه مجاهد وحده حيث لم يحجب بولد الابن ، وقد تقدم ذكره .

                                                                                                                                            والدليل على ذلك قوله تعالى : وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس [ النساء : 11 ] .

                                                                                                                                            والصنف الثاني : حجبها بالإخوة والأخوات ، فالواحد منهم لا يحجبها إجماعا ، والثلاثة من الإخوة والأخوات يحجبونها عن الثلث إلى السدس إجماعا لقوله تعالى : وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس [ النساء 11 ] ، وسواء كان الإخوة لأب وأم أو لأب أو أم ، وسواء كان الإخوة ذكورا أو إناثا ، وقال الحسن البصري : لا أحجب الأم بالأخوات المنفردات تعلقا بقوله تعالى : فإن كان له إخوة فلأمه السدس [ النساء : 11 ] .

                                                                                                                                            واسم الإخوة لا ينطلق على الأخوات بانفرادهن ، وإنما يتأولهن العموم إذا دخلن مع الإخوة تبعا ، وهذا خطأ : لأن الله تعالى إنما أراد بذلك الجنس ، وإذا كان الجنس مشتملا على الفريقين غلب في اللفظ حكم التذكير ، على أن الإجماع يدفع قول الحسن عن هذا القول .

                                                                                                                                            فأما حجب الأم بالاثنين من الإخوة والأخوات فالذي عليه الجمهور أنها تحجب بهما إلى السدس ، وهو قول عمرو وعلي وزيد بن مسعود - رضي الله عنهم - والشافعي ومالك وأبي حنيفة وجماعة الفقهاء ، وانفرد عبد الله بن عباس فخالف الصحابة بأسرهم فلم يحجبها إلا بالثلاثة من الإخوة والأخوات فصاعدا ، وهي إحدى مسائله الأربعة التي خالف فيها جميع الصحابة استدلالا بظاهر قوله تعالى : فإن كان له إخوة فلأمه السدس [ النساء 11 ] فذكر [ ص: 99 ] الإخوة بلفظ الجمع ، وأقل الجمع المطلق ثلاثة .

                                                                                                                                            وروي أن عبد الله بن عباس دخل على عثمان بن عفان - رضي الله عنهما - فقال : ما بال الأخوات يحجبن الأم عن الثلث والله تعالى يقول : فإن كان له إخوة [ النساء 11 ] فقال عثمان : ما كنت لأغير شيئا توارث الناس عليه وصار في الآفاق . فدل هذا القول من عثمان على انعقاد الإجماع ، وإن لم ينقرض العصر على أن الأخوين يحجبانها ، ولم يأخذ بقول ابن عباس أحد ممن تأخر إلا داود بن علي .

                                                                                                                                            والدليل على صحة ما ذهب إليه إجماع من حجبها بالاثنين من الإخوة والأخوات هو أن كل عدد روعي في تغيير الفرض فالاثنان منهم يقومان مقام الجمع : كالأختين في الثلثين ، وكالأخوين من الأم في الثلث ، فكذلك في الحجب .

                                                                                                                                            وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الاثنان فما فوقهما جماعة ، وقد جاء في كتاب الله تعالى في العبارة عن الاثنين بلفظ الجمع في قوله تعالى : إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض [ ص : 22 ] ، فذكرهم بلفظ الجمع وهم اثنان ، وقال تعالى : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين [ الأنبياء 78 ] ، فإذا ثبت هذا لم يمتنع ذلك في ذكر الإخوة في الحجب بلفظ الجمع ، وإذا كان كذلك وجب حجبها بما اتفق عليه الجمهور من الاثنين فصاعدا ، سواء كانا أخوين أو أختين أو أخ وأخت لأب وأم أو لأب أو لأم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية