الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة الخامسة : قال : إن وطئتك ، فضرتك طالق ، فهو مؤل عن المخاطب ، ومعلق طلاق الضرة ، فإن وطئ المخاطبة قبل مضي المدة أو بعدها ، طلقت الضرة ، وانحل الإيلاء ، وإن طلقها بعد المطالبة ولم يطأها ، سقطت المطالبة ولم يطأها ، وخرج عن موجب الإيلاء ، فإن راجعها بعد ذلك عاد حكم الإيلاء ، وهذا حكم كل إيلاء كما سيأتي إن شاء الله تعالى . وإن بانت فجدد نكاحها ، ففي عود الإيلاء أقوال عود الحنث ، وهذا يشمل كل إيلاء ، فإن قلنا : يعود ، استؤنفت المدة من يوم النكاح ، نص عليه القاضي أبو الطيب وغيره . وسواء قلنا : يعود الإيلاء أم لا ، فطلاق الضرة يبقى معلقا بوطء المخاطبة ، حتى لو وطئ المخاطبة بعد الرجعة أو التجديد ، وقع بلا خلاف . وكذا لو وطئها وهي بائن زانيا ، ولا يعود الإيلاء لو نكحها بعد ذلك لانحلال اليمين بوطء الزنا . ولو ماتت الضرة ، انحل الإيلاء ، ولو طلقها ، لم يرتفع الإيلاء ولا المطالبة ما دامت في عدة الرجعية ، لأنه لو وطئ المخاطبة لطلقت ، فإذا انقضت أو أبان الضرة ، ابتدأ بخلع أو استيفاء عدد أو طلاق قبل الدخول ، ارتفع الإيلاء وسقطت المطالبة وإن كان ذلك بعد مضي مدة الإيلاء ، لأنه لو وطئها بعد ذلك ، لم يقع عليه طلاق . ثم إن وطئ المخاطبة ، انحلت اليمين ، ولا يعود إيلاؤها لو نكح الضرة ، وإن نكح الضرة قبل أن يطأها ، فعلى الخلاف في عود الحنث ، فإن قلنا : لا يعود ، لم يعد الإيلاء ، وإلا فيعود ، وإذا أعدناه ، فهل يستأنف المدة ، أم يبني ؟ وجهان ، اختار الإمام والغزالي البناء ، وقطع البغوي وغيره بالاستئناف ، وهو أصح . المسألة السادسة : قال لامرأتيه : إن وطئت إحداكما ، فالأخرى طالق ، [ ص: 236 ] فإما أن يعين بقلبه واحدة ، وإما لا ، فإن عين ، فهو مؤل منها وحدها ، لكن الأمر في الظاهر مبهم ، فيقال له بعد المدة : بين التي أردتها ، فإن بين ، فلها مطالبته بالفيأة أو الطلاق ، والقول قوله بيمينه ، أنه لم يرد الأخرى ، وإن لم يبين وطالبتاه جميعا ، قال له القاضي : فئ إلى التي آليت منها ، أو طلقها ، فإن امتنع ، طلق القاضي إحداهما على الإبهام ، تفريعا على أن القاضي يطلق على المؤلي إذا امتنع ، هكذا قاله ابن الحداد ، واعترض عليه القفال ، قال : لا يطلق القاضي إحداهما مبهمة ، لأنهما معترفتان بالإشكال ، فدعواهما غير مسموعة ، كما لو حضر رجلان عند القاضي ، وقال : لأحدنا على هذا ألف درهم ، وزاد المتولي فقال : هذا إذا جاءتا معا وادعتا كذلك ، فلو انفردت كل واحدة ، وقالت : آلى مني ، فإن أقر بما قالتا ، أخذ بموجب إقراره ، وإن كذب الأولى ، تعين الإيلاء في الثانية . وقال كثير من الأصحاب : قول ابن الحداد صحيح ، لحصول الضرر ، فلا سبيل إلى إهمال الواقعة ، ولا إلى طلاق معينة ، فعلى هذا ، إذا طلق القاضي ، فقال الزوج : راجعت التي وقع عليها الطلاق ، ففي صحة الرجعة وجهان سبقا في الرجعة ، وبالصحة أجاب ابن الحداد ، فعلى هذا تضرب المدة مرة أخرى ، ويطلق القاضي مرة أخرى على الإبهام ، وهكذا إلى أن يستوفي الثلاث ، والأصح أن الرجعة لا تصح على الإبهام ، بل تبين المطلقة ، ثم يراجعها إن شاء . فلو وطئ إحداهما قبل البيان ، قال الشيخ أبو علي : لا يحكم بطلاق الأخرى ، لأنا لا ندري أن التي نواها هي الموطوءة أم الأخرى ، ويبقى الأمر بالبيان كما كان . فإن قال : أردت الأخرى ، لم تطلق واحدة منهما ، وتطالبه الأخرى بالفيأة أو الطلاق .

                                                                                                                                                                        فإن وطئها ، طلقت الموطوءة الأولى ، وإن قال : أردت الإيلاء من الموطوءة ، طلقت الأخرى ، وخرج عن موجب الإيلاء ، هذا إذا عين بقلبه إحداهما ، فإن لم ينو معينة ، فالذي ذكره الشيخ أبو علي والبغوي ، [ ص: 237 ] أنه يكون مؤليا منهما جميعا ، لأن أية واحدة وطئها طلقت الأخرى ، ولحقه الضرر . ويشبه أن يقال : تكون مؤليا من واحدة ، ويؤمر بالتعيين . كما في الطلاق ، وسيأتي مثله إن شاء الله تعالى فيما لو قال لنسوة : لا جامعت واحدة منكن ، ولم ينو ، ثم ذكر الشيخ أبو علي بناء على جوابه ، أنه إذا طولب بالفيأة أو الطلاق ، فوطئ إحداهما ، طلقت الأخرى وتخلص من الإيلائين ، ولو طلق إحداهما ، لم يسقط حكم الإيلاء في الثانية ، لأن بالوطء تنحل اليمين ، ولا تنحل بالطلاق . حتى لو وطئ التي لم يطلقها ، وقعت طلقة أخرى على التي طلقها إذا كانت في عدة الرجعة . ولو قال : كلما وطئت إحداكما ، فالأخرى طالق ، ووطئ بعد المطالبة إحداهما ، طلقت الأخرى وتخلص عن الإيلاء في حق الموطوءة ، ولا يتخلص بالكلية في حق الأخرى وإن سقطت المطالبة في الحال بوقوع الطلاق ، لأن اللفظ يقتضي التكرار ، فإذا راجعها ، عاد فيها الإيلاء . وحكى ابن الصباغ كلام ابن الحداد ثم قال : ومن الأصحاب من قال : يكون مؤليا منهما جميعا ، قال : وهذا أصح . ولم يفرق بين ما إذا عين واحدة بقلبه ، وما إذا لم يعين ، ولا وجه لكونه مؤليا منهما مع تعيين واحدة بقلبه بحال .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية