الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          وإذا حكم عليه ، فقال : اكتب لي إلى الحاكم الكاتب أنك حكمت علي حتى لا يحكم علي ثانيا . لم يلزمه ذلك . ولكنه يكتب له محضرا بالقضية ، وكل من ثبت له عند حاكم حق ، أو ثبتت براءته ، مثل : إن أنكر ، وحلفه الحاكم ، فسأل الحاكم أن يكتب له محضرا بما جرى ; ليثبت حقه أو براءته ، لزمه إجابته . وإن سأل من ثبت محضره عند الحاكم أن يسجل له فعل ذلك وجعله نسختين : نسخة يدفعها إليه ، والأخرى يحبسها عنده . والورق من بيت المال . فإن لم يكن ، فمن مال المكتوب له .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          ( وإذا حكم عليه ، فقال : اكتب لي إلى الحاكم الكاتب أنك حكمت علي [ ص: 113 ] حتى لا يحكم علي ثانيا . لم يلزمه ذلك ) جزم به في " المستوعب " ، وصححه في " الرعاية " ; لأن الحاكم إنما يحكم فيما ثبت عنده ليحكم به غيره ، أو فيما حكم به لينفذه غيره ، وكلاهما مفقود هنا .

                                                                                                                          والثاني : يلزمه ، جزم به في " المحرر " و " الوجيز " و " الفروع " ، ليخلص مما يخافه .

                                                                                                                          فإن قال : اشهد لي عليك بما جرى . لزمه ، ذكره في " المحرر " و " الرعاية " . ( ولكنه يكتب له محضرا بالقضية ) لأنه ربما حكم عليه غيره ثانيا ، وفيه ضرر ، وهو منتف شرعا . ( وكل من ثبت له عند حاكم حق ، أو ثبتت براءته ، مثل : إن أنكر ، وحلفه الحاكم ) أو ثبوت مجرد ، أو متصل بحكم وتنفيذ ، أو سأله أن يحكم له بما ثبت عنده . ( فسأل الحاكم أن يكتب له محضرا بما جرى ، ليثبت حقه أو براءته ، لزمه إجابته ) لأن الحاكم يلزمه إجابة من سأله لتبقى حجته في يده . فعلى هذا : إذا ثبت له حق بإقرار ، فسأله المقر له أن يشهد على نفسه بما ثبت عنده من الإقرار ، لزمه ذلك ، ولو قلنا يحكم بعلمه ; لأنه يحتمل أن ينسى . وإن ثبت عنده حق بنكول المدعى عليه ، أو بيمين المدعي بعد النكول ، فسأله المدعي أن يشهد على نفسه ، لزمه . لا يؤمن أن يترك بعد ذلك ويحلف ، ولا حجة للمدعي غير الإشهاد . فأما إن ثبت عنده ببينة ، فسأله الإشهاد ، فالمشهور : يلزمه ، لما فيه من تعديل البينة وإلزام خصمه . وقيل : لا يلزمه ; لأن له بالحق بينة . وإن حلف المنكر ، وسأل الحاكم الإشهاد على براءته لزمه ; ليكون حجة له في سقوط المطالبة مرة أخرى .

                                                                                                                          وحاصله : أنه يكتب له محضرا بجميع ذلك ، في الأصح ; لأنه وثيقة له ، فهو [ ص: 114 ] كالإشهاد ، لأن الشاهدين ربما نسيا الشهادة أو نسيا الخصمين .

                                                                                                                          وقيل : لا يلزمه ; لأن الإشهاد يكفيه . وإن سأله أن يسجل به ، فهل يلزمه ؛ فيه وجهان ؛ ( وإن سأله من ثبت محضره عند الحاكم أن يسجل له ) أي : كتابته وأتاه بورقة ، لزمه في الأصح . ولهذا قال : ( فعل ذلك ) قال أحمد : إذا أخذ الساعي زكاته كتب له براءة .

                                                                                                                          وقال الشيخ تقي الدين : يلزمه إن تضرر بتركه . وما تضمن الحكم ببينة سجل وغيره محضر .

                                                                                                                          وفي " المغني " و " الترغيب " : المحضر : شرح ثبوت الحق عنده ، لا الحكم بثبوته . ( وجعله نسختين : نسخة يدفعها إليه ، ونسخة يحبسها عنده ) هذا هو الأولى ، حتى إذا هلكت واحدة بقيت الأخرى . ( والورق من بيت المال ) لأن ذلك من المصالح . ( فإن لم يكن ، فمن مال المكتوب له ) لأنه الطالب لذلك ، لأن معظم الحاجة له . فإن لم يأته بذلك لم يلزمه ; لأن عليه الكتابة دون الغرم . تنبيه : من حكم له بحق بحجة بيده ، فأقبضه المحكوم عليه الحق ، وطالبه بتسليم الحجة ، لم يلزمه غير الشهادة على نفسه بأخذه . ذكره في " المستوعب " و " الرعاية " ; لأنه ربما خرج ما قبضه مستحقا ، فيحتاج إلى حجة تخصه .

                                                                                                                          وإن طلب المشتري من البائع الأصل ، لم يلزمه غير الشهادة عليه بالبيع ; [ ص: 115 ] لأن ذلك حجة له عند الدرك . ولمن عليه حق ببينة أن يمتنع من أدائه حتى يشهد عليه ربه بأخذه ، وإن كان بلا بينة فلا . ذكره أصحابنا .




                                                                                                                          الخدمات العلمية