الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 83 ]

                وأن تحييني حياة طيبة هنيئة ، وتقيني في الدين والبدن أعراض السوء الردية ، وتعدل بي عن السبل الوبية إلى المرية ، وتعصمني من حبائل الشيطان .

                التالي السابق


                قوله : " وأن تحييني حياة طيبة هنيئة ، وتقيني في الدين والبدن أعراض السوء الردية ، وتعدل بي عن السبل الوبية إلى المرية ، وتعصمني من حبائل الشيطان " .

                هذا أيضا عطف على ما سبق من الصلاة والرزق ، أي : أسألك أن تصلي ، وترزقني ، وتحييني ، ولهذا كانت هذه الأفعال وما عطف عليها فيما بعد منصوبة بتقدير " أن " الظاهرة في الفعل الأول منها ، وهو تصلي ، ولما كان الفسح في المدة قد يكون مع حياة طيبة ، وقد لا يكون ، سأل الله سبحانه وتعالى أن يكون ذلك مع حياة طيبة ، لأن ذلك من النعم التي وعد الله سبحانه وتعالى بها من أحسن من خلقه ، حيث قال : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة [ النحل : 97 ] .

                وروى عبد الرزاق عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنها الرزق الطيب في الدنيا ، وروى غيره عنه : أنها القناعة . وقال مجاهد وقتادة : هي الجنة . وقال الضحاك : العمل الصالح . وقيل : حلاوة الطاعة . والتحقيق في الحياة الطيبة : أنها حصول السرور ، وعدم الشرور ، أو يقال : حصول الملائم ، واندفاع المنافي .

                والهنيئة : من قولهم : هذا هنيء ، أي : لا تعب فيه ، وقال تعالى : فكلوه هنيئا مريئا [ النساء : 4 ] قيل : سائغا طيبا ، وحكي عن الأزهري : الهنيء : الذي يسمن ، والمريء : غير الوبي ، يقال : هنأني الطعام ومرأني بغير ألف ، فإن أفردته [ ص: 84 ] قلت : أمرأني . وفسره الأزهري : أنه الهطم ذكره الدياربكري في " تفسيره " .

                وتقيني : من الوقاية ، أي تدفع عني وتكفيني أعراض السوء الرديئة في الدين والبدن ، أي : ما يعرض فيهما مما يسوء ، كالخطأ في الاعتقاد والعمل ، والانحراف في مزاج البدن لاعتراض العلل ، لأن الصحة في الدين والبدن من جملة الحياة الطيبة ، وهو وما بعده من تفاصيلها ، وتعدل بي : أي تميل بي ، يقال : عدل عن الطريق ، أي : مال عن السبيل ، أي : الطرق الوبيئة التي فيها الوباء ، وهو مرض عام ، وهو يمد ويقصر ، واستعماله بالنسبة إلى البدن حقيقة ، وبالنسبة إلى الدين مجاز عن الأذى فيه باختلال اعتقاد أو عمل . إلى المرية ، أي : الطرق السالمة من الوباء والأذى التي يستمرى سلوكها ، أي : يكون سليم العاقبة من الأذى .

                " وتعصمني من حبائل الشيطان " : أصل العصمة المنع ، مأخوذ من عصام القربة ، وهو رباط القربة وسيرها الذي تحمل به ، فهو يمنعها من الوقوع إلى الأرض ، وأبو عاصم كنية السويق ، لأنه يمسك الرمق ، ويمنع السقوط ، فالمراد : تمنعني من حبائل الشيطان أن أقع فيها ، والمراد بحبائل الشيطان : جميع الشهوات والمعاصي التي تغري الإنسان بمواقعتها ، فهي له بالنسبة إليهم كالشباك [ ص: 85 ] والفخاخ ونحوها للصياد بالنسبة إلى الطير والوحش ، بجامع أن عاقبة الجميع الهلاك ، هؤلاء في الآجل ، وأولئك في العاجل بالذبح وأكل الصياد وغيره لهم ، فأما قوله عليه السلام : النساء حبائل الشيطان فليس المراد به حصر الحبائل في النساء ، بل إنهن من الحبائل وأعظمها وأجدرها بالوقوع فيها ، كقوله : الحج عرفة ، أي معظمه ، وواحدة الحبائل : حبالة بكسر الحاء .




                الخدمات العلمية