الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 224 ] المسألة التاسعة

              كون الظاهر هو المفهوم العربي مجردا لا إشكال فيه ; لأن الموالف والمخالف اتفقوا على أنه منزل بلسان عربي مبين [ الشعراء : 195 ] وقال سبحانه : ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر [ النحل : 103 ] ثم رد الحكاية عليهم بقوله : لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين [ النحل : 103 ] وهذا الرد على شرط الجواب في الجدل ; لأنه أجابهم بما يعرفون من القرآن الذي هو بلسانهم ، والبشر هنا حبر ، وكان نصرانيا فأسلم ، أو سلمان ، وقد كان فارسيا فأسلم ، أو غيرهما ممن كان لسانه غير عربي باتفاق منهم ، وقال تعالى : ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي [ فصلت : 44 ] وقد علم أنهم لم يقولوا شيئا من ذلك ; فدل على أنه عندهم عربي ، وإذا ثبت هذا فقد كانوا فهموا معنى ألفاظه من حيث هو عربي فقط وإن لم يتفقوا على فهم المراد منه ; فلا يشترط في ظاهره زيادة على الجريان على اللسان العربي .

              فإذا كل معنى مستنبط من القرآن غير جار على اللسان العربي ; فليس من علوم القرآن في شيء ، لا مما يستفاد منه ، ولا مما يستفاد به ، ومن ادعى فيه [ ص: 225 ] ذلك فهو في دعواه مبطل ، وقد مر في كتاب المقاصد بيان هذا المعنى والحمد لله .

              ومن أمثلة هذا الفصل ما ادعاه من لا خلاق له من أنه مسمى في القرآن كبيان بن سمعان حيث زعم أنه المراد بقوله تعالى : هذا بيان للناس الآية [ آل عمران : 138 ] وهو من الترهات بمكان مكين ، والسكوت على الجهل كان أولى به من هذا الافتراء البارد ، ولو جرى له على اللسان العربي لعده الحمقى من جملتهم ، ولكنه كشف عوار نفسه من كل وجه ، عافانا الله وحفظ علينا العقل والدين بمنه .

              وإذا كان بيان في الآية علما له ; فأي معنى لقوله : هذا بيان للناس [ آل عمران : 138 ] كما يقال : هذا زيد للناس ، ومثله في الفحش من تسمى بالكسف ، ثم زعم أنه المراد بقوله تعالى : وإن يروا كسفا من السماء ساقطا الآية [ الطور : 44 ] فأي معنى يكون للآية على زعمه الفاسد ؟ كما تقول : وإن يروا رجلا من السماء ساقطا يقولوا : سحاب مركوم ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا [ ص: 226 ] وبيان بن سمعان هذا هو الذي تنسب إليه البيانية من الفرق ، وهو فيما زعم ابن قتيبة أول من قال بخلق القرآن ، والكسف هو أبو منصور الذي تنسب إليه المنصورية .

              وحكى بعض العلماء أن عبيد الله الشيعي المسمى بالمهدي حين ملك [ ص: 227 ] إفريقية واستولى عليها ; كان له صاحبان من كتامة ينتصر بهما على أمره ، وكان أحدهما يسمى بنصر الله ، والآخر بالفتح ; فكان يقول لهما : أنتما اللذان ذكركما الله في كتابه فقال إذا جاء نصر الله والفتح [ النصر : 1 ] قالوا وقد كان عمل ذلك في آيات من كتاب الله تعالى ; فبدل قوله كنتم خير أمة أخرجت للناس [ آل عمران : 110 ] بقوله : كتامة خير أمة أخرجت للناس ، ومن كان في عقله لا يقول مثل هذا ; لأن المتسميين بنصر الله والفتح المذكورين إنما وجدا بعد مئين من السنين من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير المعنى : إذا مت يا محمد ثم خلق هذان ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح الآية [ النصر : 2 ] فأي تناقض وراء هذا الإفك الذي افتراه الشيعي قاتله الله ؟ .

              ومن أرباب الكلام من ادعى جواز نكاح الرجل منا تسع نسوة حرائر مستدلا على ذلك بقوله تعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع [ النساء : 3 ] ولا يقول مثل هذا من فهم وضع العرب في مثنى وثلاث ورباع [ ص: 228 ] ومنهم من يرى شحم الخنزير وجلده حلالا ; لأن الله قال : حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير [ المائدة : 3 ] فلم يحرم شيئا غير لحمه ، ولفظ اللحم يتناول الشحم وغيره بخلاف العكس [ ص: 229 ] ومنهم من فسر الكرسي في قوله : وسع كرسيه السماوات والأرض [ البقرة : 255 ] بالعلم مستدلين ببيت لا يعرف وهو : . . . . . . . . . . . . . .

              ولا يكرسئ علم الله مخلوق

              كأنه عندهم : ولا يعلم علمه ، ويكرسئ مهموز ، والكرسي غير مهموز ومنهم من فسر غوى في قوله تعالى وعصى آدم ربه فغوى [ طه : 121 ] أنه تخم من أكل الشجرة من قول العرب غوي الفصيل يغوي غوى [ ص: 230 ] إذا بشم من شرب اللبن وهو فاسد ; لأن غوي الفصيل فعل والذي في القرآن على وزن فعل .

              ومنهم من قال في قوله ولقد ذرأنا لجهنم [ الأعراف : 179 ] أي ألقينا فيها كأنه عندهم من قول الناس : ذرته الريح وذرأ مهموز وذرا غير مهموز وفي قوله : واتخذ الله إبراهيم خليلا [ النساء : 125 ] أي فقيرا إلى رحمته ، من الخلة بفتح الخاء محتجين على ذلك بقول زهير :

              وإن أتاه خليل يوم مسألة

              [ ص: 231 ] قال ابن قتيبة : أي فضيلة لإبراهيم في هذا القول ؟ أما يعلمون أن الناس فقراء إلى الله ؟ وهل إبراهيم في لفظ خليل الله إلا كما قيل : موسى كليم الله ، وعيسى روح الله ؟ ويشهد له الحديث : لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ، إن صاحبكم خليل الله ، وهؤلاء من أهل الكلام هم النابذون للمنقولات اتباعا للرأي ، وقد أداهم ذلك إلى تحريف كلام الله بما لا يشهد للفظه عربي ولا لمعناه برهان كما رأيت ، وإنما أكثرت من الأمثلة وإن كانت من الخروج عن مقصود العربية ، والمعنى على ما علمت لتكون تنبيها على ما وراءها مما هو مثلها أو قريب منها

              التالي السابق


              الخدمات العلمية