الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فصل

قال الرازي في تأسيسه الفصل السادس: "اعلم [أن] المشهور عن قدماء الكرامية إطلاق لفظ الجسم على الله تعالى إلا أنهم يقولون: لا نريد [به] كونه تعالى مؤلفا من الأجزاء، ومركبا من الأبعاض، بل نريد [به] كونه تعالى غنيا عن المحل قائما بالنفس. وعلى هذا التقدير فإنه يصير النزاع في أنه تعالى جسم أم لا نزاعا لفظيا. هذا حاصل ما قيل في هذا الباب، إلا أنا نقول: كل ما كان مختصا بحيز أو جهة [و]يمكن أن يشار إليه بالحس، فذلك المشار إليه إما أن لا يبقى منه شيء في جوانبه الستة أو يبقى فإن لم يبق منه شيء في جوانبه الستة فهذا يكون كالجوهر الفرد، وكالنقطة التي لا تتجزأ، ويكون في غاية الصغر والحقارة، ولا أظن أن عاقلا يرضى أن يقول إن إله العالم [ ص: 325 ] كذلك، أما إن بقي منه شيء في جوانبه الستة، أو في [أحد] هذه الجوانب، فهذا يقتضي كونه مؤلفا مركبا من الجزأين أو أكثر، أقصى ما في الباب أن يقول قائل: إن تلك الأجزاء لا تقبل التفريق والانحلال، إلا أن هذا لا يمنع من كونه في نفسه مركبا مؤلفا، كما أن الفلسفي يقول: الفلك جسم إلا أنه لا يقبل الخرق والالتئام، فإن ذلك لا يمنعه من اعتقاد كونه جسما طويلا عريضا عميقا، فثبت أن هؤلاء الكرامية لما اعتقدوا كونه تعالى مختصا بالحيز والجهة، ومشارا إليه بحسب الحس، واعتقدوا أنه تعالى ليس في الصغر والحقارة مثل الجوهر الفرد والنقطة التي لا تتجزأ وجب أن يكونوا قد اعتقدوا أنه تعالى ممتد في الجوانب أو في بعض الجوانب. ومن قال ذلك فقد اعتقد كونه تعالى مركبا مؤلفا. فكان امتناعه عن إطلاق لفظ المؤلف [ ص: 326 ] والمركب امتناعا عن مجرد هذا اللفظ مع كونه معتقدا لمعناه، فثبت أنهم إنما أطلقوا عليه لفظ الجسم لأجل أنهم اعتقدوا كونه تعالى طويلا عميقا عريضا ممتدا في الجهات.

فثبت [أن] امتناعهم عن هذا الكلام لمحض التقية والخوف، وإلا فهم يعتقدون كونه تعالى مركبا مؤلفا.

فهذا تمام الكلام في القسم الأول من هذا الكتاب، وهذا هو القسم المشتمل على الوجوه العقلية".

التالي السابق


الخدمات العلمية